في 2025/06/28
كامل جميل - الخليج أونلاين
في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافاً وقسوة، بدأت المملكة العربية السعودية تبحث عن مستقبل أخضر يتنفس في قلب الصحراء، بزراعة نحو 50 مليون بذرة في أربعة مواقع صحراوية.
ذلك ما كشف عنه المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، الثلاثاء (24 يونيو 2025)، مؤكداً أن هذه الكمية الكبيرة من البذور زرعت في أربعة مواقع صحراوية داخل المملكة، في إطار التعاون بين المركز وشركة "أرامكو".
وتمكن المركز من الاستفادة من عمليات المسح والحفر التي تنفذها "أرامكو" في 3 مواقع بصحراء الربع الخالي وموقعين في حرض ويبرين بالمنطقة الشرقية، من خلال نثر البذور الرعوية وزراعة الأنواع المحلية في عدد من المواقع المستهدفة.
وشملت أنواع البذور (الأرطى – والعرفج – والضمران – والرمث)، وجميعها بذور محلية.
يأتي ذلك ضمن عدد من الشراكات التي يعقدها المركز مع القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية؛ بهدف تنمية الغطاء النباتي والإسهام في تحقيق الاستدامة البيئية؛ مما يسهم في الحد من ظاهرتَي الاحتباس الحراري وزحف الرمال.
مهام عديدة لتنمية الصحراء
هذه المشاريع تعزز وجود غطاء نباتي مزدهر ومستدام في جميع أنحاء المملكة، وحمايته والمحافظة عليه وتطويره، وتأهيل الأراضي المتدهورة، واستعادة التنوع الأحيائي في البيئات الطبيعية.
ويمارس المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر دوراً مهماً في الإشراف على أراضي المراعي، والمتنزهات الوطنية واستثمارها، فضلاً عن الكشف عن التعديات على الغطاء النباتي، ومكافحة الاحتطاب حول المملكة، والمحافظة على الموارد الطبيعية.
تلك المهام تساهم في الوصول إلى تحقيق رؤية المركز في إيجاد غطاء نباتي مزدهر ومتنوع يعزز الاستدامة البيئية، ويسهم في الارتقاء بجودة الحياة.
هذا الدور المهم الذي تلعبه السعودية في الشأن البيئي قارب عمره عشر سنوات، حيث بدأت المملكة منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 في عام 2016، خطوات بارزة نحو بناء مستقبل أكثر استدامة.
كما تواصل مبادرة "السعودية الخضراء"، التي أُطلقت عام 2021، تعزيز جهود حماية البيئة وتسريع وتيرة التحول في قطاع الطاقة وتنفيذ برامج الاستدامة، بما يسهم في تقليل وتعويض الانبعاثات الكربونية، وتوسيع أعمال التشجير، واستصلاح الأراضي، وحماية النظم البيئية البرية والبحرية داخل المملكة.
الربع الخالي
الربع الخالي ليس مجرد مساحة جغرافية، إذ يعدّ صحراء عملاقة تغطي ما يقارب ثلث أراضي المملكة، تمتد على مساحة تفوق 650 ألف كيلومتر مربع، وتتجاوز حرارة نهاراتها أحياناً 50 درجة مئوية، لذلك لم يكن يُتوقع أن يلامسها مشروع بيئي بهذا الطموح.
تحويل هذه الصحراء الشاسعة المقفرة إلى بيئة خضراء لن يكون مشهداً عادياً؛ فالأرض التي كانت تُعرف بقسوتها أصبحت مسرحاً لغرس الحياة، والنفط الذي كان سبباً في المسح والحفر، أصبح وسيلة لدعم الزراعة البيئية في أماكن لم تحتضن بذرة واحدة منذ قرون.
من جانب آخر، فإن البذور التي زُرعت ليست مجرد نباتات عشوائية؛ فكل من العرفج، والأرطى، والرمث، والضِمران، نباتات يعرفها كبار السن في القرى الصحراوية، كان يستخدمها السكان في أزمنة ماضية للوقود وفي الحياة اليومية وغذاء للماشية.
ما يثير الانتباه أن المشروع لم ينفذ بأدوات بيئية فقط، بل استند إلى خبرات شركات الطاقة، وتحديداً "أرامكو"، التي استغلت مواقع الحفر والمسح في صحارى الربع الخالي وحرض ويبرين، لتحولها إلى مواقع لزراعة البذور.
الخطوة ليست عابرة، ولا تعني تحسين المنظر الطبيعي فقط، بل تمثل جزءاً من معركة استراتيجية ضد التصحر، الذي طال، لعقود، رقعة واسعة من الأراضي السعودية، بسبب التغير المناخي، والرعي الجائر، والتوسع العمراني.
برنامج وطني لتشجير
خلال حديث صحفي في مايو الماضي، أكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، المهندس خالد العبد القادر، أن البرنامج الوطني للتشجير حقق نتائج ملموسة داخل المملكة.
تمثلت النتائج في زراعة أكثر من 141 مليون شجرة في أنحاء المملكة، إلى جانب تأهيل أكثر من 310 آلاف هكتار من الأراضي المتدهورة، بالاعتماد على مياه الأمطار والمياه المعالجة، بما ينسجم مع توجهات المملكة في الحفاظ على مواردها الطبيعية وتعزيز الاستدامة البيئية.
أشار العبد القادر إلى أن مبادرة السعودية الخضراء تمثل تحولاً نوعياً في الأجندة البيئية الوطنية، لما تتضمنه من مستهدفات طموحة، أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة، بما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة في مختلف مناطق المملكة.
وشهد البرنامج، في هذا السياق، إطلاق "دليل تأهيل الأراضي في المناطق غير الزراعية بالمملكة"، ليكون مرجعاً علمياً وعملياً يُوحّد المفاهيم ويوجه المشاريع نحو أفضل الممارسات البيئية المعتمدة، بما يسهم في رفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، ويضمن استدامة التأهيل البيئي في بيئات المملكة المتنوعة.
فوائد تصل لدول مجاورة
يقول عمر عبد اللطيف، عضو مرصد العراق الأخضر والمختص في الشأن البيئي، إن مبادرة السعودية لزراعة 50 مليون بذرة في الصحراء تمثل خطوة بيئية طموحة سيكون لها تأثير إيجابي واسع النطاق، ليس فقط داخل السعودية، بل في الدول المجاورة لصحراء الربع الخالي أيضاً.
عمر عبد اللطيف، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، أوضح أن اختيار أنواع محددة من النباتات لم يكن عشوائياً، بل استند إلى دراسات علمية تؤكد قدرتها على التكيف مع البيئة الصحراوية القاسية.
وحول زراعة بذور نباتات الأرطى والعرفج والضمران والرمث يشير إلى أن السبب في اختيارها كونها:
تتحمل درجات الحرارة المرتفعة.
تتحمل شح المياه والجفاف.
سريعة النمو.
يؤكد عبد اللطيف أن هذه الخصائص تجعل هذه النباتات قادرة على التحول إلى أشجار منتجة للأوكسجين في غضون سنوات قليلة، لتكون أخيراً عنصراً مهماً في جهود مواجهة زحف الرمال والاحتباس الحراري.
المشروع يعكس توجهاً استباقياً تتبناه السعودية في التعامل مع التحديات المناخية المحتملة، بحسب عبد اللطيف، الذي يلفت إلى أن المملكة تسعى عبر مثل هذه المبادرات إلى حماية بيئتها الطبيعية من التدهور، وتخفيف آثار التغير المناخي.
كما يرى أن المشروع السعودي لا ينقذ فقط بيئة المملكة بل تمتد آثاره الجانبية للدول القريبة منه، أو المتصلة بالصحراء السعودية، مثل العراق والإمارات وقطر والكويت، مبيناً أن جميع هذه الدول معرضة لتداعيات مناخية متزايدة.
وأشار عبد اللطيف إلى أن ما يُحسب للسعودية هو امتلاكها بنية بحثية متقدمة ومراكز دراسات بيئية نشطة، تعمل على اختبار قدرة هذه النباتات في مختلف الظروف المناخية، مما يعزز من فرص نجاح المشروع واستدامته على المدى الطويل.
الاستعدادات السعودية هذه تعكس إدراكاً عميقاً من المملكة لحجم التغيرات المناخية المتوقعة خلال العقد المقبل، ورغبتها في التعامل معها بحلول عملية قائمة على العلم والتخطيط المسبق، على حدّ قول الخبير البيئي.