في 2025/08/15
يوسف حمود - الخليج أونلاين
تشهد اقتصادات دول الخليج العربي زخماً متزايداً في عام 2025، مدفوعة بارتفاع إنتاج النفط وتنامي القطاعات غير النفطية، في وقت تتقاطع فيه توقعات المؤسسات البحثية مع مؤشرات الأسواق حول قدرة المنطقة على تحقيق معدلات نمو تفوق المتوسط العالمي.
وفي ظل بيئة دولية مضطربة تجمع بين تقلبات أسعار الطاقة وعدم اليقين في السياسات التجارية الأمريكية والتوترات الجيوسياسية الإقليمية، تبرز اقتصادات الخليج كأحد المراكز القليلة التي توازن بين المخاطر والعوائد.
ويعزى ذلك إلى مزيج من الإصلاحات المالية والهيكلية، والاحتياطيات الضخمة، والاستثمارات الاستراتيجية في مجالات مثل السياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، إلى جانب سياسات نقدية حذرة تساهم في استقرار أسعار الصرف والحفاظ على التضخم في مستويات معتدلة.
نمو بوتيرة أسرع
وفق استطلاع أجرته "رويترز" لآراء 20 خبيراً اقتصادياً، بين 15 و28 يوليو الماضي، فإن معظم اقتصادات الخليج ستنمو بوتيرة أسرع في 2025 مقارنة بـ2024، مدفوعة بزيادة إنتاج النفط وجهود التنويع الاقتصادي.
وقدر الاستطلاع متوسط سعر خام برنت عند 67.86 دولاراً للبرميل في 2025، في حين تراوح السعر حول 70 دولاراً معظم العام حتى الآن.
ورغم التخفيضات الكبيرة في إنتاج الخام منذ أواخر 2022، فإن دول "أوبك+" زادت إنتاجها منذ أبريل لاستعادة حصصها السوقية، مدعومة بارتفاع الطلب في بعض الأسواق الناشئة وزيادة الأنشطة الصناعية في آسيا.
وتوقع الاستطلاع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 3.8% في 2025، مقابل 1.3% في 2024، مدعوماً بزيادة الإنفاق على المشروعات الكبرى والتوسع في الاستثمارات الصناعية واللوجستية.
ومن المنتظر أن تحقق الإمارات نمواً قدره 4.8% هذا العام و4.6% في السنة القادمة، فيما تسجل قطر 2.7% في 2025 و5.4% في 2026 بدعم توسعة إنتاج الغاز الطبيعي المسال ومشاريع البنية التحتية المرافقة لها.
أما عُمان والكويت، فيُتوقع أن تحقق كل منهما 2.8% و3% على التوالي هذا العام، مع بقاء البحرين استثناءً بتراجع طفيف إلى 2.9% وسط ضغوط على قطاعي النفط والتكرير.
أحدث المؤشرات الاقتصادية
حتى أغسطس 2025، استقرت أسعار خام برنت في نطاق 69–71 دولاراً للبرميل، بدعم من توقعات بزيادة الطلب في الربع الأخير من العام وقرارات تحالف "أوبك+" بخفض تدريجي لقيود الإنتاج، إلى جانب تحسن الإمدادات في بعض الممرات البحرية وتقليص اضطرابات الشحن.
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن القطاعات غير النفطية في الخليج، خاصة السياحة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا، تسجل نمواً يتجاوز 5% على أساس سنوي، ما يساهم في تخفيف أثر تقلبات أسعار النفط وتوسيع قاعدة النمو.
في السعودية، أطلقت الحكومة حزمة مشاريع جديدة في مجالات الطاقة المتجددة والنقل الذكي بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار منذ بداية العام، في إطار "رؤية 2030"، مع الإعلان عن خطط لمجمعات صناعية متخصصة في الصناعات المتقدمة.
وواصل قطاع العقارات في الإمارات جذب الاستثمارات الأجنبية، مع تسجيل دبي ارتفاعاً في أسعار الوحدات السكنية بنسبة 12% خلال النصف الأول من 2025، وافتتاح مشروعات فندقية جديدة استعداداً لمواسم سياحية عالمية.
أما قطر، فقد بدأت الأعمال التمهيدية لتوسعة حقل الشمال، وهو المشروع الذي يتوقع أن يعزز إنتاج الغاز المسال بأكثر من 60% بحلول 2027، مصحوباً بإنشاء مرافق تخزين وشحن متطورة.
دور النفط و"أوبك+"
وتظل سياسات إنتاج النفط في صلب معادلة النمو الخليجي. فمع بدء "أوبك+" تخفيف التخفيضات اعتباراً من الربع الثاني من 2025، ارتفع إنتاج السعودية إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً، فيما عززت الإمارات طاقتها الإنتاجية في حقول بحرية، وأطلقت مشاريع لزيادة الكفاءة التشغيلية وخفض الانبعاثات.
ويهدف هذا التوجه إلى استعادة حصص سوقية مفقودة لصالح منتجين مستقلين مثل الولايات المتحدة والبرازيل، مع الحفاظ على التوازن في الأسواق العالمية وتجنب تقلبات حادة في الأسعار.
لكن هذا المسار محفوف بمخاطر تتعلق بتقلب الأسعار إذا تراجع الطلب العالمي أو زاد المعروض خارج "أوبك+".
وتراقب العواصم الخليجية التطورات في آسيا، خصوصاً في الصين والهند، باعتبارهما أكبر مستهلكين للنفط، حيث قد تؤثر وتيرة نموهما الاقتصادي على عوائد الصادرات النفطية، إضافة إلى ترقب قرارات السياسات النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا لما لها من تأثير مباشر على كلفة التمويل والاستثمار في مشاريع الطاقة.
الإصلاحات المالية
ويوضح المحلل الاقتصادي، أحمد صدام، لـ"الخليج أونلاين" أن النمو في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة الأخيرة ارتكز على عاملين رئيسيين، هما زيادة إنتاج النفط مدفوعة بتحسن حصص "أوبك+"، وقوة القطاعات غير النفطية التي تلقت دعماً من الاستثمارات في مجالات البنية التحتية والسياحة والتقنيات الجديدة.
وأضاف أن الإصلاحات المالية والهيكلية تظل الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية على المدى البعيد وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية، مشدداً على أهمية استمرار العمل على هذا المسار لتعزيز قدرة الاقتصادات الخليجية على مواجهة التحديات.
وأشار صدام إلى أن تحقيق هذه الاستدامة يتطلب تعميق الشراكات الاقتصادية الإقليمية من خلال توسيع نطاق الصادرات غير النفطية وتسريع وتيرة التحول الرقمي بما يرفع الإنتاجية ويخفض التكاليف التشغيلية.
وأوضح أن تنويع مصادر الإيرادات العامة، عبر أدوات مثل الضرائب ورسوم الخدمات، إلى جانب التوسع في مشاريع السياحة والمشاريع الإنشائية المرتبطة بها، يمكن أن يسهم في جذب الاستثمارات وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.
القطاعات غير النفطية
وتشكل الأنشطة غير النفطية العمود الفقري لخطط التنويع الاقتصادي. ففي الإمارات، ارتفعت إيرادات السياحة بنسبة 18% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق، مدفوعة بفعاليات دولية كبرى ومعارض متخصصة، مع خطط لافتتاح وجهات سياحية جديدة في أبوظبي ودبي.
وبالسعودية، حقق قطاع الخدمات اللوجستية قفزة نوعية مع افتتاح مناطق تخزين وتوزيع جديدة تربط موانئ البحر الأحمر والخليج، إضافة إلى توسع في الموانئ الجافة والمناطق الحرة.
كما تشهد عُمان نمواً في قطاع الصناعات التحويلية بفضل استثمارات في مجمعات بتروكيماوية ومناطق صناعية جديدة، بينما تركز الكويت على تطوير قطاع التكنولوجيا المالية لجذب شركات ناشئة وتوسيع خدمات الدفع الرقمي.
وفي قطر، يتوسع قطاع الرياضة والترفيه مع استضافة بطولات إقليمية ودولية، بالتوازي مع تطوير بنية تحتية متكاملة لدعم هذه الفعاليات.