في 2025/09/20
طه العاني - الخليج أونلاين
تنطلق السعودية في مسار متجدد لتعزيز موقعها كأكبر سوق إقليمي للمشاريع والبنية التحتية، وسط دينامية اقتصادية تستهدف تحويل قطاع المقاولات إلى أداة فاعلة لدعم التحولات العمرانية والتنموية المرتبطة برؤية 2030.
ويأتي "منتدى المشاريع المستقبلية" في نسخته السابعة كمنصة جامعة للشركات المحلية والعالمية، وللمستثمرين والجهات الحكومية، بما يعكس حجم الرهان على هذا القطاع الحيوي في السنوات المقبلة.
منتدى المشاريع
وشهدت الرياض، في 8 سبتمبر، افتتاح "منتدى المشاريع المستقبلية"، الذي استمر 3 أيام، بمشاركة واسعة تجاوزت 19 ألف زائر وممثل عن 214 جهة محلية ودولية.
واستعرض المنتدى أكثر من 21 ألف مشروع تصل قيمتها التقديرية إلى تريليونات الريالات، وهو ما يؤشر إلى طفرة جديدة في قطاع المقاولات السعودي.
وقال الأمين العام للهيئة السعودية للمقاولين عبد المجيد الرشودي في لقاء مع قناة CNBC عربية، في 9 سبتمبر 2025، إن المؤتمر المصاحب للمنتدى سيكشف عن برامج تمويل تتجاوز قيمتها الإجمالية 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار)، موزعة على أكثر من 20 ألف مشروع.
وأوضح أن جزءاً مهماً من هذه المشاريع سيخصص لتمويل صغار المستثمرين وتمكين المقاولين المحليين، حيث يفتح المنتدى هذا العام قنوات مباشرة بين الشركات العملاقة ونظيراتها الصغيرة والمتوسطة عبر عرض مشاريع لست شركات كبرى خلال أيام الفعالية.
وأشار الرشودي إلى أن المشاريع المطروحة تتوزع بين قطاعات البنية التحتية والكهرباء والمياه والإسكان والتجارة، فيما ستتركز المشاريع خارج المملكة على الإسكان والإعمار، لافتاً إلى أن التنفيذ سيجري خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.
وأضاف أن التحديات التي يواجهها القطاع تحمل في طياتها فرصاً للتطوير، خاصة في جانب التمويل والتحالفات التقنية والرقمية.
من جهته أكد رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمقاولين محمد العجلان، في تصريحات نشرتها "الشرق الأوسط"، في 8 سبتمبر 2025، أن "رؤية المملكة 2030 تقود تحولات غير مسبوقة في مختلف القطاعات، وقطاع المقاولات هو الذراع التنفيذية لهذه المشاريع العملاقة"، مشدداً على أن المنتدى يسهم في رفع مستوى الشفافية واستقطاب الاستثمارات النوعية.
وحضر الافتتاح نائب وزير الشؤون البلدية والإسكان إيهاب الحشاني إلى جانب ممثلين عن القطاعين العام والخاص، فيما جددت شركات كبرى مثل "أرامكو السعودية" و"الشركة السعودية للكهرباء" و"فال العربية" التزامها بدعم المبادرات الوطنية المرتبطة بتطوير قطاع المقاولات.
كما شهد المنتدى إطلاق منصتين رقميتين جديدتين هما "ارتقاء" و"معمار"، تستهدف الأولى رفع كفاءة القطاع عبر تقييم جاهزية المقاولين ومعالجة تحديات السلامة وكود البناء، بينما تسهل الثانية رحلة بناء المنازل للأسر السعودية من خلال خطوات رقمية تشمل اختيار مدير المشروع، وطرح العطاءات، وتوقيع العقود ومتابعة التنفيذ إلكترونياً.
ولم تقتصر الفعاليات على الاستعراضات الرسمية، إذ تخلل المنتدى "مؤتمر تمويل المقاولين"، ومبادرة "مقاول لمقاول" لتعزيز التعاون بين الشركات، إضافة إلى "المهرجان الوطني للبناء" الذي أتاح للطلاب خوض تجارب عملية في مسابقات هندسية، فضلاً عن ورش عمل تخصصية في التخطيط الحضري والبناء والتشييد.
كما استضاف المنتدى أكثر من 20 ورشة عمل مجانية غطّت موضوعات متنوعة، من أبرزها: التحول الرقمي في إدارة المشاريع، والعقود المبنية على الأداء، والذكاء الاصطناعي في المقاولات، والاستدامة، والنقل الذكي، والشفافية في تنفيذ المشاريع.
نهضة كبيرة
ويؤكد الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي أن المشاريع الضخمة التي استعرضتها السعودية في "منتدى المشاريع المستقبلية" ستكون نقطة انطلاق لنهضة جديدة في قطاع المقاولات.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذه المشاريع تعكس حجم الإنفاق الحكومي والاستثمارات الاستراتيجية الموجهة للبنية التحتية، والإسكان، والطاقة، وغيرها من القطاعات المرتبطة برؤية 2030.
ويشير العبسي إلى أن هذه المشاريع لن تقتصر على الشركات الكبرى، بل ستمنح المقاولين الصغار والمتوسطين فرصاً للانخراط في هذه الدورة الاقتصادية.
ويوضح أن بإمكانهم المشاركة في سلاسل التوريد والعقود من الباطن، مما يمنحهم فرصاً للتوسع واكتساب خبرات نوعية جديدة. ويُعتقد أن هذه الفئة ستستفيد بشكل كبير من المشاريع، خاصة في قطاع الإسكان والخدمات المساندة.
ويردف العبسي أن التحول الرقمي والابتكار أصبحا عاملاً أساسياً لتعزيز الكفاءة في السوق السعودي.
كما يضيف أن استخدام أنظمة إدارة المشاريع الذكية وتقنيات البناء الحديثة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، سيُقلل من التكاليف ويُسرّع من إنجاز المشاريع، مما يجعل المقاول السعودي أكثر تنافسية في المنطقة.
ويبين العبسي أن الشراكات الدولية ستُعزّز من نقل المعرفة والخبرة، وتفتح المجال أمام تأسيس شراكات طويلة الأمد تدعم استدامة القطاع، مشيراً إلى أن البُعد الإقليمي لهذه المشاريع يُرسّخ مكانة السعودية كمنصة رئيسية لقطاع المقاولات، ووجهة مثالية للشركات التي تسعى للمشاركة في التنمية بالمنطقة.
ويرى العبسي أن هذه المشاريع العملاقة لا تقتصر على الأبعاد العمرانية، بل تُعدّ رافعة أساسية لتنويع مصادر الدخل الوطني.
ويُضيف أنها تقلل الاعتماد على النفط وتفتح آفاقاً جديدة لقطاعات غير تقليدية مثل السياحة واللوجستيات، مما يدعم الاقتصاد السعودي في بناء قاعدة إنتاجية متنوعة ومرنة.
تطوير القطاع
ويشهد قطاع المقاولات السعودي مرحلة تطوير متسارعة تعكس عمق التحولات الاقتصادية في المملكة؛ فقد شهد عام 2024 تنفيذ سلسلة من المبادرات النوعية التي استهدفت رفع الكفاءة التشغيلية وتعزيز جاذبية السوق أمام الشركات المحلية والأجنبية.
وأشار التقرير السنوي للهيئة السعودية للمقاولين لعام 2024 إلى تسجيل أكثر من 1,500 مقاول أجنبي يعملون في السوق السعودي، بنسبة نمو تجاوزت 114% عن العام السابق، وهو ما يعكس ثقة عالمية متزايدة بقدرات السوق المحلي.
كما جرى إبرام 18 شراكة استراتيجية مع اتحادات مقاولين في دول مثل تركيا والصين وكوريا، إضافة إلى تنظيم المنتدى التركي السعودي للبناء في إسطنبول، في خطوة تؤكد انفتاح القطاع على التعاون الدولي.
وعلى صعيد التحول الرقمي، أُطلق "هاكاثون المقاولين" لتطوير حلول تقنية ومالية مبتكرة تدعم الاستدامة وتواكب التحولات الذكية في البناء، كما جرى تطوير سوق إلكتروني B2B يتيح شراء مواد البناء بين الشركات، بما يسهم في تقليل التكاليف وتعزيز الشفافية.
ولم يقتصر التطوير على الجانب التقني، بل امتد إلى بناء رأس المال البشري، حيث استفاد أكثر من 10 آلاف متدرب من الدورات وورش العمل، بزيادة فاقت 50% مقارنة بالعام الماضي، فيما تجاوزت الإيرادات المالية الناتجة عن هذه البرامج مليون ريال (266.5 ألف دولار).
هذه المؤشرات تؤكد أن قطاع المقاولات السعودي لم يعد مجرد أداة تنفيذية للمشاريع العملاقة، بل أصبح بيئة استثمارية نشطة ترتكز على الابتكار والشراكات الدولية، وتستعد لقيادة مرحلة جديدة من النمو المستدام.