اقتصاد » تطوير بنى

سكة الحجاز التاريخية من السعودية لتركيا.. شريان ينعش المنطقة

في 2025/10/10

يوسف حمود - الخليج أونلاين

أعاد اتفاق ثلاثي بين تركيا وسوريا والأردن الأنظار إلى مشروع استعادة خط سكة حديد الحجاز التاريخي، الذي تعود بداية إنشائه إلى مطلع القرن العشرين، عندما أمر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ببنائه لربط دمشق بالمدينة المنورة.

الخط الذي توقف عن العمل منذ قرابة قرن بعد أضرار الحرب العالمية الأولى والثورة العربية، يشهد حالياً خطوات عملية لإعادة تأهيل جزء منه في سوريا، ما يفتح نقاشاً وإمكانيات حقيقية لإحياء ربط السعودية بتركيا عبر مسار قد يحمل أبعاداً دينية، واقتصادية، واستراتيجية كبيرة على مستوى الشرق الأوسط.

مسار الحجاز الحديدي

بدأ بناء خط سكة حديد الحجاز عام 1900، وكان مشروعاً للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني لربط دمشق بالمدينة المنورة بطول تجاوز 1300 كيلومتر.

وسمي خط سكة حديد الحجاز على اسم المنطقة الواقعة غرب شبه الجزيرة العربية، حيث تقع المدينتان المقدستان مكة والمدينة، وعرف في السجلات العثمانية باسم "خط شمندوفير الحجاز" أو خط حديد الحجاز الحميدي، وفي وثائق دار الأرشيف العثماني باسم "حجاز تيمور يولي".

وتوجه الخط مروراً بالزرقاء ومعان وتبوك، ليصل إلى الحجاز، مما سهل على الحجاج المسلمين التنقل بشكل أكثر أماناً وسهولة بين بلدان الخلافة العثمانية، خصوصاً بين الشام والحجاز.

واختصر مدة السفر من 40 يوماً إلى 4 أيام فقط مقابل 3.50 جنيهات إسترلينية، ووفر لهم طريقاً آمناً من غارات البدو التي كانت تستهلك من خزينة الدولة 150 ألف ليرة ذهبية، إضافة إلى 60 ألف ليرة ذهبية لتأمين هذا الطريق.

وإضافة إلى ذلك، استخدم الخط لأغراض عسكرية وتجارية، إذ ربطته فروع إضافية بميناء حيفا على البحر المتوسط.

إلا أن اندلاع الثورة العربية الكبرى والحرب العالمية الأولى أحدث دماراً واسعاً للبنية التحتية للخط، ليُوقف عملياً تشغيله تدريجياً، خاصة في سوريا والسعودية، فيما بقي جزء محدود نشط في الأردن حتى الوقت الحالي، وفي السعودية تحولت بعض المحطات إلى متاحف بينما بقيت تعد رمزاً قومياً وتراثياً.

نحو إعادة التأهيل

في 11 سبتمبر 2025، عقد اجتماع ثلاثي في العاصمة الأردنية عمّان جمع وزراء النقل من تركيا وسوريا والأردن، أعلن فيه رسمياً عن اتفاق لدعم تركيا استكمال 30 كيلومتراً من البنية الفوقية لخط الحجاز داخل الأراضي السورية.

وأوضح وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أن بلاده ستقدم الدعم الفني والتقني لاستكمال الأجزاء الناقصة، بينما يتولى الأردن مسؤولية دراسات تشغيل وصيانة القطارات، مع بحث إمكانية تشغيل قاطرات أردنية على الخط حتى دمشق.

تمثل هذه الخطوة الأولى على طريق مسلسل أطول لإعادة تنشيط خط الحجاز، الذي كان غائباً عن خدمة النقل لأكثر من مئة عام.

أهمية الموقع الجغرافي

يتمتع الخط بحيوية جغرافية استراتيجية كبيرة؛ فموقع دول سوريا والأردن وتركيا يجعل منها جسراً طبيعياً يربط مناطق الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.

وتنقل وسائل إعلام سورية عن معاون وزير النقل السوري لشؤون النقل البري، محمد عمر رحال، تأكيده على أهمية استغلال هذه الجغرافيا من خلال تطوير شبكة النقل بما يشمل إعادة تفعيل خط الحجاز وخط غازي عنتاب-حلب، إضافة إلى تفعيل المعابر الحدودية مثل معبر نصيب-جابر، ما ينعش التجارة البينية ويساهم في جذب الاستثمارات.

كما تناول الاجتماع فكرة ربط خط الحجاز بميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر، مما قد يفتح ممراً تجارياً جديداً يربط تركيا بالخليج عبر عدة دول، حيث يمثل هذا الربط فرصة لتوسيع التعاون الاقتصادي على نطاق أوسع، وتعزيز ممر شحن بري في قلب الشرق الأوسط.

تحديات وخطوات

رغم هذا الإعلان، فإن مشروع إعادة إحياء خط الحجاز يواجه جملة من التحديات المعقدة، وفق الباحث في العلاقات الدولية عماد كمال، وهو ما يجعل الأمر صعباً إلا في حال كان هناك توجه فعلي لاستئنافه وتجاوز كل التحديات.

وأول العوائق، كما يقول لـ"الخليج أونلاين"، تكمن في "الأضرار الهيكلية التي تعرض لها مسار الخط خلال سنوات الحرب في سوريا، حيث تعرضت البنى التحتية للدمار أو السرقة، مما يوجب عملية إعادة بناء شبه كاملة".

أما ثاني التحديات فهو في "المقطع السعودي الممتد من تبوك إلى المدينة المنورة، الذي توقف عن العمل منذ أكثر من قرن، وتحولت محطاته ومعداته إلى مواقع تراثية وسياحية".

ويرى أن ذلك "يتطلب استثمارات هائلة وتجهيزات حديثة لإعادته إلى الخدمة الفعلية، مع ضرورة تنسيق أمني وسياسي بين الدول التي سيمر بها الخط".

كما يعتقد أيضاً أن "التوترات الإقليمية والسياسية تمثل عائقاً كبيراً أمام التنسيق الكامل، خصوصاً أن المشروع يعتمد على تعاون متكامل بين تركيا وسوريا والأردن والسعودية، وهو أمر يستوجب توافقاً سياسياً واسعاً لضمان حرية مرور القطار وتأمين الحدود المشتركة".

وأضاف: "في حال تحقق ذلك، سيكون خط سكة حديد الحجاز مشروعاً فريداً يربط بين الماضي والحاضر، إذ يجمع بين الأبعاد الدينية التي شكلت سبب إنشائه، والأهداف الاقتصادية والتنموية التي تواكب التطورات المعاصرة، ليعيد رسم جغرافيا النقل في الشرق الأوسط، خصوصاً مع تقارب الدول الأربع ممثلة بتركيا والسعودية وسوريا والأردن، والتفاهمات الكبيرة مؤخراً".

الأبعاد الدينية والاقتصادية

لا تقتصر أهمية خط الحجاز على الجوانب الاقتصادية والتجارية فقط، بل يحمل بُعداً دينياً وذاكرة تاريخية، إذ كان وسيلة حيوية لنقل الحجاج من مختلف الدول الإسلامية إلى الحجاز لأداء مناسك الحج والعمرة.

ويراه البعض فرصة لتسهيل رحلات الحج وتوفير بدائل نقل آمنة وسريعة، خصوصاً للحجاج القادمين من تركيا وآسيا الوسطى والشام.

من الجانب الاقتصادي، قد يتحول الخط إلى رافد قوي للبنية التحتية العابرة للحدود، مما يساهم في إنعاش التجارة الإقليمية وفتح فرص جديدة لنقل البضائع والركاب بين الدول.

كما يمكن أن يكون جزءاً من شبكة السكك الحديدية التي تروج لها مبادرات كبرى مثل تلك التي تطرحها مجموعة العشرين لتعزيز الربط الدولي والتجارة العالمية.

وإحياء الخط التاريخي جاء في سياق تحولات إقليمية غير مسبوقة، حيث بدأت الدول المعنية تدفع نحو فتح قنوات التعاون وتجاوز العقبات التي فرضتها أعوام من الحروب والتوترات، مثل استئناف النقل البري بين تركيا والأردن عبر سوريا لأول مرة منذ 2012، ما يمثل اختباراً ناجحاً لإمكانية الربط على أرض الواقع.