اقتصاد » تطوير بنى

الرؤية السعودية الكورية 2030.. من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية

في 2025/10/10

طه العاني - الخليج أونلاين

تتجه العلاقات السعودية والكورية الجنوبية إلى مرحلة أعمق من مجرد تبادل الاستثمارات والوفود الرسمية، نحو صياغة شراكة استراتيجية تعكس التقاء مصالح البلدين في مسارات النمو الصناعي والتقني.

وفي إطار ذلك، تأتي سلسلة اللقاءات والورش والطاولات المستديرة، التي عُقدت في 27 سبتمبر 2025، بالعاصمة سيئول، لتؤكّد أن الطرفين يعيدان رسم خريطة تعاون بعيدة المدى، تقوم على التكامل الاقتصادي واستثمار التحولات الجيوسياسية والتكنولوجية في المنطقة.

وتضع هذه الديناميكية الجديدة "الرؤية السعودية – الكورية 2030" في سياق مختلف، حيث لا تقتصر على مشاريع قطاعية منفردة، بل تتجه إلى بناء منظومة تعاون مستدامة قادرة على التكيف مع متطلبات الأسواق العالمية والاقتصاد الرقمي.

تعاون اقتصادي

وأظهرت اجتماعات سيول الأخيرة أن دوائر التعاون باتت أوسع من أي وقت مضى؛ فقد جمعت الطاولة المستديرة التي قادها وزير الاستثمار، خالد الفالح، ممثلين عن وزارات سعودية حيوية مثل الطاقة والتعليم والصحة، مع كبرى الشركات الكورية في قطاعات البتروكيميائيات والتعدين والسيارات والاتصالات.

وهذا التنوع يعكس إدراكاً متبادلاً بأن التكامل الاقتصادي لم يعد خياراً تكميلياً، بل ضرورة لتسريع وتيرة التنمية في الجانبين.

وتكشف تفاصيل اللقاءات أن التركيز لم يعد منصباً فقط على استقطاب استثمارات كورية إلى السعودية، بل أيضاً على نقل المعرفة التقنية وتعزيز الابتكار.

وكشف اجتماع الفالح مع وزيرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة هان سيونغ سوك، عن مدى اهتمام الطرفين ببناء بيئة داعمة لريادة الأعمال والشركات الناشئة، فيما قدمت ورشة عمل الذكاء الاصطناعي صورة عن توجه المملكة لبناء منظومة رقمية أكثر تنافسية.

كما حملت مشاركة الشركات الكورية في هذه الورشة، دلالات على استعدادها للدخول في السوق السعودي ليس كموردين تقنيين فقط، بل كشركاء في صياغة الحلول الرقمية المستقبلية.

شراكة استراتيجية

ويتميّز الاجتماع الوزاري الخامس للجنة "الرؤية السعودية – الكورية 2030" بأنّه لم يكن مجرد متابعة لمسارات عمل سابقة، بل محطة انتقالية نحو مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي الكوري بقيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وبحسب ما نشرته صحيفة "عكاظ" السعودية في 27 سبتمبر، يمنح هذا الإطار الجديد التعاون بعداً أوسع يشمل الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية والثقافة، ويضع الابتكار في قلب العلاقة الاقتصادية بين البلدين.

وتدعم الأرقام هذا التحول؛ فمنذ عام 2016 ارتفعت التراخيص الاستثمارية للشركات الكورية في السعودية من نحو 65 إلى 213 ترخيصاً، وهو نمو يعكس تغيراً في نوعية الشراكات لا في حجمها فقط، إذ تشمل مجالات التقنيات المتقدمة وصناعة السيارات والطاقة.

وتستند هذه الشراكات إلى عامل جاذب رئيس يتمثل في البنية التحتية السعودية واستعدادها لتكون محوراً للربط اللوجستي الإقليمي، وهو ما اعتبره الفالح نقطة قوة رئيسة في استقطاب الشركات الكورية.

بالمقابل، يفتح التعاون في مجال المنشآت الصغيرة والمتوسطة أمام كوريا الجنوبية فرصة للوصول إلى سوق ناشئة ضخمة، والمساهمة في بناء منظومة ابتكار إقليمية جديدة.

ريادة استثمارية

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أسعد كاظم شبيب، أن الرؤية السعودية الكورية المشتركة لعام 2030 ترسم مساراً لتحويل التعاون الاقتصادي التقليدي إلى شراكة استراتيجية متقدمة، حيث يستند هذا التحول إلى بنية الدولتين.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن تطلُّع كلتا الدولتين نحو التنمية والتطوير والتحديث يضمن توفر العوامل اللازمة لتحويل هذه الشراكة من طورها التقليدي الأولي إلى طور تشاركي استراتيجي أوسع.

ويرى شبيب أن هذا التعاون يأخذ في معالمه الحداثة المتصاعدة ويخدم الرؤى التنموية التي وضعتها السعودية لعام 2030 في قطاعات ومناطق جغرافية متعددة، مبيناً أن الارتفاع الكبير في عدد التراخيص الاستثمارية الكورية في السعودية يؤكد ذلك.

وأشار إلى أن هذا التزايد يدل على أن كوريا الجنوبية بدأت تطوير مشاريعها في عموم المنطقة العربية، ولا سيما في المملكة، عبر شركات مهمة واستراتيجية تعمل على قطاعات تنموية وبنية تحتية عملاقة.

ويلفت شبيب إلى أن كوريا الجنوبية أصبحت تمتلك الآن رصيداً استثمارياً ودبلوماسياً وتنموياً في عدد من الدول العربية، كالمملكة ودول الخليج الأخرى.

كما يشدد على أن هذا التطور يؤكد توسع الشراكات الاستثمارية التي ترعاها وتنفذها شركات من كوريا الجنوبية في المنطقة.

ويرى أن التكنولوجيا ومعالم الذكاء الاصطناعي تفرض نفسها بقوة على التطورات الحياتية في دول العالم، مؤكداً أن هذا التقدم سيسهم ويعزز دور التقنية والتكنولوجيا في الشراكة بين البلدين.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن هذا التوجه سيساعد على إيجاد مشاريع في منتهى الحداثة، خاصة أن كلا البلدين يتطلع إلى ذلك التحديث لمواكبة الدول المتقدمة.

ويشير إلى أن المشروعات الاستراتيجية العملاقة، مثل "إكسبو 2030" و"كأس العالم 2034"، تعزز بشكل كبير من جذب الاستثمارات إلى المملكة، لافتاً إلى أن هذه المشاريع العملاقة ستكون محط أنظار العالم وستجذب مئات الآلاف من السياح والزوار، فضلاً عن السياحة الدينية.

ويردف شبيب أن هذه العوامل مجتمعة ستعزز من اقتصاد تنموي ينقل المملكة من الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع، مؤكداً أن تنوع الاقتصاد سيساهم في ثورة تقدمية تنموية تجعل السعودية في مصاف الدول المتطورة خلال العقود المقبلة.

مشاريع متقدمة

أفرزت اجتماعات سيئول الأخيرة بين السعودية وكوريا الجنوبية دفعة جديدة من المشاريع المشتركة التي تنقل التعاون إلى مستويات أكثر عمقاً في الصناعات المتقدمة.

ونقلت وكالة "يونهاب" الكورية، في 26 سبتمبر 2025، عن وزارة التجارة والصناعة والطاقة الكورية، تأكيد تطوير 11 مشروعاً جديداً، بالتوازي مع مراجعة 46 مشروعاً قائماً ضمن لجنة "رؤية السعودية – الكورية 2030".

وتؤشر هذه الأرقام إلى تنامي حجم التنوع والتكامل الذي يشمل مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والصناعات الثقيلة والاقتصاد الإبداعي.

وفي قطاع بناء السفن، تتعاون شركة "إتش دي هيونداي" الكورية مع "أرامكو" السعودية لإنجاز أكبر حوض لبناء السفن في الشرق الأوسط داخل المملكة بحلول نهاية العام، وهو مشروع يهدف إلى توطين صناعة حيوية ترتبط مباشرة بالتجارة البحرية وسلاسل الإمداد العالمية.

وأما في قطاع السيارات، فتعمل "هيونداي موتور" بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي على تأسيس مصنع لإنتاج السيارات في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، في خطوة تتماشى مع خطط المملكة لتوطين الصناعات التحويلية وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.

وفي المجال الرقمي، أعلنت شركة "نايفر" الكورية العملاقة للإنترنت عن خطط لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على منصتها للتوأم الرقمي في مدن سعودية رئيسية مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة.

وتمثّل الخطوة اختباراً عملياً لمفهوم "المدن الذكية" في بيئة حضرية كبرى، وتنسجم مع التوجه السعودي لبناء بنية تحتية رقمية متقدمة.

كما شملت المشاريع الجديدة التعاون في تقنيات تقليل انبعاثات الكربون بمحركات السفن والسيارات الهجينة، إضافة إلى مجالات الترفيه والرياضات الإلكترونية وصناعة الأفلام والسياحة، ما يعكس توجهاً نحو دمج الصناعات التقليدية مع القوة الناعمة والاقتصاد الإبداعي.

وأكد وزير الصناعة الكوري كيم جونغ-كوان في 26 سبتمبر 2025، أن بلاده ستعتمد قناة اتصال منتظمة مع الرياض لمتابعة التنفيذ، مشدداً على أن التعاون لن يقتصر على الصناعات الثقيلة، بل سيمتد إلى القطاعات ذات إمكانات النمو المستقبلية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والثقافة.