اقتصاد » تطوير بنى

عاصمة الشحن العالمية.. كيف أصبحت دبي في صدارة المراكز اللوجستية؟

في 2025/10/11

طه العاني - الخليج أونلاين

رسخت دبي مكانتها بين أبرز المراكز العالمية في الشحن والخدمات اللوجستية، بعد أن حافظت على موقعها الخامس عالمياً للعام الخامس توالياً في "مؤشر تطوير مراكز الشحن الدولي" لعام 2024، الصادر عن منظمة "بالتيك إكستشينغ" للتجارة والشحن البحري، ووكالة شينخوا الصينية.

ووفق ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، في 17 سبتمبر 2025، جاءت دبي المدينة العربية الوحيدة ضمن قائمة أقوى 20 مركزاً للشحن التجاري، لتنافس مراكز عالمية رائدة مثل سنغافورة ولندن وشنغهاي وهونغ كونغ التي احتلت المراتب الأربع الأولى.

منظومة متكاملة

وحول ذلك أكد المدير التنفيذي لسلطة دبي البحرية في مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة، الشيخ د. سعيد بن أحمد بن خليفة آل مكتوم، أن استمرار دبي بين المراكز الخمسة الأولى عالمياً والأولى عربياً يعكس نجاح السياسات البحرية في تطوير بيئة الأعمال التجارية.

وأوضح في تصريحاته لـ"وام"، أن سلطة دبي البحرية تواصل تحديث التشريعات وتبني أفضل الممارسات الدولية لمواكبة التغيرات، وتعزيز الابتكار والاستدامة في الخدمات اللوجستية.

وأشار التقرير إلى أن المنظومة البحرية في دبي باتت قادرة على تلبية مختلف احتياجات المتعاملين، بدءاً من خدمات الملاحة وبناء وإصلاح السفن، وصولاً إلى استيعاب الزيادة المستمرة في حركة السفن.

كما أبرز خطة النقل البحري في دبي 2030 التي تواكب "أجندة دبي الاقتصاديةD33"، والهادفة إلى زيادة عدد مستخدمي وسائل النقل البحري، وتوسيع شبكة المواصلات البحرية، وتطوير مدينة دبي الملاحية.

ووصف التقرير الإمارة الخليجية بأنها "لؤلؤة الملاحة البحرية للشرق الأوسط"، في إشارة إلى موقعها الريادي في التجارة البحرية.

ميناء جبل علي

وركز التقرير على دور ميناء جبل علي، الذي يعد محوراً رئيسياً للشحن في المنطقة بفضل استثماراته المستمرة في البنية التحتية.

ووفق البيانات، تعامل الميناء في عام 2024 مع نحو 15.5 مليون حاوية نمطية (20 قدماً)، وهو أعلى معدل منذ عام 2015، بما يمثل 18% من إجمالي حجم المناولة البالغ 88.3 مليون حاوية لدى "موانئ دبي العالمية" (دي بي ورلد) المشغلة للميناء.

وفي جانب الاستدامة، أشار التقرير إلى مبادرات الميناء لتقليص الانبعاثات، ومنها إطلاق خدمات تزويد السفن بالوقود الحيوي، وتركيب ألواح شمسية تغطي 50 ألف متر مربع لتوليد الطاقة المتجددة، واستخدام مركبات كهربائية لسحب الحاويات، وهو ما أسهم في خفض نحو 2000 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

وأكد المدير التنفيذي لسلطة موانئ دبي في مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة، الكابتن إبراهيم البلوشي، في تصريحاته أن ما يقدمه ميناء جبل علي يعزز موقع دبي ممراً مائياً محورياً على خريطة الملاحة العالمية.

وشدد البلوشي على التزام سلطة الموانئ بتبني نهج استباقي يعزز مساهمة القطاع البحري في تحقيق مستهدفات "أجندة دبي الاقتصادية D33".

وأضاف أن الجهود تشمل موانئ دبي الأخرى مثل ميناء راشد وميناء الحمرية، مع التركيز على الحفاظ على البيئة البحرية وضمان أعلى معايير السلامة التشغيلية رغم تقلبات السوق العالمية.

ريادة لوجستية

ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد صدام، إن البنى التحتية المتقدمة لموانئ دبي وارتباطها بالمنطقة الحرة في جبل علي خلقت مستوى تنافسية كبيراً مقارنة بموانئ المنطقة.

ويبين لـ"الخليج أونلاين" أن موانئ دبي تميزت بسلاسة الربط بين الشحن والتصنيع وإعادة التصدير، وهو ما تحقق بفضل وجود خدمات لوجستية متنوعة تتضمن التكنولوجيا والخدمات الذكية التي قلصت من زمن المناولة والتخليص.

ويوضح صدام أن بقاء موانئ دبي بهذا المستوى يعزز أهميتها كمركز عبور رئيسي لتجارة الخليج، مشيراً إلى أنها فاعل رئيسي في تعزيز تكامل دول مجلس التعاون.

ويضيف أن أهمية موانئ دبي تمتد إلى تحفيز موانئ أخرى في المنطقة، مثل موانئ الدقم والملك عبد الله، مما يعني أنها أسهمت بطريقة غير مباشرة في رفع كفاءة موانئ أخرى وحققت جدوى اقتصادية لدول المنطقة.

وعلاوة على ذلك، يلفت إلى أهمية دولية لموانئ دبي تتمثل في ربط التجارة العالمية وخفض تكاليف النقل بسبب بنيتها المتطورة.

ويرى أن مدى التحول نحو "الموانئ الخضراء" يتمثل في خفض الانبعاثات والتحول للطاقة المتجددة والوقود النظيف. ويشير إلى أن ذلك يتم من خلال تشجيع السفن على استخدام الوقود منخفض الكبريت مقابل منحها حوافز ورسوماً مخفضة.

ويوضح صدام أن الأنظمة المتطورة المستخدمة في موانئ دبي لإدارة النفايات وتحويلها إلى طاقة، واستخدام الأنظمة الذكية لرصد استهلاك الطاقة في ميناء جبل علي، يثبت عالمية النموذج الإماراتي في الاستدامة.

أما فيما يخص التحديات، فيعتقد أنها تتمثل بالدرجة الأساسية في تركيز موانئ أخرى في المنطقة على التحول إلى موانئ خضراء ومناطق تصنيع، مثل التوسع الحاصل في ميناء الدقم في سلطنة عُمان.

ويردف أن الاضطرابات في البحر الأحمر ومضيق هرمز والتوترات التجارية الدولية تشكل كلها تحديات جيوسياسية واقتصادية أمام موانئ دبي في المستقبل.

تحول أخضر

وأطلقت مجموعة "دي بي ورلد"، في 19 مارس 2025، مبادرة نوعية في ميناء جبل علي بالشراكة مع شركة "إينرايد"، لتشغيل أسطول من المركبات الكهربائية في عمليات مناولة الحاويات، في خطوة وُصفت بأنها مرحلة متقدمة في مسار إزالة الكربون من سلاسل الإمداد.

ووفق ما نشرته صحيفة البيان الإماراتية، بدأت الدفعة الأولى من المركبات العمل على مدار الساعة لنقل أكثر من 204 آلاف حاوية سنوياً، بما يدعم توجه "دي بي ورلد" نحو بناء منظومة لوجستية أكثر ذكاءً واستدامة.

وتأتي المبادرة امتداداً لاتفاقية شراكة وقعت في مايو 2024، تهدف إلى تحويل عمليات الموانئ الداخلية للعمل بالطاقة الكهربائية، وتوسيع نطاق حلول خفض الانبعاثات.

وبحسب تقديرات المجموعة، فإن المشروع سيسهم في تقليل ما يقارب 14,600 طن من مكافئ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً مقارنة بالعمليات المعتمدة على الديزل.

وأكد الرئيس التنفيذي والمدير العام لـ"دي بي ورلد" في دول مجلس التعاون الخليجي، عبد الله بن دميثان، أن إزالة الكربون من الخدمات اللوجستية باتت "أولوية أساسية"، مشيراً إلى أن التحول الكهربائي ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعاون مع الشركاء يمثلان خطوات عملية لدعم هدف الحياد المناخي.

وأضاف أن ميناء جبل علي الذي يحتل المرتبة العاشرة بين أكثر الموانئ ازدحاماً عالمياً، أصبح مرجعاً في تطوير معايير النقل الكهربائي في المراكز التجارية الكبرى.

ريادة إماراتية

وإلى جانب مبادرات "دي بي ورلد"، رسخت الإمارات مكانتها كقوة بحرية ولوجستية عالمية. ووفق ما أوردت صحيفة الوطن، في 23 يونيو 2025، بلغ حجم مناولة الحاويات في الموانئ الإماراتية نحو 21 مليون حاوية نمطية عام 2023، فيما أسهم القطاع البحري بنحو 135 مليار درهم (نحو 36.8 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي.

وتدير الشركات الوطنية الإماراتية 106 موانئ حول العالم، بامتداد استثماراتها إلى أكثر من 78 دولة، ما يكرس دورها المحوري في ربط أسواق الشرق بالغرب.

ونقلت "وام" عن وزير الطاقة والبنية التحتية سهيل بن محمد فرج فارس المزروعي، في يونيو 2025، أن الإمارات تعمل على "تسريع التحول نحو منظومة نقل بحري أكثر استدامة وذكاء"، مؤكداً أن الدولة تدمج الرقمنة والاستدامة في مختلف مكونات القطاع، من التشريعات إلى تبنّي السفن ذاتية القيادة.

كما أبرز وكيل وزارة الطاقة والبنية التحتية لشؤون البنية التحتية والنقل، المهندس حسن محمد جمعة المنصوري، أن القطاع البحري يمثل "أحد الأعمدة الاستراتيجية لرؤية الإمارات".

بدورها شددت المهندسة حصة آل مالك، مستشارة الوزير، أن الإنجازات البحرية تعكس إرادة مؤسسية واضحة لنقل التجربة الإماراتية إلى الساحة الدولية كشريك مؤثر وموثوق.

وبحسب تقرير CNN الاقتصادية، في 19 أغسطس 2024، تحولت الموانئ الإماراتية من مجرد محطات محلية إلى مراكز بحرية عالمية تستحوذ على 60% من حجم مناولة الحاويات والبضائع المتجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وتضم اثنين من أكبر 50 ميناء للحاويات في العالم.

كما صنفت تقارير دولية صادرة عن "مجلس الشحن العالمي" و"أونكتاد" موانئ الإمارات ضمن المراتب المتقدمة في مؤشرات سرعة مناولة السفن وربط الموانئ البحرية، بما يعكس تكامل بنيتها التحتية مع أهداف الاستدامة العالمية.