اقتصاد » تطوير بنى

سوق الهدايا في الخليج.. صناعة ناعمة تتحول إلى محرك اقتصادي

في 2025/10/18

عواصم خليجية - الخليج أونلاين

يشهد سوق الهدايا في دول الخليج العربي تحوّلاً لافتاً من نشاط تجزئة تقليدي إلى قطاع اقتصادي ناشئ يحرّك الاستهلاك، ويغذّي الصناعات المحلية، ويخلق فرصاً جديدة لرواد الأعمال.

ومع تزايد الفعاليات الكبرى، والمواسم السياحية، والإنفاق المؤسسي على الهدايا الدعائية، أصبحت "صناعة الهدايا" أحد مظاهر التنويع الاقتصادي التي تنمو بهدوء ولكن بثبات في بيئة تبحث عن بدائل مستدامة لما بعد النفط.

سوق واعدة

في السعودية يقف هذا التحول أوضح من أي مكان آخر؛ إذ تجاوز حجم سوق الهدايا 3.1 مليارات ريال (826 مليون دولار) سنوياً، مدفوعاً برؤية 2030 وارتفاع الطلب على الهدايا الدعائية والمخصصة، وتوسع الشركات المصنعة نحو مواد صديقة للبيئة وحلول محلية التصميم.

ومع دخول مؤسسات كبرى في شراكات طويلة الأمد مع المصنّعين المحليين، أخذت الهدايا الدعائية بعداً مؤسسياً واستراتيجياً، فصارت أداة لتعزيز الهوية والتسويق الوطني أكثر من كونها منتجاً ترفيهياً.

وبحسب ما ذكر محمد طنطاوي الرئيس التنفيذي لشركة "غرين بوينت" لصحيفة "الاقتصادية السعودية، فإن حصة الشركة من السوق تراوح حالياً بين 7 و8%، مع خطة للوصول إلى 15% خلال 5 أعوام عبر التوسع في الطاقة الإنتاجية ودخول أسواق جديدة.

كما أشار إلى أن لدى "غرين بوينت" مصنعاً في الرياض بطاقة إنتاجية تبلغ 80 ألف قطعة سنوياً، يسوق معظمها داخل السوق المحلية، على أن يخصص 15% من الإنتاج للتصدير اعتباراً من النصف الأول من العام المقبل.

من جانبه أكد شادي القاضي، المدير التنفيذي لشركة "أسمنجون"، أن قطاع الهدايا الدعائية في السعودية يشهد نمواً متسارعاً مدفوعاً برؤية 2030، التي أسهمت في تعزيز الصناعات الوطنية والفعاليات والمعارض.

كما أوضح أن "هذا القطاع تحول إلى ركيزة اقتصادية مهمة، إذ لم يعد يقتصر على كونه منتجات استهلاكية بل أصبح وسيلة لتعزيز الهوية المؤسسية".

القاضي أضاف أن "السوق شهدت خلال العقد الأخير تحولات جوهرية تمثلت في ارتفاع الطلب على الهدايا المخصصة والمبتكرة، وتنامي الاهتمام بالمنتجات الصديقة للبيئة، إلى جانب الوعي المتزايد بأهمية الجودة والهوية المحلية".

وأسهمت الفعاليات الكبرى مثل "موسم الرياض" في رفع حجم الطلب على الهدايا ذات الطابع الفريد والمستدام، ما أعاد تشكيل ملامح القطاع التجاري المرتبط بهذا المجال.

كما توقع القاضي أن يشهد القطاع طفرة نوعية خلال السنوات الـ5 المقبلة، مدعوماً بزيادة عدد الفعاليات والمعارض وارتفاع الوعي المؤسسي، مع تسجيل نمو متسارع في حجم السوق ونوعية المنتجات وجودتها.

كما توقع أيضاً أن تصبح الهدايا الدعائية جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الاقتصادية في السعودية، وعاملاً مؤثراً في استراتيجيات التسويق والاتصال المؤسسي للشركات والجهات الحكومية والخاصة على حد سواء.

سوق مزدهرة

أما في الإمارات فيشهد سوق الهدايا تحولاً لافتاً تقوده الأجيال الشابة، مع بروز جيل الألفية وجيل "زد" كمحركين رئيسيين في قطاع الإهداء الذي بات يعكس أنماطاً جديدة من السلوك الاجتماعي والاستهلاك الرقمي.

وتشير بيانات حديثة صادرة عن منصة "Flowwow" الروسية العاملة في الإماراتية إلى أن الفئة العمرية بين 25 و34 عاماً تمثل نحو 46% من حجم المشتريات في سوق الهدايا، في حين يُظهر الجيل الأصغر (18–34 عاماً) نشاطاً استثنائياً بتقديم الهدايا أكثر من سبع مرات سنوياً، كوسيلة للتعبير عن المشاعر وتوطيد العلاقات، بعيداً عن الارتباط بالمناسبات التقليدية فقط.

كما تكشف هذه المؤشرات عن تحول ثقافي في مفهوم الإهداء، مدفوعاً بتنامي التجارة الإلكترونية وانتشار المنصات الرقمية، حيث يتوقع أن يصل حجم التجارة الإلكترونية في الإمارات إلى 12.8 مليار دولار بحلول عام 2029.

هذا النمو يعزز موقع الإمارات كمركز إقليمي للتسوق الرقمي، ويجعل من سوق الهدايا أحد أكثر القطاعات ديناميكية في البيئة الاستهلاكية الحديثة، خاصة في ظل اعتماد الجيل الشاب على التطبيقات الذكية ومواقع التواصل مثل "إنستغرام" و"سناب شات" في قرارات الشراء والتفاعل مع العلامات التجارية.

ويرى مراقبون أن التحولات في أنماط التسوق الموسمية باتت أكثر وضوحاً خلال الأعوام الأخيرة، إذ لم تعد المواسم الكبرى تقتصر على "الجمعة البيضاء" أو مهرجان دبي للتسوق، بل اتسعت لتشمل مناسبات عالمية مثل "ديوالي" و"الهالوين"، ما أسهم في إطالة فترة الذروة التجارية، بين أكتوبر وديسمبر من كل عام.

ورغم هذا النمو اللافت، يبقى عامل السعر مؤثراً رئيسياً في قرارات الشراء؛ إذ تظهر الإحصاءات أن 53% من المستهلكين يفضلون هدايا تقل قيمتها عن 100 درهم (27 دولاراً)، مقابل 35% ينفقون بين 100 و250 درهماً، ما يعكس حرص المستهلكين على التوازن بين القيمة العاطفية والجدوى الاقتصادية.

ويشير محللون إلى أن هذا الاتجاه ينسجم مع طبيعة المستهلك الإماراتي الذي يجمع بين الوعي المالي والميول الجمالية، ما يجعل سوق الهدايا بيئة خصبة للابتكار في التصميم والتسويق الرقمي.

نمو السوق الرقمية

يأتي انتعاش سوق الهدايا في أكبر اقتصادين بالمنطقة، فيما تشهد أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طفرة نوعية في التجارة الإلكترونية، مع تسجيل نمو يتجاوز 30% في الطلبات عبر الإنترنت خلال العام الأخير.

وبحسب تقرير منصة "Flowwow" الروسية فإن السعودية والإمارات تتقدمان المنطقة من حيث إجمالي قيمة البضائع المتداولة (GMV)، في مؤشر على ترسخ ثقافة التسوق الرقمي وتوسع الاعتماد على المنصات الإلكترونية كمحرك رئيسي للاستهلاك.

ووفقًا للتقرير، نمت الطلبات عبر الإنترنت في الإمارات بنسبة 7%، وفي السعودية بنسبة 9%، متجاوزتين متوسط النمو الإقليمي البالغ 5%.

وسجلت الإمارات أعلى معدل إنفاق في المنطقة بارتفاع متوسط الطلب من 89 إلى 102 دولار، تلتها السعودية من 49.6 إلى 52.5 دولاراً، ما يؤكد متانة القوة الشرائية في البلدين وتطور سلوك المستهلكين نحو خيارات رقمية أكثر تنوعاً وقيمة.

ويُقدَّر حجم سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 50 مليار دولار، ويتوقع أن يواصل مساره التصاعدي خلال عام 2025 مدعوماً بعدة عوامل، أبرزها التحول نحو التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والتسوق المجتمعي، والسياسات الحكومية المشجعة للرقمنة.