اقتصاد » تطوير بنى

الزراعة السعودية.. من الهامش إلى محور للاقتصاد الأخضر بـ120 مليار دولار

في 2025/11/02

يوسف حمود - الخليج أونلاين

لم يعد قطاع الزراعة والغذاء في السعودية تقليدياً أو هامشياً كما كان في العقود الماضية، بل تحول خلال السنوات الأخيرة إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني الجديدة، مع توقعات ببلوغ قيمته 450 مليار ريال سعودي (نحو 120 مليار دولار أمريكي) خلال السنوات المقبلة، وفق تقديرات رسمية.

هذا التحول يعكس إرادة سياسية واضحة لتحويل الأمن الغذائي من ملفٍ لوجستي إلى مشروع اقتصادي واستراتيجي متكامل، ففي ظل التقلبات المناخية العالمية وتزايد الأزمات الغذائية، وجدت الرياض نفسها أمام فرصة لإعادة تعريف علاقتها بالأرض والإنتاج، مستندة إلى رؤية 2030 التي جعلت من الاستدامة الزراعية والتقنيات الذكية ركيزة للتنمية.

ولعل الرهان السعودي الجديد لا يقتصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، بل يتعداه إلى جعل المملكة قوة غذائية إقليمية قادرة على تصدير منتجاتها الزراعية والغذائية، وتأمين جزء من احتياجات الأسواق الخليجية والآسيوية والأفريقية، وأصبح القطاع مرشحاً ليكون ثالث أكبر مساهم في الناتج المحلي بعد الطاقة والصناعة.

تحول استراتيجي

في تصريح لقناة "الشرق بلومبيرغ" السعودية (أواخر أكتوبر 2025) توقع منصور المشيطي، نائب وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي، نمو حجم سوق الزراعة والغذاء في المملكة إلى 450 مليار ريال (120 مليار دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة مقابل 350 ملياراً حالياً، مع استثمارات متوقعة تتجاوز 40 مليار ريال خلال الفترة نفسها.

وقال المشيطي إن الناتج المحلي الزراعي تضاعف من 54 مليار ريال (نحو 14.4 مليار دولار) عام 2016 إلى أكثر من 118 مليار ريال (نحو 31.5 مليار دولار) في 2025، مدفوعاً بالنمو السكاني وبرامج الدعم الحكومية.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن صندوق الاستثمارات العامة يقود عملية إعادة بناء القطاع الزراعي والغذائي عبر تأسيس شركات متخصصة، أبرزها الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) التي تتوسع في مشروعات الحبوب والأعلاف داخل المملكة وخارجها، خصوصاً في السودان وأوكرانيا وأستراليا.

كما أسهم الصندوق في تمويل مشاريع لتوطين الصناعات الغذائية التحويلية، مثل تصنيع الألبان والتمور والدواجن وتغليف المنتجات محلياً.

وتبلغ قيمة الاستثمارات الحكومية المباشرة في الزراعة أكثر من 25 مليار ريال (6.7 مليارات دولار)، إلى جانب برامج التمويل الزراعي التي يديرها صندوق التنمية الزراعية، والذي ضخ خلال عام 2024 وحده قروضاً تجاوزت 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار) لدعم المزارعين والمستثمرين في مجالات الإنتاج والتصنيع والتصدير.

ويهدف التحول الذي يقوده الصندوق إلى رفع مساهمة القطاعين الزراعي والغذائي مجتمعين إلى نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، مع خلق آلاف فرص العمل في المناطق الريفية والنائية، وتنمية الصناعات المرتبطة بالأمن الغذائي والمياه والطاقة.

التقنية الزراعية 

وتعتمد القفزة المتوقعة إلى 450 مليار ريال على التحول التقني الشامل داخل القطاع الزراعي، فقد توسعت الحكومة في تطبيق أنظمة الزراعة الذكية (Smart Agriculture) التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل خصوبة التربة، والتنبؤ بالاحتياجات المائية، ومراقبة نمو المحاصيل عبر الأقمار الصناعية.

كما تم إطلاق مشاريع الزراعة الرأسية والمغلقة التي تعتمد على الطاقة الشمسية وأنظمة التحكم المناخي لتقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بالطرق التقليدية. 

وتعمل وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة على تطوير شبكة من المزارع النموذجية في مناطق مختلفة، لتكون مراكز تدريب وإرشاد للمزارعين على أحدث تقنيات الري والزراعة الدقيقة.

في الوقت نفسه، تُعد المدن الزراعية الحديثة التي يجري التخطيط لإنشائها في القصيم والجوف وحائل ونجران، جزءاً من خطة وطنية أوسع لزيادة الإنتاج الغذائي بنسبة 60% بحلول 2030، مع تقليل الفاقد الغذائي بنسبة 50%.

الصناعات الغذائية التحويلية 

وترافق النمو الزراعي مع ازدهار الصناعات الغذائية التحويلية، التي تمثل اليوم نحو 15% من إجمالي الناتج الصناعي، حيث تشمل هذه الصناعات مجالات التعبئة والتغليف، وتعليب المنتجات الزراعية، وتجهيز الأغذية الجاهزة للتصدير، وهو ما يسهم في رفع القيمة المضافة للمنتجات السعودية ويخلق وظائف جديدة للشباب.

وتعمل شركات محلية مثل "المراعي" و"نادك" و"دواجن الوطنية" إلى جانب شركات عالمية مثل "نستله السعودية" على توسيع طاقتها الإنتاجية داخل المملكة، في حين تتجه الاستثمارات الجديدة نحو مصانع الأتمتة الغذائية التي تستخدم الروبوتات والذكاء الاصطناعي في خطوط الإنتاج.

وبحسب تقديرات غرفة الرياض الصناعية، فإن حجم سوق الصناعات الغذائية التحويلية في السعودية يتجاوز 260 مليار ريال (69.3 مليار دولار)، ومن المتوقع أن يتضاعف مع ارتفاع الإنتاج الزراعي المحلي وتحسن سلاسل الإمداد والتصدير.

الأمن الغذائي 

ولعل التحرك السعودي في الزراعة لا ينفصل عن رؤية أوسع لتعزيز الأمن الغذائي الإقليمي في الخليج والعالم العربي، فقد أطلقت المملكة مبادرة لإنشاء "منظمة الأمن الغذائي الخليجي"، ووقعت اتفاقيات لتخزين وتبادل السلع الأساسية بين دول مجلس التعاون.

كما أسهمت المملكة في دعم مشاريع الأمن الغذائي في السودان وموريتانيا ودول شرق أفريقيا، لتأمين واردات مستدامة من الحبوب والزيوت والأعلاف، ما يجعل من المملكة محوراً لوجستياً رئيسياً في تجارة الغذاء العالمية، خصوصاً مع توسع موانئ جدة وينبع والجبيل في استقبال وتصدير المواد الغذائية.

وفي الداخل، تواصل الحكومة تنفيذ برامج "الاكتفاء الذاتي" في منتجات رئيسية مثل القمح والدواجن والتمور والحليب، حيث تجاوزت نسبة الاكتفاء من بعض السلع 120%، بينما يجري العمل على تحقيق الاكتفاء الكامل في الخضراوات خلال ثلاث سنوات.

الزراعة المستدامة  

ويرتبط النمو الزراعي السعودي ارتباطاً وثيقاً بمبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقتها الرياض عام 2021، والهادفة إلى زراعة 50 مليار شجرة في المنطقة وتقليل انبعاثات الكربون بنسبة 60% بحلول 2030.

وتتضمن المشاريع الزراعية الجديدة مكونات بيئية واضحة مثل استخدام الطاقة الشمسية في الري، وإعادة تدوير المياه الرمادية، وتحسين كفاءة استهلاك المياه في الزراعة بنسبة 80%. 

كما تعمل المملكة على تطوير ما يُعرف بـ"الزراعة الكربونية"، أي الزراعة التي تمتص الكربون أكثر مما تطلقه، لتكون جزءاً من مسار الحياد الصفري الكربوني الذي تستهدفه السعودية بحلول 2060.

وتشير بيانات غير رسمية إلى أن الشركات السعودية تدير حالياً مشاريع زراعية في أكثر من 25 دولة، تشمل السودان وأوكرانيا وكازاخستان والبرازيل، ما يعزز الأمن الغذائي الوطني ويؤمن تدفقات مستقرة من السلع الاستراتيجية.