في 2025/11/24
كامل جميل - الخليج أونلاين
جاءت استضافة قطر للتمرين السيبراني العربي الأول لتفتح نافذة جديدة على شكل التعاون المطلوب في عالم تتجاوز فيه الهجمات الحدود والجغرافيا.
التمرين السيبراني، الذي شهدته الدوحة الاثنين (22 نوفمبر 2025)، انعقد في لحظة تلتقي فيها التوترات الرقمية المتصاعدة مع الحاجة الملحة إلى جبهة دفاع عربية موحدة.
لذلك، يمكن القول إن التمرين لم يكن مجرد نشاط تدريبي عابر، بل اختباراً عملياً لقدرة 21 دولة عربية على العمل ضمن غرفة عمليات واحدة، وتبادل الخبرات والتجارب في مواجهة تهديدات تتطور أسرع من التشريعات والإجراءات التقليدية.
ورغم أن التهديدات العابرة للحدود أصبحت واقعاً يومياً يطال المؤسسات الحيوية وقطاعات الاقتصاد في المنطقة، فإن هذا التمرين العربي المشترك يكشف – ولو جزئياً – عن استعداد متنامٍ لتجاوز هذه التحديات وبناء مساحة ثقة مطلوبة منذ سنوات.
وعلى هذا الأساس، يمثل التمرين خطوة أولى في مسار أطول، لكنه مسار بات واضحاً أن المنطقة مستعدة لبدئه.
تعزيز التعاون
بحسب ما أوردته وكالة الأنباء القطرية (قنا)، فإن التمرين السيبراني العربي الأول جاء ضمن فعاليات النسخة الـ12 للمناورة السيبرانية الوطنية، التي تنظمها الوكالة الوطنية للأمن السيبراني تحت عنوان "هجمات عابرة للحدود".
ويهدف التمرين العربي الذي تشارك فيه 21 دولة عربية والأمانة العامة لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب إلى:
تعزيز التعاون المشترك بين الدول العربية في مجال الأمن السيبراني.
تعزيز العمل الجماعي.
تبادل الخبرات بين الدول العربية.
وفي هذا الإطار، قال أحمد محمد الحمادي، مدير عام الوكالة الوطنية للأمن السيبراني:
طبيعة التهديدات العابرة للحدود التي تستهدف البنية الرقمية للمنطقة برمتها فرضت واقعاً أمنياً جديداً يتطلب استعداداً نوعياً ووعياً استباقياً.
السيناريو الذي صممته الوكالة الوطنية للأمن السيبراني هذا العام، تم إعداده بعناية فائقة، ليراعي خصوصية أنظمة العمل في المؤسسات والمراكز السيبرانية الرسمية في كل دولة.
وحول المناورات السيبرانية الوطنية في دولة قطر، قال الحمادي:
بدأت منذ عام 2013، وتعتبر وحدة لقياس كفاءة الاستعداد لدى المؤسسات والجهات المختلفة للتصدي للمخاطر السيبرانية.
وأصبحت تمريناً وطنياً سنوياً، وأداة إدارية مهمة تهدف إلى:
- تحديد الفجوات وتحسينها.
- تحديد فعالية استراتيجيات الاستجابة والتعافي للحد من التأثير على المجتمع والاقتصاد واستدامة الاستقرار الوطني.
من جانبها، أكدت الأمانة العامة لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب على أهمية التتمر في تعزيز التعاون المشترك بين الدول العربية، وتبادل الخبرات في مجالات الأمن السيبراني.
واعتبرت التمرين خطوة استراتيجية تهدف إلى تطوير منظومة الأمن السيبراني في المنطقة.
ويأتي التمرين السيبراني العربي الأول في إطار توجه استراتيجي لتعزيز منظومة الأمن السيبراني العربية المشتركة، ومواجهة التهديدات الرقمية العابرة للحدود.
ازدياد الوعي بالمخاطر الرقمية
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن مشاركة هذا العدد الكبير من الدول تضع أساساً عملياً لفكرة طال انتظارها، تتمثل في إنشاء منظومة عربية مشتركة للأمن السيبراني.
هذه المنظومة المؤمَّل خروجها إلى أرض الواقع، لا تكتفي بتبادل التنبيهات بعد وقوع الهجمات، بل تعمل على بناء قدرات وقائية واستباقية تمنح المنطقة قوة تفاوضية وأمناً رقمياً يوازي حجم التحولات التكنولوجية الجارية.
وعلى الرغم من أن هذا التجمع العربي غير المسبوق يشير إلى اتساع الوعي بخطورة المخاطر الرقمية، فإنه يثير بعضاً من الأسئلة، منها:
ما طبيعة الطريق نحو تكامل سيبراني حقيقي؟
وهل بالإمكان إزالة العقبات المعقدة من أمامه، بدءاً من تباين البنى التحتية والتشريعات بين الدول، مروراً بضعف تبادل المعلومات الحساسة، وصولاً إلى غياب إطار موحد للاستجابة للطوارئ الرقمية؟
نحو بناء منظومة إقليمية
د. وسام مكي سالم، الباحث في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وسياسات التكنولوجيا، يقول إن التمرين السيبراني العربي الأول الذي استضافته الدوحة فتح نقاشاً جوهرياً حول مستقبل التكامل العربي في مجال الأمن السيبراني.
وأوضح سالم في حديث لـ"الخليج أونلاين" أنه "على الرغم من أن الطريق ما يزال طويلاً، فإن ما شهده هذا التمرين يمثل خطوة عملية نحو بناء منظومة إقليمية أكثر قدرة على مواجهة التهديدات الرقمية المتسارعة".
ويتطرق إلى التحديات التي تجابه بناء منظومة خليجية تواجه هذه التهديدات، مبيناً أنها تتمثل في "تفاوت مستويات البنى التحتية والتشريعات بين الدول، ومحدودية تبادل المعلومات الحساسة، وغياب إطار موحد لإدارة الطوارئ الإلكترونية".
ويستدرك مبيناً أن تجاوز هذه العقبات ليس بعيد المنال، خاصة إذا استمرت الجهود الحالية في اتباع نهج تدريجي متوازن يبدأ بالتمارين المشتركة، ثم ينتقل إلى وضع بروتوكولات موحدة للتعاون، وصولاً إلى إنشاء مركز عربي للتنسيق والاستجابة.
سالم يرى أن "تحقيق تكامل سيبراني عربي لن يحدث دفعة واحدة، لكنه أصبح اليوم أكثر واقعية من أي وقت مضى".
وعودة إلى ما شهدته الدوحة، قال إن "ما يجري ليس مجرد نشاط تدريبي، بل تأسيس لبيئة إقليمية جديدة تقوم على بناء الثقة، وتوحيد المفاهيم، وتعزيز الجاهزية المشتركة في مواجهة تهديدات لا تعترف بالحدود".