كتابعات
يمثل تراجع أسعار النفط في عام 2024 تهديداً بتأثير مستقبلي محتمل في 2025 على اقتصادات دول الخليج التي تعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط في سداد الرواتب والنفقات العامة، وبالتالي على دخول مواطنيها، إذ راوح سعر برميل خام برنت بين 70 و90 دولاراً العام المنصرم، مع تراجع ملحوظ في الطلب العالمي، خصوصاً من الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، فيما يعزز من ترجيح هذا التهديد المحتمل توقعات وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" التي ترجح أن يبلغ متوسط سعر النفط نحو 70 دولاراً في عام 2025، ما سيؤثر بقدرة دول الخليج على تحقيق التوازن المالي، الأمر الذي يرخي بظلاله على التوظيف، كما على الرواتب.
وفي هذا الصدد، يشير الخبير الاقتصادي محمد رمضان لـ"العربي الجديد" إلى أن أغلب مواطني دول مجلس التعاون يتلقون رواتبهم من الحكومة دون نقصان أو زيادة، حيث لا ترتبط هذه الرواتب بتقلبات أسعار النفط، ومع ذلك قد تشهد بعض المزايا الإضافية انخفاضاً إن تبنت الحكومات سياسات تقشفية نتيجة تراجع أسعار النفط. ومن شأن انخفاض أسعار النفط أن يؤدي إلى تأخر التوظيف في القطاع الحكومي بدول الخليج، وقد يتعطل التوظيف في القطاع الخاص بسبب تراجع الإنفاق الحكومي، بحسب رمضان، مشيراً إلى أن توظيف المواطنين في القطاع الخاص قد يصبح أصعب أيضاً مع انخفاض الإنفاق الحكومي.
فمن شأن انتقال كهذا، برأيه، أن يجعل من واقع الأفراد الاقتصادي غير مرتبط بالنفط والإنفاق الحكومي مباشرةً، إلا أن تحقيق هذا التحول يتطلب سنوات طويلة، بحسب الخبير الكويتي، مشيراً إلى أن هذا التحول قد يكون مناسبًا على المدى المتوسط، لكنه يصبح أكثر واقعية وقابلية للتحقيق على المدى الطويل.
وفي الاتجاه عينه، قال الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف لـ"العربي الجديد" إن المرحلة المقبلة تتطلب تغييراً جذرياً في السياسات الاقتصادية لدول الخليج النفطية، لافتاً إلى أن صناع القرار باتوا يدركون جيداً أن ارتفاع أسعار النفط الحالي مؤقت، وليس سوى نتيجة لتوترات جيوسياسية مختلفة، سواء في أوكرانيا أو احتمالات التصعيد الإيراني. ذلك أن صناعة النفط تواجه تحدياً متزايداً مع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة، بحسب يوسف، مشيراً إلى أن الاعتماد على النفط سيصبح مؤشراً مستقبلياً على التخلف، سواء على مستوى الدول أو الشركات أو المصانع، نظراً لتأثيراته البيئية السلبية.
ويشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة تغيير نمط الإنفاق الحكومي والشعبي، إذ يجب على المواطنين عدم الاعتماد على الدعم الحكومي وترشيد الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري، ويدعو إلى توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الحقيقية كالزراعة والصناعة والعقارات السكنية، بدلاً من المشروعات الترفيهية. وعلى مستوى المواطنين، يرى يوسف ضرورة تغيير أنماط استهلاكهم على المدى القصير وتجنب الإنفاق على السلع الكمالية، والتوجه نحو خيارات أكثر اقتصادية وصديقة للبيئة، مؤكداً ضرورة تعزيز الاستثمار المحلي ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الصادرات وتقليل الواردات، مع التركيز على ترشيد الاستهلاك المحلي.