في 2025/04/11
طه العاني - الخليج أونلاين
في خضم تحولات اقتصادية عالمية متسارعة، تقف اقتصادات دول الخليج عند مفترق طرق حاسم، حيث تتقاطع طموحات تنويع مصادر الدخل مع واقع تقلبات سوق النفط العالمي، التي تفرض نفسها كعامل رئيس في معادلة الاستقرار المالي للدول الخليجية.
ويطرح هذا الواقع تساؤلات عديدة حول قدرة دول مجلس التعاون على التكيف مع الفجوة المحتملة في الإيرادات، وما إذا كانت الاستراتيجيات الحالية كافية لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد.
انخفاض أسعار النفط
تشير معطيات السوق العالمية إلى أن منطقة الخليج قد تكون على مشارف تحدٍّ اقتصادي جديد، مع دخول الطلب العالمي على النفط في مسار تراجعي ملحوظ.
فقد رجحت وكالة الطاقة الدولية أن يشهد العام الجاري انخفاضاً في استهلاك النفط عالمياً، من جراء التباطؤ الاقتصادي وتداعيات التوترات الجيوسياسية، وهو ما يُنذر بآثار متفاوتة على موازنات دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما تلك التي تعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات الخام لمواصلة مستويات الإنفاق المرتفعة.
بسياق متصل، خفّض بنك "غولدمان ساكس" توقعاته لأسعار النفط، في ظل تراجع زخم الاقتصاد الأمريكي وتزايد تأثير الرسوم الجمركية، وتزامن هذا التعديل مع ارتفاع إنتاج "أوبك" وشركائها، ما زاد من وفرة الإمدادات في الأسواق العالمية.
يُذكر أن أسعار النفط كانت قد بدأت بالتراجع منذ ذروتها في يناير الماضي، وسط مخاوف من ضعف الطلب في الصين وتصاعد التوترات التجارية الدولية، حيث لامست، في 5 أبريل الجاري، أدنى مستوياتها في أكثر من 3 سنوات، بعد فرض بكين رسوماً جمركية على السلع الأمريكية، مما زاد من مخاوف تراجع الطلب في خضم حرب تجارية شاملة.
وأوضح محللو "غولدمان ساكس" في مذكرة تحليلية أن الانخفاض في الأسعار، لا يعكس وحده العوامل الأساسية في السوق، وهو ما دفع البنك إلى تخفيض توقعاته لسعر خامي "برنت" و"نايمكس" عند 66 دولاراً و62 دولاراً على التوالي، في ديسمبر 2025، حسبما نقلت "رويترز".
وحول ذلك، قال المستشار في مجال النفط والبتروكيماويات، جمال الغربللي، إن أسواق النفط العالمية شهدت تراجعاً ملحوظاً بعد إعلان الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، عازياً هذا التراجع إلى المخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والطلب على الوقود.
ورجّح الغربللي، بتصريح لوكالة الأنباء الكويتية "كونا"، في 6 أبريل الجاري، أن الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط وإعلان تحالف "أوبك بلس" عن زيادة غير متوقعة في إنتاج النفط سيكون لهما تأثير سلبي على الأسعار.
وتوقع المستشار أن تستمر أسعار النفط في التراجع على المدى القريب مع احتمال وصول سعر الخام إلى ما بين 55 و60 دولاراً للبرميل، مؤكداً أن هذه التوقعات قد تتغير بناء على التطورات المستقبلية في السياسات التجارية والإنتاج النفطي العالمي.
وبحسب تقديرات "أربيان غلف بيزنس إنسايت"، فإن تراجع الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً قد يدفع بعض الدول الخليجية إلى مواجهة اضطرابات مالية، وهو ما يستدعي تدخلات حكومية مثل تفعيل أدوات الاستقرار المالي، وعلى رأسها الصناديق السيادية، وهي آلية لجأت إليها بعض الدول مثل الإمارات في أوقات سابقة عند تحرير أسعار الوقود، وفق ما ورد في تقرير لمنصة "إيكونوميك ميدل إيست".
سياسات التنويع.. الحل
ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي، أحمد صدام، أن دول الخليج تمتلك القدرة على تقليل اعتمادها على عائدات النفط بشكل منهجي عبر تعزيز التنويع الاقتصادي، أي التركيز بشكل أكبر على تطوير القطاعات غير النفطية.
ويشير، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى نجاح الإمارات في هذا المجال، حيث تساهم الإيرادات غير النفطية بنحو 70% من إجمالي الإيرادات، وإلى حد ما السعودية التي وصلت فيها هذه النسبة إلى 50% تقريباً خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ويعتقد صدام أن الصناديق السيادية الخليجية قادرة على استيعاب تداعيات تقلبات أسعار النفط على المديين القصير والمتوسط، إلا أنه يحذر من أن استمرار الاعتماد على هذه الصناديق لسد العجز في الإيرادات على المدى الطويل ينطوي على مخاطر كبيرة.
ولفت إلى أن قيمة صناديق الإمارات والكويت تقدر بنحو 900 و800 مليار دولار على التوالي، مؤكداً أن سياسات التنويع تبقى الحل الأساسي للتخفيف من مخاطر تقلبات أسعار النفط على المدى البعيد.
وفيما يتعلق بالآليات المناسبة لخفض العجز المالي، يوضح الخبير الاقتصادي أنه ما من حل سريع سوى ترشيد الإنفاق الحكومي وتأجيل المشاريع غير الضرورية، بالإضافة إلى زيادة الرسوم والضرائب بشكل متناسب مع دخول المستهلكين، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتسهيل جذب الاستثمارات الأجنبية.
وحذر صدام من أن الحرب التجارية الحالية التي أطلقتها الرسوم التي فرضها ترامب ستؤثر على دول الخليج بسبب انخفاض أسعار النفط، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى العجز في هذه الدول، خاصة في الكويت والعراق، اللذين يعتمدان اعتماداً كبيراً على الإيرادات النفطية.
كما توقع أن يمتد التأثير إلى الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة، وهو ما سيؤثر سلباً على استثمارات الصناديق السيادية الخليجية هناك.
ومع ذلك، يرى صدام جانباً إيجابياً محتملاً يتمثل في إمكانية إعادة الصين توجيه جزء كبير من استثماراتها إلى منطقة الخليج.
وأشار أيضاً إلى أن هذا التغيير يتطلب تبني سياسات خليجية موازية تهدف إلى جذب هذه الاستثمارات التي تساهم في توسيع السوق الخليجي وتعزيز دور الإيرادات غير النفطية.
تداعيات غير مباشرة
ورغم أن الأثر الفوري للإجراءات الاقتصادية العالمية، كفرض الرسوم الجمركية الأمريكية، يبدو محدوداً على دول مجلس التعاون الخليجي، لكنّ التحليلات تشير إلى أن التأثيرات غير المباشرة قد تكون عميقة وطويلة الأمد.
ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة "جلف أناليتيكا" للاستشارات، ديفيد جيبسون مور، أن الاقتصادات الخليجية قد تشهد ارتدادات لاحقة، خصوصاً مع احتمال تباطؤ النمو العالمي وتراجع الطلب على النفط.
وأوضح جيبسون مور لصحيفة "تشاينا ديلي"، في 3 أبريل الجاري، أن تباطؤ الاقتصادات الكبرى، ولا سيما في ظل التوترات التجارية، سيؤدي إلى خفض الطلب على الطاقة، وهو ما يضع دول الخليج المنتجة للنفط أمام تحدٍّ مالي مباشر.
وبيّن أن ميزانيات هذه الدول، وعلى رأسها السعودية، التي تحتاج إلى سعر 70 دولاراً للبرميل لتحقيق التعادل، قد تدخل في دائرة العجز إذا استمرت الأسعار في الانخفاض، علماً أن دولاً أخرى مثل البحرين وعُمان تعتمد على أسعار أعلى من ذلك.
وقد انعكست هذه المخاوف في ردود فعل الأسواق المالية في المنطقة؛ حيث سجّلت أسواق الأسهم في منطقة الخليج تراجعات حادة في 6 أبريل الجاري، وهوى المؤشر السعودي 6.8% في أكبر تراجع في يوم واحد منذ مايو 2020، قبل أن يعاود الصعود بعد تأجيل ترامب للتعريفات الجمركية 90 يوماً (9 أبريل).
وأشار جيبسون مور إلى أن صناع القرار في دول الخليج سيتبعون نهجاً حذراً في التعامل مع هذا المشهد، خاصة في ظل ترقب التطورات العالمية المتعلقة بالنمو الاقتصادي وأسعار الطاقة.