سياسة وأمن » صفقات

تغيير استراتيجي كبير.. السعودية على أعتاب امتلاك إف-35

في 2025/11/16

يوسف حمود - الخليج أونلاين

عاد ملف حصول السعودية على مقاتلات "إف-35" الأمريكية إلى الواجهة بقوة، بعدما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (14 نوفمبر) أنه ينظر حالياً في طلب الرياض شراء 48 طائرة منها، في ما يعد أكبر تقدم معلن في هذا الملف منذ العام 2017.

وتكتسب هذه الصفقة زخماً كبيراً مع الزيارة المرتقبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود إلى واشنطن، في 17 نوفمبر الجاري، في ظل سعي البلدين لتعزيز التعاون الدفاعي ودفع العلاقات الاستراتيجية إلى مستويات أعلى.

كما يأتي هذا التطور في سياق جهود المملكة لتسريع برامج التحديث العسكري ضمن "رؤية 2030"، التي تركز على تعزيز وتنويع قدراتها الدفاعية والارتقاء بمنظومة الردع الوطنية.

إحياء الصفقة

وتعود رغبة السعودية في الحصول على مقاتلات "إف 35" إلى عام 2017، حين بدأت مفاوضات أولية مع واشنطن لتطوير قدراتها الجوية وتحديث أسطولها الذي يعتمد على مقاتلات "إف 15" لكونها تتميز بقدرات هجومية ودفاعية متقدمة.

غير أن الصفقة ظلت مجمدة لسنوات، نتيجة القيود الأمريكية المرتبطة بما يسمى "التفوق العسكري النوعي لإسرائيل" الذي تلتزم واشنطن بالحفاظ عليه.

ومع بداية 2025 والزيارة التي قام بها ترامب للمملكة، في مايو الماضي، عاد الملف إلى الحياة من جديد، حيث نقلت وكالة "رويترز" (4 نوفمبر) عن مصادر أن السعودية تقدمت بطلب رسمي مُحدث في الربع الأول من العام، وتبعته مشاورات عسكرية وتقنية في البنتاغون شملت مراجعة متطلبات الأنظمة، وتقييم المخاطر الإقليمية، وإجراء دراسة حول تأثير الصفقة على توازن القوى في المنطقة.

ووفق الوكالة، فإن تلك المرحلة استغرقت شهوراً قبل أن تتخطى الصفقة "العقبة التقنية" وترفع للقيادة السياسية، ناقلة عن مصادر مطلعة أن أهم عوامل التعطيل سابقاً كانت "اعتراضات إسرائيلية، وتحفظات داخل الكونغرس، وتقييمات استخبارية حول مستوى الجاهزية التقنية في القوات الجوية السعودية".

كما أشارت المصادر إلى أن الصفقة المحتملة تخطت عقبة رئيسية في "البنتاغون" قبيل زيارة ولي العهد السعودي، خصوصاً مع تركيز إدارة ترامب على إعادة بناء التحالفات الدفاعية التقليدية.

وأكد مسؤول في البيت الأبيض (14 نوفمبر) أيضاً لوكالة "بلومبيرغ" أنه من المتوقع أن يبرم ترامب ومحمد بن سلمان الصفقة، ضمن سلسلة اتفاقيات اقتصادية ودفاعية خلال زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن.

حسابات أمريكية

وتندرج هذه التطورات ضمن حسابات أمريكية دقيقة تعي تماماً ما يترتب على تنويع المملكة لمصادرها الدفاعية من تحولات استراتيجية في المنطقة، خصوصاً بعد أن أبدت الصين في وقت سابق استعداداها لتزويد الرياض بمقاتلات "تشنغدو جيه-20" و"إف سي-31 جيرفالكون" المتطورة.

إذ تنظر إدارة ترامب إلى السعودية باعتبارها "ركيزة مركزية" في التوازن الإقليمي، وأن إدخال "إف 35" في منظومتها العسكرية يخدم رؤية واشنطن في تثبيت استقرار المنطقة.

لكن لا يزال الكونغرس عاملاً مؤثراً، إذ يتطلب إقرار الصفقة المرور بعدة لجان تشريعية، ورغم أن أغلب الضغوط السياسية التي كانت قائمة خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن قد تراجعت، فإنه من المتوقع أن يطالب بعض المشرعين بتعهدات إضافية حول الضمانات الأمنية والتزامات تتعلق بعدم استخدام الطائرة خارج الإطار الدفاعي.

فبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، أثار تقرير مخابراتي صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية مخاوف من احتمال أن تحصل الصين على تكنولوجيا الطائرة في حال إتمام الصفقة، وفقاً لما ذكرته، الخميس، نقلاً عن مصادر مطلعة على التقييم.

لكن مسؤولاً أمريكياً مطلعاً ذكر لـ"رويترز" أن إتمام الصفقة سيمثل تحولاً كبيراً في سياسة واشنطن، وربما تغير التوازن العسكري في الشرق الأوسط، ومفهوم الحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" لـ"إسرائيل".

إذ تعد "إف 35" المصممة بتقنية التخفي لتمكنها من مباغتة العدو الأكثر تطوراً في العالم، وتستخدمها "إسرائيل" منذ ما يقرب من 10 أعوام، وبنت منها أسراباً متعددة، ولا تزال الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلكها حتى اليوم.

دوافع السعودية  

وفي ظل التحولات المتسارعة في البيئة الأمنية الإقليمية التي شهدتها المنطقة، خلال العامين الماضيين من الحرب في غزة وصولاً للحرب الإيرانية الإسرائيلية، بات تطوير سلاح الجو السعودي جزءاً محورياً في معادلة الردع والاستجابة للمتغيرات الاستراتيجية.

وفي هذا السياق يرجع الخبير الأمني مجيب عبد الله رغبة الرياض في الحصول على "إف 35" إلى "برنامج واسع لتطوير سلاح الجو، في ظل التهديدات العابرة للحدود التي اتسعت خلال السنوات الأخيرة، بدءاً من الهجمات الحوثية وصولاً إلى التطور المتسارع في أنظمة الصواريخ والطائرات المسيرة".

ويضيف لـ"الخليج أونلاين":

- المملكة تجد أن الطائرة الشبحية تمنحها قدرة هجومية ودفاعية غير مسبوقة، خاصة في مهام اختراق العمق، وتحييد منصات الصواريخ، والعمل في بيئات تشويش إلكترونية معقدة.

- تنسجم الصفقة مع مسار الاستثمار في الصناعات الدفاعية المحلية، إذ تسعى الرياض إلى نقل جزء من تشغيل الأنظمة المرتبطة بالطائرة إلى الشركات الوطنية خلال العقد القادم.

- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن ربما تكون فرصة لإعلان اتفاق إطار أو تفاهم أولي حول الصفقة، على أن تُستكمل الخطوات القانونية لاحقاً.

- الصفقة التي ظلت معلقة لسنوات ربما باتت الآن أقرب إلى الحسم من أي وقت مضى، وتبدو المرحلة الحالية مرحلة هندسة سياسية أكثر منها تقنية.

- تعمل الرياض وواشنطن اليوم على بناء تفاهم يمهد للصفقة، التي قد تكون الأهم في تاريخ التعاون الدفاعي بين البلدين.