سياسة وأمن » حروب

صاروخ حوثي يسقط قرب تل أبيب.. تطور نوعي وتآكل للردع

في 2024/09/19

كمال صالح - الخليج أونلاين

تطور جديد شهدته "إسرائيل" صباح اليوم الأحد (15 سبتمبر)، إثر سقوط صاروخ باليستي بعيد المدى أطلقه الحوثيون من اليمن، وفشلت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية في رصده فضلاً عن اعتراضه.

الصاروخ سقط على مقربة من مطار بن غوريون أهم مطارات "إسرائيل"، وأحدث أضراراً مادية، وفزعاً كبيراً في أوساط الإسرائيليين الذين تدافعوا إلى الملاجئ خشية تعرضهم للخطر.

وبالرغم من أن الصاروخ سقط في منطقة غير مأهولة نسبياً، فإنه كما يبدو أصاب القلب السياسي لدولة الاحتلال، فمجرد وصوله إلى قرب تل أبيب دون اعتراض يمثل فشلاً استراتيجياً ذريعاً، فما هي التداعيات المرتقبة لهذا الهجوم؟ وكيف سترد "إسرائيل"؟

الرواية الإسرائيلية

في وقت مبكر من صباح اليوم، دوت صافرات الإنذار في أرجاء "إسرائيل"، وهرع السكان إلى الملاجئ، مع سماع دوي انفجارات ضخمة في الأجواء، ليتضح أنها ناجمة عن محاولات اعتراض صاروخ أُطلق من جهة الشرق.

وسرعان مع أعلن جيش الاحتلال أن صاروخاً من طراز "أرض – أرض" أُطلق من اليمن، سقط في منطقة غير مأهولة وسط "إسرائيل" دون أن يوقع إصابات.

وقال جيش الاحتلال إنه رصد عبور صاروخ "أرض – أرض" صوب وسط "إسرائيل" من جهة الشرق، وسقط في منطقة مفتوحة، في حين تصاعدت أعمدة الدخان من منطقة مفتوحة وسط دولة الاحتلال.

ووفقاً لبيان الجيش الإسرائيلي فإن الصاروخ الذي أُطلق من اليمن قطع قرابة 2000 كيلومتر ليصل إلى "إسرائيل"، وأنه استغرق للوصول قرابة 15 دقيقة.

هيئة الإسعاف الإسرائيلية قالت إن 9 إسرائيليين أصيبوا من جراء التدافع وهم في طريقهم إلى الملاجئ، أثناء التصدي للصاروخ اليمني، في حين قالت الشرطة الإسرائيلية إن الصاروخ سقط في بلدة كفار دانيال في منطقة قريبة من مطار بن غوريون، وأكدت وسائل إعلام عبرية أن الصاروخ سقط على بعد 6 كيلومترات من المطار.

وتطايرت شظايا الصاروخ في أرجاء المنطقة، وتسببت في اندلاع حرائق، في حين تسببت بأضرار مادية في محطة رئيسية قرب بلدة موديعين بين القدس وتل أبيب.

صاروخ فرط صوتي

وأعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين تنفيذ عملية عسكرية نوعية في عمق "إسرائيل" بصاروخ باليستي جديد "فرط صوتي"، لافتاً إلى أنه ضرب هدفاً عسكرياً مهماً في تل أبيب.

وقال يحيى سريع، في بيان له: إن "القوة الصاروخية نفذت العملية بصاروخ باليستي جديد فرط صوتي نجح في الوصول إلى هدفه وأخفقت دفاعات العدو في اعتراضه والتصدي له".

وبحسب رواية الحوثيين، فإن الصاروخ قطع مسافة تقدر بـ2040 كم في غضون 11 دقيقة ونصف الدقيقة، وأنه تسبب بحالة من الخوف والهلع في الأوساط الإسرائيلية، مشيراً إلى أن هذه العملية "جاءت في إطار المرحلة الخامسة".

وأضاف سريع: "إن عوائق الجغرافيا والعدوان الأمريكي البريطاني ومنظومات الرصد والتجسس والتصدي لن تمنع اليمن من تأدية واجبه الديني والأخلاقي والإنساني انتصاراً للشعب الفلسطيني".

وبيّن أن على "إسرائيل" أن تتوقع المزيد من الضربات والعمليات النوعية القادمة، رداً على القصف الذي استهدف الحديدة في (20 يوليو)، ودعماً للمقاومة في غزة.

ارتباك إسرائيلي

حتى اللحظة، لا تزال "إسرائيل" تجمع أجزاء الرواية، فيما تؤكد التقارير والمعلومات التي يسردها الإعلام العبري خطورة هذا الهجوم، خصوصاً في ظل تأكيد فشل اعتراضه من قبل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، وفي المقدمة القبة الحديدية ومنظومات "آرو" و"مقلاع داوود" و"حيتس2"، وجميعها متطورة.

وأعلن جيش الاحتلال أن القوات الجوية تحقق في سبب تأخر رصد واعتراض الصاروخ الذي أُطلق من اليمن، وسقط في منطقة قريبة من تل أبيب.

في حين قال موقع "والا" العبري إن أقمار التجسس الإسرائيلية والأمريكية التي يفترض أن تتعقب مواقع الإطلاق المحتملة باليمن فشلت في رصد الصاروخ.

وأشار إلى أنه "كان يفترض أن تلتقط الأقمار الصناعية الأمريكية الحرارة الكبيرة الناتجة عن محرك الصاروخ وأن يبلغ الجيش الإسرائيلي بذلك".

وأضاف موقع "والا" أنه كان يفترض أن ترصد رادارات السفن البحرية الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر الصاروخ، وكذا رادار "إكس" البعيد المدى في النقب الصاروخ، لكن ذلك لم يحدث.

وتعليقاً على الصاروخ اليمني، قال رئيس حزب العمل، يائير غولان، إنه يذكّر بالفشل المستمر لحكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، لافتاً إلى أن هذه الحكومة تجر "إسرائيل" إلى حرب وصراع داخلي إلى الأبد.

ويمكن القول إن هذا هو أحد أخطر الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها "إسرائيل" منذ الـ7 من أكتوبر الماضي، وبالرغم من عدم وقوع ضحايا فإن الفشل في اعتراض الصاروخ القادم من على بعد 2000 كيلومتر أوقع أصداءً مدوية.

رد متوقع

بأول تعليق رسمي إسرائيلي، قال وزير الطاقة بحكومة نتنياهو، إيلي كوهين، إن الحوثيين سيدفعون ثمناً باهظاً بسبب إطلاقهم الصاروخ باتجاه "إسرائيل".

وقال كوهين: "الحوثيون دفعوا بالفعل ثمناً باهظاً نتيجة استهدافهم إسرائيل سابقاً، وسيدفعون أيضاً ثمن إطلاق صاروخ اليوم، علماً أنه بالنظر إلى هجوم الـ19 من يوليو الماضي، فإن إسرائيل لن تفوت الرد على هذا الهجوم".

وفي 19 يوليو هاجم الحوثيون بطائرة مسيرة قلب مدينة تل أبيب، ما أدى إلى مقتل مسن وإصابة آخرين، وهو الهجوم الذي ردت عليه "إسرائيل" في غضون 24 ساعة، حيث شنت هجوماً على ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.

ووصف المتحدث العسكري باسم كتائب "القسام"، أبو عبيدة، العملية بـ"النوعية"، مشيداً بما أسماه وقوف الشعب اليمني بجانب فلسطين.

تطور نوعي

ويمكن القول إن وصول الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون إلى هدفه وسط "إسرائيل" يمثل نقلة وتطوراً نوعياً في الصراع، ومن وجهة نظر الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور قاصد محمود، فإنه يعكس موقف الحوثيين المتقدم في هذا الصراع.

وقال محمود، الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "لا شك أن هذا الصاروخ ووصوله إلى يافا (تل أبيب)، وعلى بعد كيلومترات من مطار بن غوريون، ونوع هذا الصاروخ كصاروخ باليستي فرط صوتي، حقيقة يشكل نقلة نوعية وتطوراً نوعياً في الصراع".

وأضاف: "واضح أن موقف الحوثيين من هذا الصراع موقف متقدم جداً على الأطراف الأخرى غير غزة، من حيث انخراطه الكامل بالدعم والتأييد الفعلي، للقضية الفلسطينية، وللشعب الفلسطيني وللمقاومة في فلسطين".

وأشار الخبير العسكري إلى أن الحوثي بات "يمتلك يداً عالية استراتيجية في الصراع، بعد إعلانه امتلاك صواريخ فرط صوتية، وتكنولوجيا وإمكانيات"، لافتاً إلى أن ذلك جعل منه "لاعباً كبيراً في هذا الصراع"، خصوصاً بعد إعلانه الدخول في المرحلة الخامسة، التي تمثل مرحلة الجغرافيا الأوسع، بالذهاب بعيداً عن بحر العرب والبحر الأحمر، وخليج عدن ومضيق باب المندب، إلى استخدام أساليب ووسائل قتال متطورة استراتيجياً مثل استخدام هذه الصواريخ.

تآكل الردع

ويستطرد الدكتور قاصد محمود: "هذا تطور نوعي حقيقي، يؤكد تماماً استمرار تآكل الردع الإسرائيلي بكل معنى الكلمة، كما يؤكد تعميق فجوة الثقة بين الإسرائيليين وقياداتهم، سواء كانوا القيادات العسكرية، أو القيادات السياسية، أو القيادات الأمنية، إضافة إلى كونه بلا ريب يعد بُعداً جديداً للحرب".

ويتابع قائلاً: "واضح أن الحوثي يطرح نفسه كلاعب مباشر، صحيح هو جزء من محور المقاومة، ولديه اتصالات واضحة وارتباطات بإيران، لكنه يعطي نفسه مساحات للعمل أوسع من ذلك وأكبر من ذلك".

المهم الآن "هو امتلاك الحوثي لمثل هذه الصواريخ، والتي لها دور كبير في الصراع"، وفق محمود الذي أشار إلى أنه سيكون لها تبعات كبيرة جداً على التوجهات العامة للقيادة الإسرائيلية، كما سيؤثر على موقف المقاومة في غزة، وعلى خطابها ورؤيتها العملياتية.

ويؤكد أن "هناك مرحلة جديدة، وتطوراً مهماً جداً، والصاروخ وصل هدفه، وبمجرد وصوله دون التمكن من اعتراضه من قبل منظومات الدفاع الإسرائيلية والأمريكية، رغم قدرتها، فإن هذا يشكل تطوراً نوعياً وفارقاً في الصراع".

ولفت إلى أن هذه التكنولوجيا التي يمتلكها الحوثيون "ستؤثر حتماً على قرار "إسرائيل"، وسيجبرها على إعادة النظر في قرار توسيع وتعزيز جبهة الشمال، ومن ثم فمن المرجح أن تتحرك الأمور باتجاه وقف إطلاق النار".