رشيد الحداد
قرّرت السعودية، من دون إعلان مسبق، نقل مقار «المجلس الرئاسي» المشكّل من قبل التحالف الذي تقوده في اليمن، من فندق «الريتز كارلتون» في الرياض، إلى حي السفارات، في تدبير اعتبره مراقبون انقلاباً أبيضَ على المجلس، يمهّد لتوجيه الدعم السعودي نحو فصائل «درع الوطن» الموالية للمملكة في محافظات حضرموت وشبوة وأبين. وخلال الأيام الماضية، أظهرت صور تداولها ناشطون يمنيون، أفراد طاقم «المجلس الرئاسي» وهم ينقلون أثاث مكاتب رئيس المجلس وأعضائه من فندق «الريتز» إلى مبنى جديد تمّ استئجاره من قبل «الرئاسي» في «السفارات»، وهو المبنى نفسه الذي كان يستخدمه نائب الرئيس السابق، الجنرال علي محسن الأحمر، خلال السنوات الماضية. كما أظهرت الصور نقل الأعلام اليمنية منكّسة إلى المكاتب الجديدة، ما أثار موجة سخط شعبي واسع.
وعدّ مراقبون تلك الخطوة انقلاباً غير معلن من قبل السعودية على حلفائها في اليمن، فيما وصفها موالون للتحالف السعودي - الإماراتي، بأنها استغناء مهين عن «المجلس الرئاسي» بعد سنوات من فشله في تحقيق أي أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية في اليمن، مشيرين إلى أن هذا التوجه يأتي لصالح حركة «أنصار الله» التي تراها المملكة أكثر حزماً في إدارة مناطقها من الأطراف الموالية لها. وخلال اليومين الماضيين، بدت تداعيات القرار واضحة على المستويين السياسي والاقتصادي، إذ تصاعدت مؤشرات الانهيار المعيشي في مدينة عدن إلى مستويات قياسية جديدة، متأثّرة بتدهور علاقة «المجلس الرئاسي» بقائدة التحالف، خاصة أن رهانات بنك عدن المركزي على الدعم السعودي كانت كبيرة.
وفي أعقاب الكشف عن إنهاء استضافة «الرئاسي» في «الريتز»، قفز سعر صرف الدولار في المحافظات الجنوبية اليمنية إلى 2210 ريالات للدولار، وتجاوز سعر صرف الريال السعودي 574 ريالاً، وهو ما أثار موجة احتجاجات شعبية واسعة في الشارع الجنوبي، ودفع بالنقابات المصرفية ونقابات العمال والأكاديميين والمعلمين في المحافظات الجنوبية إلى الدعوة إلى الإضراب عن العمل حتى وقف الانهيار، وسط عجز حكومي كبير عن مواجهة تداعيات الأزمة الناتجة من انهيار ثقة القطاع المصرفي بالبنك المركزي في عدن. وتزامنت تلك التطورات مع وقف السعودية تمويل عدد من الفصائل العسكرية التابعة لحزب «الإصلاح» في محافظتي مأرب وتعز، وتوجيه هذه الأموال نحو توسيع قوات «درع الوطن» التابعة السعودية، عبر شركات صرافة ذات ارتباط بالسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، وتعزيز دور تلك الفصائل في عدن، وفصلها مالياً عن الحكومة هناك.
وأبدى ناشطو حزب «الإصلاح» توجّساً كبيراً من «الانقلاب الأبيض السعودي»، حسب وصفهم، واعتبروا وقف التمويلات المالية السعودية لفصائل الحزب في مدينة مأرب، مؤشراً خطيراً قد يتسبّب بسقوط المدينة بيد «أنصار الله»، متحدّثين عن تعزيزات عسكرية لقوات صنعاء إلى محيط المدينة. إلا أنهم أغفلوا السبب الرئيسي للخطوة السعودية، والمتمثل بتعميق «الإصلاح» ارتباطه بالدوحة وأنقرة بشكل واضح في الآونة الأخيرة، ومحاولته التمرّد على قرارات الرياض وتوجيهات قيادة التحالف السعودي - الإماراتي في اليمن، من خلال الذهاب إلى التصعيد، أملاً في دعم قطري - تركي لخطوة كبرى، على غرار ما حدث في سوريا.
وكانت الفصائل الموالية للتحالف قد تبادلت، خلال الأيام الماضية، الاتهامات بالفساد والفشل، على خلفية تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في المحافظات الجنوبية. ولوّح «المجلس الانتقالي الجنوبي» بتنفيذ إجراءات ضد حكومة عدن، متهماً إياها بالفشل في إدارة الملف الاقتصادي، وقيادة مخطّط تدميري يستهدف المواطن في المحافظات الجنوبية وما تبقّى من استقرار معيشي فيها، فضلاً عن اتهامات ببيع قطاعات نفطية ونهب كميات كبيرة من النفط الخام في ميناء الضبة النفطي الواقع في ساحل حضرموت. ويأتي ذلك بعد الكشف عن مصفاة بدائية بالقرب من الميناء، وقيام جهات مجهولة بمد أنبوب نفطي منه إلى المصفاة لتزويدها بالخام، بعلم السلطات المحلية التابعة لحكومة عدن.