في 2025/04/14
لقمان عبد الله
فيما يعتبر الشعب اليمني نفسه معنياً بشكل أساسي بمساندة الشعب الفلسطيني والمشاركة في الدفاع عن قطاع غزة والصمود أمام الضربات الجوية الأميركية، ثمة معركة ثنائية بين السعودية والإمارات، تدور على أرض جنوب اليمن، ويدفع ثمنها أبناء المحافظات الجنوبية، الذين يزدادون فقراً وعوزاً، بينما يهدر المتخاصمون الإقليميون موارد البلاد وثرواتها.
بل يمكن القول إن أهداف هذه المعركة تقاسم النفوذ واستغلال ثروات البلد ونهب خيراته، وتوظيف موقعه الجغرافي وتقديمه للولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، مقابل نيل الرضى وتعزيز الدور الوظيفي لكلا البلدين في الإقليم.
ورغم حاجة الأطراف الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى توحيد صف الوكلاء المحليين للتهيئة لاستحقاق الحرب البرية على المناطق الخاضعة لسلطة صنعاء، إلا أن أطماع دول الجوار، ولا سيما السعودية والإمارات في الاستحواذ على البلد، والانقسام الحاد بين الأطراف المحلية وتبعيتها، تمنع توحيد التشكيلات العسكرية في إطار جامع.
تكرّر كل من الرياض وأبو ظبي الشيء نفسه في إذكاء الصراعات وإبقاء الاضطرابات مستمرة منذ قرابة عشر سنوات، وتحرّك كل منهما ذات الأوراق وإن بأساليب وعناوين مختلفة.
في هذا السياق، انطلق السبت اللقاء القبلي الموسّع الذي دعا إليه «حلف قبائل حضرموت» المدعوم من السعودية وسط حضور جماهيري شارك فيه الآلاف ووُصف من قبل المنظّمين بأنه تاريخي ومفصلي وغير مسبوق.
ورفع المشاركون شعارات تطالب بـ«التمكين الحضرمي الكامل» وإدارة حضرموت من قبل أبنائها، بعيداً عما وصفوه بـ «الوصاية والهيمنة من خارج المحافظة»، مؤكدين ضرورة «استعادة القرار السيادي الحضرمي ووضع حد لحالة التهميش التي عانت منها المحافظة خلال العقود الماضية».
في الظاهر، يرفع «حلف القبائل» بدفع من السعودية في سياق هذا التصعيد، مطالب المحافظة في الحكم الذاتي وتمثيل عادل في مؤسسات الدولة. ويحمل التصعيد المذكور رسائل واضحة إلى الداخل، وعلى رأسه «المجلس الانتقالي الجنوبي» لكف يده عن المحافظة، وإلى الخارج، موجه بالدرجة الأولى إلى الإمارات بحجة أن «مستقبل حضرموت السياسي والإداري هو حق لأبنائها»، في ظل مطالبات متزايدة بإنهاء السيطرة العسكرية الخارجية، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة التخلص من «النخبة الحضرمية»، وهي تشكيل محلي حضرمي يتبع بالأمرة إلى «الانتقالي».
وطفا الصراع مجدداً على السطح علناً في أعقاب زيارة رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، إلى المكلا خلال شهر رمضان، إذ شنّ هجوماً على قيادة الحلف، ليرد عليه رئيس الأخير، عمرو بن حبريش، بوصفه بأنه «أداة بيد أسرة صالح»، ما يكشف عمق الصراع والتنافس بين الفصائل الوكيلة للتحالف العربي في اليمن.
وتنظر السعودية إلى حضرموت المجاورة لحدودها على أنها ضرورة إستراتيجية لأمنها وتعتبرها حديقتها الخلفية، فيما تحاول الإمارات استفزازها في حواضرها المنيعة. وفيما يحرص الحلف الحضرمي على سلمية تحرّكه، إلا أن المؤشرات تزداد على احتمال اندلاع مواجهة مسلحة، خاصة مع إعلان «حلف قبائل حضرموت» تشكيل قوة عسكرية وأمنية خاصة، تحت مسمى «قوات حماية حضرموت».
وفي أعقاب زيارة الزبيدي إلى حضرموت، دعت الرياض بن حبريش إلى زيارتها على عجل بداية الشهر الجاري، حيث حظي باهتمام من قبل المملكة. واكتست الزيارة أهمية في سياق صراع النفوذ المحتدم على المحافظة الغنية أيضاً بالثروات الطبيعية، وعكست المكانة المتنامية لحلف القبائل الصاعد بسرعة كقوة وازنة ذات تأثير قبلي وحضور فعلي على الأرض تسعى المملكة إلى تدعيمها بإنشاء قوة مسلحة خاصة به. وكان أبرز حدث شهدته الزيارة هو اللقاء الذي جمع رئيس «حلف قبائل حضرموت» بوزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، الأمر الذي أثار امتعاض «الانتقالي» الذي يعتبر المحافظة جزءاً رئيسياً لا تنازل عنه في المشروع الانفصالي، ويُعتبر فقدانها ضربة قوية للمشروع كونها المورد الرئيسي في الرفد المالي لاحتواء باطنها على كميات كبيرة من احتياط نفط البلاد.
واعتبرت أوساط سياسية يمنية في حينها أن اللقاء جاء بمنزلة شهادة اعتماد رسمي سعودي لـ«حلف قبائل حضرموت» وقيادته كركن رئيسي للسعودية بشأن المحافظة وشؤونها، الأمر الذي يعني بالنتيجة تراجعاً عن إسناد هذا الدور إلى أحد أبرز المكونات لديها، «مجلس حضرموت الوطني»، الذي كانت المملكة نفسها قد أشرفت على تأسيسه، من دون أن يظهر له لاحقاً أيّ حضور فعلي على أرض الواقع.
من جهته، يصر «الانتقالي» على اعتبار نفسه الممثّل الشرعي لشعب الجنوب وعبّر عن رفضه القاطع للقاء القبلي الذي انعقد في هضبة حضرموت، مؤكداً أن أي تجمع أو فعالية تقام من دون توافق شعبي حقيقي وتمثيل لأبناء حضرموت، إنما تأتي في سياق المؤامرات التي تستهدف الجنوب وقضيته العادلة.
واعتبر أن هذا اللقاء ما هو إلا امتداد لمحاولات سابقة للعبث بالنسيج الاجتماعي في حضرموت، وضرب جهود القوى الأمنية الجنوبية، وعلى رأسها «النخبة الحضرمية»، التي قدّمت تضحيات كبيرة في سبيل تطهير المحافظة من الإرهاب وحماية مؤسساتها.
وتستبعد أوساط قريبة من «الانتقالي» التسليم بالأمر الواقع الذي تحاول السعودية فرضه في حضرموت وتتحدّث عن سلسلة من الإجراءات المضادة التي قرّرت قيادته اتخاذها لمنع استفراد الجانب السعودي عبر وكلائه بمحافظة حضرموت.