في 2025/06/16
إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين
تأخذ الحرب بين إيران و"إسرائيل" بُعداً أكثر خطورة، إذ يخوض الجانبان أخطر مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، وهو ما قد يدفع المنطقة لحرب شاملة.
وبينما لا يزال أُفُق التصعيد بين الدولتين غير واضح، تتزايد المخاوف لدى دول الشرق الأوسط من احتمال انزلاقها نحو الحرب خصوصاً منطقة الخليج، بحكم قربها من إيران، وتشابك مصالحها الاقتصادية والجغرافية معها ومع الولايات المتحدة أيضاً.
وخلال اليومين الماضيين صدرت تصريحات إيرانية تتضمن الإشارة إلى إمكانية استهداف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة، وإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، وهي إشارة غير جيدة بالنسبة لدول الخليج التي تسعى جاهدة لتهدئة التوتر، والحيلولة دون اتساع رقعة اللهب.
ومرة أخرى، تبدو دول مجلس التعاون في منطقة اختبار صعبة للتعامل مع هذا التصعيد الخطير الذي قد يتسع بطريقة يصعب احتواؤها، وهو ما يثير تساؤلات ملحّة حول ارتدادات هذه الحرب.
تصعيد خطير
فجر الجمعة (13 يونيو)، شنت "إسرائيل" سلسلة هجمات مباغتة، استهدفت منشآت نووية وأخرى عسكرية داخل الأراضي الإيرانية، فضلاً عن هجمات أخرى أودت بحياة قرابة 20 من قيادات الصف الأول بالجيش الإيراني والحرس الثوري، على رأسهم رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسن سلامي، وقرابة 6 من العلماء النوويين الإيرانيين.
كما قصف الجيش الإسرائيلي عدداً من المواقع والأهداف الاستراتيجية في إيران، أبرزها مقر الحرس الثوري الإيراني، ووزارة الدفاع، ومفاعل نطنز النووي، ومطار تبريز، ومفاعل آراك، وموقع بارشين النووي، ومواقع استراتيجية أخرى.
ووفق المعلومات المعلنة، فقد أدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل العشرات وإصابة أكثر من 800 آخرين في مختلف المناطق الإيرانية، بينهم قادة عسكريون وعلماء نوويون.
بدورها، ردت إيران بشن ضربات صاروخية على تل أبيب ومناطق أخرى في "إسرائيل" محدثة خسائر مادية كبيرة، فضلاً عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 80 آخرين على الأقل، ويبدو أن المواجهة مستمرة في ظل التهديدات المتبادلة وسط الانسداد السياسي والدبلوماسي في هذه المرحلة.
تهديد إيراني
وفي ظل إصرار "إسرائيل" على ضرب المشروع النووي الإسرائيلي، تهدد طهران بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، ما يعني تأثيراً مباشراً على نحو 20% من تدفقات النفط العالمية، وهو ما أدى إلى حالة إرباك في أسواق الطاقة العالمية، وفق وكالة "بلومبيرغ" الامريكية.
وقال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، لوكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" فإن طهران تدرس إغلاق مضيق هرمز، في خطوة قد تؤدي إلى كارثة اقتصادية كبرى تضرب المنطقة والعالم.
ويمر عبر مضيق هرمز، الواقع عند مصب الخليج العربي، نحو ثلث تجارة النفط العالمية، وأكثر من 20% من صادرات الغاز الطبيعي المسال، ما يجعله شرياناً حيوياً لأسواق الطاقة الدولية.
ويبلغ طول المضيق نحو 161 كيلومتراً، في حين لا يتجاوز عرضه 21 كيلومتراً في أضيق نقاطه، ما يجعله عرضة للألغام والهجمات الصاروخية أو البحرية، نظراً لقربه من السواحل الإيرانية.
ويوم الجمعة 13 يونيو، نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية عن مسؤول إيراني كبير أن الهجمات ضد "إسرائيل" ستتصاعد في الأيام المقبلة، وستشمل أيضاً القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة.
تداعيات استراتيجية
التصعيد بين إيران و"إسرائيل" لا يُعدّ حدثاً معزولاً، بل هو تطور يحمل تداعيات استراتيجية عميقة على دول الخليج العربي، التي تقع جغرافياً في قلب التوترات الإقليمية، وتعدّ شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي، وفق الدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، ورئيس جمعية الصحفيين العُمانية.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، يرصد العريمي مجمل التداعيات المحتملة للتصعيد بين إيران و"إسرائيل" قائلاً:
الاضطراب في أمن الملاحة البحرية، خصوصاً في مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله قرابة خمس صادرات النفط العالمية، حتى وإن كان محدوداً، سينعكس مباشرة على أسعار الطاقة العالمية، وهذا ما لاحظناه خلال اليومين الماضيين من ارتفاع في حدود عشرة دولارات أمريكية، وعلى الأمن الاقتصادي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست بدون استثناء.
أي استهداف غير مباشر أو زيادة مستوى المخاطر على البنية التحتية للطاقة، من منشآت نفط وغاز ومحطات تكرير وتحلية وموانئ، سواء من إيران أو من وكلائها الإقليميين، قد يشكّل ضغطاً كبيراً على الحكومات الخليجية لتعزيز الحماية العسكرية والأمنية لهذه المنشآت.
حالة عدم اليقين الاقتصادي، قد تُفضي إلى تراجع مؤشرات الأسواق المالية وتهديد الثقة الاستثمارية، خصوصاً في القطاعات المرتبطة بالطيران، والطاقة، والسياحة.
انكشاف البيئة الأمنية الإقليمية أمام احتمالات توسّع ساحة المواجهة، سواء عبر هجمات سيبرانية أو عمليات استهداف متبادل عبر وسطاء، وهو ما قد يدفع دول الخليج العربي إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً في صراعات لا ترغب في أن تكون طرفاً مباشراً فيها.
ارتدادات نفسية واجتماعية داخلية، تتمثل في القلق الشعبي، وتزايد الضغط على مؤسسات الدولة الأمنية والإعلامية لطمأنة الرأي العام في ظل حالة الاستقطاب الإقليمي.
الخليج اليوم، يجد نفسه في منطقة تماس استراتيجية بين تل أبيب وطهران، وأي تطور ميداني في هذه المواجهة ستكون له بالضرورة ارتدادات على البيئة الخليجية بكل مستوياتها السياسية والاقتصادية والأمنية.
التهديد الإيراني بضرب المصالح الأمريكية وإغلاق مضيق هرمز، أداة ضغط سياسي ونفسي أكثر من كونها خطوات استراتيجية مدروسة.
اللجوء إلى مثل هذا الخيار ينطوي على مخاطر كبيرة تدركها إيران جيداً.
إغلاق مضيق هرمز ليس قراراً تقنياً أو عسكرياً فحسب، بل قرار اقتصادي واستراتيجي عالي الكلفة، سيؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، والإضرار بمصالح الصين والهند، وهما من أهم شركاء إيران في تجارة النفط، وخنق الاقتصاد الإيراني ذاته، الذي يعتمد على صادراته من النفط عبر المضيق.
من المرجح أن تتوجه إيران لضرب المصالح الأمريكية عبر الأذرع في العراق واليمن، من خلال ما يعرف بالحرب غير المتماثلة، وذلك يبقي طهران بمنأى عن تحمل الكلفة المباشرة للتصعيد، ويُرسل في الوقت ذاته رسائل قوة وتحذير.
خيارات الخليج
وعن الخيارات أمام دول الخليج للتعامل مع تداعيات هذه الحرب، أشار العريمي إلى أنها، لا سيما السعودية والإمارات وقطر، تمتلك حزمة متنوعة من الأدوات السياسية والأمنية والاقتصادية للتعامل مع تداعيات التصعيد، لكنّها تحتاج إلى تفعيل ذكي ومتزن، مشيراً إلى جملة من الخيارات هي:
التأهب الأمني والدفاعي عبر تعزيز المنظومات الدفاعية الجوية والبحرية، وتحسين مستوى التنسيق الاستخباراتي مع الحلفاء الدوليين، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تحسّبًا لأي عمليات عسكرية أو تهديدات عبر الطائرات المسيّرة أو الصواريخ.
تنويع طرق تصدير الطاقة لتقليل الاعتماد على مضيق هرمز، كما تفعل سلطنة عُمان والسعودية من خلال تطوير موانئ بديلة في بحر العرب والبحر الأحمر.
التحرك الدبلوماسي النشط في المحافل الإقليمية والدولية لاحتواء التصعيد، ودعم الوساطات السياسية، ومن ضمنها الدور العُماني الذي يتمتع بالمصداقية لدى طهران والغرب على حد سواء.
تعزيز الأمن السيبراني لحماية المنشآت الحيوية من أي هجمات إلكترونية محتملة، وهو تهديد لا يقل خطراً عن التهديد العسكري المباشر.
ضبط الخطاب الإعلامي والسياسي، وعدم الانجرار إلى استقطابات قد تؤدي إلى توريط دول الخليج العربي في اصطفافات حادة لا تخدم مصالحها الاستراتيجية.
دول الخليج الست تحتاج إلى وحدة موقف سياسي هادئ ومرن، يقوم على الواقعية وتغليب مصلحة شعوبها بعيداً عن الانفعال وعن الانجرار خلف أي محور.
الخليج يواجه اختباراً صعباً في لحظة إقليمية حرجة، فالتصعيد الإسرائيلي الإيراني المفتوح كارثي على المنطقة.
الخيارات ما زالت مفتوحة أمام دول الخليج الست لتفادي الأسوأ، شريطة استخدام أدواتها السياسية والدبلوماسية بحكمة، دون التفريط في جاهزيتها الأمنية والاقتصادية.
تفكير براغماتي
أما الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب، فيعّول على براغماتية النظام الإيراني، لافتاً إلى أنه "من غير المتوقع أن تستهدف طهران المصالح والقواعد الأمريكية في منطقة الخليج".
وأشار، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن ذلك يعني "قيامة إيران"، متوقعاً ألا تذهب طهران إلى أبعد مدى في تصعيدها مع "إسرائيل"، لافتاً إلى أن التصعيد سيقتصر على كثافة الصواريخ الإيرانية والغارات الإسرائيلية، حسب قوله.
كما أضاف قائلاً: "أن يحدث احتكاك بين أمريكا وإيران في الخليج فأعتقد أنه ستحل كارثة على إيران، ستدخل أمريكا بشكل مباشر في الحرب، وسيحدث دمار مثلما حدث في العراق".
ولفت أيضاً إلى أن الحكومة الإيرانية حتى وإن كانت مؤدلجة، فإنها براغماتية، ولن تذهب نحو توسيع رقعة الحرب، لأنها في النهاية ستخسر، مشيراً إلى أن "النسيج الاجتماعي الإيراني مهدد بالتفكك هناك قوميات عدة في الشرق والغرب والجنوب".