سياسة وأمن » حروب

ضربة موجعة.. قطاع الطيران أمام اختبار قاس بعد حرب إسرائيل وإيران

في 2025/06/16

سلمى حداد - الخليج أونلاين

تسببت المواجهة العسكرية غير المسبوقة بين إيران و"إسرائيل" في ضربة موجعة لقطاع الطيران العالمي، الذي يواجه بالفعل تحديات متراكمة منذ جائحة كورونا.

ومع تصاعد الهجمات الجوية المتبادلة بين الجانبين، وإغلاق أجزاء واسعة من المجال الجوي في الشرق الأوسط، تواجه شركات الطيران العالمية ضغوطاً مالية وتشغيلية غير مسبوقة، وسط قلق متزايد بشأن سلامة الطيران التجاري في واحدة من أكثر مناطق العالم ازدحاماً بالممرات الجوية.

إغلاق مطارات وتعليق رحلات

في ذروة التصعيد، أعلنت مواقع تتبع حركة الطيران مثل "فلايت رادار 24" أن الحرب أدت في يومها الأول إلى إلغاء 650 رحلة جوية، وتأثر 1800 رحلة إضافية بشكل مباشر، وتحويل مسارات الطائرات بعيداً عن مناطق النزاع والقصف المتبادل.

وتحوّل المجال الجوي المصري إلى مركز طوارئ إقليمي، حيث استقبل 700 طائرة إضافية في يوم واحد، الجمعة الماضي، مقارنة بمتوسط يومي يبلغ 350 طائرة، بحسب وزارة الطيران المدني المصري.

وعقب اندلاع التوتر، أغلق مطار بن غوريون في تل أبيب حتى إشعار آخر، فيما أعلنت شركة العال الإسرائيلية تعليق جميع رحلاتها. كما أُغلق المجال الجوي الإيراني والعراقي بالكامل، وأُجبرت الرحلات المتجهة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية عبر الأجواء الإيرانية، ومن ضمنها طائرات الخطوط الجوية الهندية، على تحويل مسارها أو العودة إلى مطارات الانطلاق.

وفي وقت لاحق، أغلق الأردن مجاله الجوي، وهو ما زاد من صعوبة إيجاد ممرات آمنة للرحلات الدولية، واضطرت العديد من الطائرات إلى المرور عبر أجواء آسيا الوسطى أو السعودية.

وحذرت منصة "سيف إير سبيس" المتخصصة بمخاطر الطيران من أن الوضع لا يزال متقلباً ويستلزم الحذر الشديد.

وعلى صعيد الطيران الخليجي، أعلنت شركات طيران خليجية، منذ الجمعة، إلغاء رحلاتها من وإلى العراق والأردن ولبنان وإيران.

وقالت "طيران الإمارات" إنها ألغت عدداً من رحلاتها، الجمعة، إضافة إلى رحلة لطهران، يوم السبت، محذّرة من اضطرابات قد تصيب رحلات أخرى.

بدورها أكدت شركة "مطارات دبي" إلغاء أو تأخير بعض الرحلات في مطاري دبي الدولي وآل مكتوم، بسبب إغلاق المجال الجوي فوق إيران والعراق وسوريا.

كما أعلنت الخطوط الجوية القطرية تعليق رحلاتها مؤقتاً إلى إيران والعراق، وسط تصاعد التوترات الإقليمية.

وعززت هذه المستجدات مناخ القلق الذي يسود صناعة الطيران في المنطقة منذ أكتوبر 2023 مع بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ أصبحت الصواريخ والطائرات المسيرة جزءاً من المشهد الجوي على مسارات الطيران التجارية، مما يعرض الركاب والطيارين لمخاطر مباشرة.

ووفق بيانات المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية (يوروكنترول)، يعبر المجال الجوي للشرق الأوسط 1400 رحلة يومياً بين أوروبا والمنطقة.

خسائر فادحة

وتسبب التصعيد في خسائر فادحة بأسواق المال مع نهاية الأسبوع، حيث هبطت أسهم شركات الطيران الكبرى:

- دلتا إيرلاينز: بنسبة 3.8%.

- أميركان إيرلاينز غروب: بنسبة 4.9%.

- إير فرانس-كيه إل إم، لوفتهانزا، آي إيه جي (الخطوط البريطانية): بنسبة أكثر من 3%.

- العربية للطيران الإماراتية: بنسبة 10%، وهو الأكبر منذ الأزمة المالية 2008.

- الخطوط الجوية التركية: -7%.

- بيغاسوس: -6.4%.

- الخطوط الجوية اليابانية: -3.7%.

- إيه إن إيه هولدينغز: -2.8%.

تكلفة إضافية وخطر متزايد

وفق بيان للاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA)، فإن الحرب ضاعفت الضغوط المالية على القطاع، مع ارتفاع تكاليف التأمين، وزيادة استهلاك الوقود بسبب المسارات الأطول، وتراجع الطلب على السفر للمنطقة.

وأشار إلى أن هذه العوامل مجتمعة تقوض ربحية الطيران الدولي، وتدفع إلى رفع أسعار التذاكر لتغطية النفقات المتزايدة.

ولا يقتصر التأثير على الركاب، بل يمتد إلى حركة الشحن الجوي وسلاسل الإمداد العالمية، خاصة في مسارات التجارة بين آسيا وأوروبا والخليج.

ويُعد شرق العراق ومضيق هرمز من أكثر الممرات الجوية ازدحاماً، ما يجعل أي اضطراب فيهما ذا تأثير واسع على التجارة العالمية.

نزيف مالي متسارع

وفي قراءته للمشهد المتعلق بقطاع الطيران وتأثره بالحرب، قال المحلل الاقتصادي، أحمد أبو قمر، إن قطاع الطيران العالمي دخل بالفعل في "مرحلة نزيف مالي متسارع" جراء التصعيد العسكري بين إيران و"إسرائيل"، مشيراً إلى أن الخسائر التي تكبّدتها الشركات خلال الأيام الأولى من الحرب تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات.

وأوضح أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن إلغاء مئات الرحلات الجوية وتحويل مسارات الآلاف من الرحلات الأخرى "لا يعني فقط تكاليف تشغيلية أعلى من جراء استهلاك وقود إضافي أو أجور التأمين المتزايدة، بل يضرب في العمق خطط الشركات لتعويض خسائر ما بعد جائحة كورونا، خاصة مع بداية موسم الصيف الذي يُعد شريان الحياة المالي لشركات الطيران".

وأشار إلى أن شركات الطيران، وخاصة في أوروبا وآسيا، "تعتمد بدرجة كبيرة على رحلات الترانزيت عبر الشرق الأوسط، وأي اضطراب في الممرات الجوية بالمنطقة يخلق تأثيراً مضاعفاً ليس فقط في تراجع الإيرادات بل في تعطل سلاسل الشحن والتوريد، ما يؤثر على قطاعات أخرى مرتبطة بالنقل الجوي".

وتوقع أبو قمر أن تتوسع الأزمة إذا طال أمد الصراع، مشيراً إلى أن "كل يوم إضافي من إغلاق المجالات الجوية في المنطقة أو استمرار العمليات العسكرية سيضاعف من حجم الخسائر، خاصة إذا اضطرت الشركات إلى تعديل استراتيجياتها التشغيلية بالكامل لفصل الصيف".

وأضاف: "الطلب على السفر إلى الشرق الأوسط سيتراجع بشكل حاد، وسيكون لذلك تداعيات على أسعار التذاكر، التي سترتفع لتعويض هذه الخسائر".

وفيما يتعلق بقطاع الطيران الخليجي أكد أبو قمر أن "دول الخليج، ورغم أنها لا تقع مباشرة في بؤرة التصعيد، تأثرت بشكل واضح، ليس فقط عبر شركاتها الوطنية التي أوقفت أو علقت بعض الرحلات، بل أيضاً عبر تراجع حركة الترانزيت التي تعتمد عليها مطارات مثل دبي والدوحة بشكل أساسي".

ولفت إلى أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات لشركات الطيران والمطارات الخليجية إذا استمر شلل الممرات الجوية الحيوية لفترة طويلة.

وختم أبو قمر حديثه بالتأكيد على أن القطاع يواجه "واحدة من أخطر الأزمات منذ عقود"، داعياً إلى التحرك الدولي لاحتواء التصعيد العسكري، لأنه "كلما طالت الأزمة، ازدادت صعوبة تعافي صناعة الطيران في المنطقة والعالم".