سياسة وأمن » مؤتمرات سياسية

بعد وساطات ناجحة.. دول الخليج مركزاً دولياً لحل النزاعات

في 2025/04/14

إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين

برزت دول مجلس التعاون الخليجي كمركز لحل النزاعات الدولية، التي احتلت اهتمام الرأي العام العالمي لعقود؛ وذلك بفضل سياستها القائمة على حل القضايا بالطرق الدبلوماسية.

ابتداءً بحرب أفغانستان وليس انتهاء بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، لعبت العواصم الخليجية دوراً محورياً لجمع أشرس الخصوم الدوليين على مدى سنوات.

واليوم، تحتضن مسقط مفاوضات حاسمة بين الولايات المتحدة وإيران، في حين تحتضن الدوحة مفاوضات مماثلة بين "إسرائيل" وحركة "حماس" الفلسطينية، بعد لقاءات احتضنتها السعودية بين واشنطن وموسكو وكييف لإنهاء الحرب في أوكرانيا المستمرة منذ 2022.

هذا الدور جعل دول الخليج حاضرة في صدارة اهتمام الإعلام العالمي، ومنحها مكانة متقدمة على المستوى السياسي والأمني، كما أصبحت فاعلاً لا يمكن تجاوزه خصوصاً ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط.

أبرز الوساطات التي احتضنتها دول الخليج ونتائجها:

وساطة قطر بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأت منذ 2013، وتوجت في فبراير 2020، بإعلان الدوحة، الذي انسحبت بموجبه القوات الأمريكية من أفغانستان.

وساطة قطر بين "إسرائيل" و"حماس"، التي بدأت منذ الأيام الأولى لطوفان الأقصى، في أكتوبر 2023، وقد أثمرت هدنتين، تم خلالهما الإفراج عن مئات الأسرى والمحتجزين، وحتى اللحظة لا تزال قائمة.

وساطة السعودية بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث احتضنت الرياض اجتماعاً روسياً أمريكياً رفيع المستوى، هو الأول من نوعه منذ سنوات، وقد ساهم في إذابة الجليد بين الجانبين.

احتضنت مدينة جدة السعودية لقاءات بين وفدين من أوكرانيا وآخر من الولايات المتحدة، في أعقاب توتر العلاقات بين واشنطن وكييف، وقد أثمر لقاء جدة عن موافقة أوكرانية بوقف إطلاق نار مؤقت، ينتظر موافقة موسكو.

الوساطة العُمانية بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تحتضن مسقط حالياً جولة مباحثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في أعقاب توتر اقترب من الصدام المباشر.

الوساطة العُمانية في 12 أبريل 2025 بين واشنطن وطهران هي امتداد لدورها السابق، إذ لطالما لعبت مسقط دوراً في التوصل إلى الاتفاق النووي السابق عام 2015.

كما كان للإمارات دور في التوسط بين روسيا وأوكرانيا، وأثمرت جهودها الإفراج عن مئات الأسرى من الجانبين، خلال العام المنصرم، إلى جانب دورها في التوسط لحل النزاع بين إثيوبيا وإرتيريا عام 2018.

كما لعبت الكويت دوراً في احتضان المحادثات اليمنية بين طرفي الصراع اليمني عام 2016، حيث ساهمت الكويت في تقريب وجهات النظر بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.

دور استراتيجي

الدور الذي تلعبه دول الخليج في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم، والتحولات الكبرى التي يرى فيها البعض انتقالاً من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، منحت هذه الجغرافيا الواقعة في قلب العالم مكاناً في قلب السياسة الدولية.

كما تستقطب دول الخليج بأدوارها السياسية ومكانتها الاقتصادية اهتمام الولايات المتحدة وأوروبا، فإنها تجذب أيضاً اهتمام الصين وروسيا واليابان ودول الشرق والجنوب العالمي، وهذا يمنحها مكانة ونفوذاً سياسياً غير مسبوق.

يقول نيكولاي ملادينوف، في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عام 2024، إن "وساطة دول الخليج نجحت في سد الفجوات التي تُخلفها القوى التقليدية وتقدّم منظوراً جديداً بشأن حل النزاعات في عالم متزايد التعقيد".

ويشير ملادينوف إلى أن "دول الخليج طورت أساليب مميزة للوساطة تتسم بالتكتم والتركيز على تكوين علاقات دائمة"، لافتاً إلى أن "هذه الأساليب متجذرة في النسيج الاجتماعي الثقافي في المنطقة، حيث تمارَس الدبلوماسية في الكثير من الأحيان بعيداً عن الأضواء، وتفضَل التفاصيل الدقيقة للمفاوضات على مظاهر الخلافات العلنية".

كما أوضح أن "دول الخليج بناء على ذلك، أصبحت بارعة في توفير بيئة آمنة وجديرة بالثقة للأطراف المتنازعة التي قد تكون حذرة من التداعيات المحتملة للدبلوماسية العلنية رفيعة المستوى".

واستطرد قائلاً: "تتشارك دول الخليج، التي تتمتع كل منها بميزات فريدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، نهجاً أساسياً لحل النزاعات متجذراً بعمق في قيم الشرف والتوافق الثقافية، مع مراعات الاختلافات الدقيقة فيما بينها".

القوة الناعمة

وإلى جانب ما تملكه دول مجلس التعاون الخليجي من إمكانات اقتصادية هائلة، فإنها تبدو حريصة على تعزيز ذلك بمكانة سياسية كبيرة، وهذا يتجلى من خلال الوساطات والجهود الدبلوماسية.

وحول ذلك يقول الدكتور لقاء مكي، الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، إن "دول الخليج تحاول أن تبني لنفسها سردية تتعلق بقدراتها وبحجمها الاقتصادي والديمغرافي وحتى الجغرافي".

ولفت مكي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "هذه الدول التي لها حجوم جغرافية وديمغرافية محدودة، باستثناء السعودية، تريد اليوم إلى جانب الإمكانات الاقتصادية الكبيرة أن يكون لها دور سياسي فاعل، على الصعيد الدولي، وهذا يتجلى من خلال القوة الناعمة، وأبرزها القوة الدبلوماسية".

كما نوّه إلى أن "دول الخليج أصبح لها دور بارز بشكل عام، على الصعيد الدولي، إذ تسعى إلى استكمال الجانب الاقتصادي بدور سياسي وإعلامي"، لافتاً إلى "التطور الكبير في الإعلام العابر للغات كما هو حال الجزيرة".

وأشار إلى أن "هذا الدور الدبلوماسي والإعلامي والطموحات الخليجية الكبيرة، كل ذلك يهدف إلى أن يكون لدول الخليج، حضور دولي أعمق وأكبر يتجاوز بكثير قدراتها الديمغرافية والجغرافية".

إلهام قطري

ويرى الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات أن "نمط القوة الناعمة المتمثل في دبلوماسية الوساطات، يعود الفضل فيه لدولة قطر كونها أول من بدأ فيه"، مضيفاً: 

لا ننسى أن أول من بدأ من هذا النمط من القوة الناعمة هي قطر، التي تمكنت من خلال دبلوماسية الوساطات من حل نزاعات مهمة منذ عقد أو أكثر.

 دخلت قطر في خضم العمل السياسي الدبلوماسي لحل النزاعات، فتمكنت من جمع الأطراف اللبنانية، وجمع أطراف مختلفة في أفريقيا في السودان ودارفور مثلاً، وتمكنت من حل إشكالية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

هناك الكثير من الملفات التي كانت عسيرة وصعبة ومعقدة تمكنت قطر من حلها، وحتى قضية غزة على مراحل مختلفة، وما يجري اليوم من دور قطري من أجل إنهاء الحرب في غزة، ليس الأول من نوعه.

دوماً كان لقطر دور مهم وأساسي في التوسط ليس فقط خلال الحروب، ولكن في حل خلافات ربما كانت غير معلنة وغير منظورة لإبقاء الوضع هادئاً في فلسطين، بطلب أمريكي وبموافقة إسرائيلية، وربما رغبة إسرائيلية وفلسطينية بنفس الوقت.

هذا النجاح القطري في الوساطات الدولية يبدو أنه شجع بالتأكيد دول الخليج الأخرى، كالإمارات التي دخلت في بعض الأمور، لا سيما ما يتعلق بالإفراج عن الأسرى بين أوكرانيا وروسيا، وكذلك السعودية التي دخلت في وساطة لإنهاء الحرب الأوكرانية الروسية.

في الواقع ما تزال قطر تحظى بالريادة والتجربة العميقة أيضاً في اتخاذ التسويات أو الوساطات كخيار دبلوماسي أساسي، ليس فقط بمحاولات بل نحن نتحدث عن حروب إقليمية وأهلية، مثل لبنان، ومن ثم فالأمر يتعدى الجانب المتعلق بالنزاعات الدولية الكبيرة.