مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السعودية تطلق سراح معتقلين سياسيين .. فهل تراجعت عن قمع المعارضة؟

في 2025/03/21

وكالة الأنباء الفرنسية 

السنة الماضية، صدر حكم بسجن المدرس السعودي أسعد الغامدي 20 عاما على خلفية انتقاده حكومة بلاده على الإنترنت، ضمن موجة أحكام مشددة أثارت تنديدا دوليا واسعا ضد المملكة الخليجية.

لكنّ الشهر الماضي، أفرج عن الغامدي، وهو أب لستة أبناء، بشكل مفاجئ ضمن عدد كبير من المعتقلين السياسيين الذين غادروا السجون في شكل شبه أسبوعي، فيما تحاول الرياض تحسين صورتها أمام العالم.

أحصت وكالة فرانس برس إخلاء سبيل أكثر من 30 معتقلا سياسيا، معظمهم سجناء رأي، منذ كانون الأول/ ديسمبر الفائت، سجنوا نتيجة لما سماه ولي العهد السعودي النافذ لأمير محمد بن سلمان “قوانين سيئة”.

وقال مصدر مقرب من الحكومة السعودية: “هناك بعض القضايا التي حصل بها جور شديد”.

وتابع: “بعض القضاة يظن أنه يرضي الحكومة حين يصدر حكما بـ30 عاما لتغريدة. ولي العهد لم يطلب ذلك ولا يرضيه ذلك”.

وشهدت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية صدور أحكام بالسجن لسنوات طويلة من المحكمة الجزائية المتخصصة التي تنظر في قضايا الإرهاب ضد مواطنين عاديين لا يتابعهم سوى قلة.

وفيما هناك بوادر واضحة للتغيير، لا يزال بعض المعارضين خلف القضبان.

وقال محللون إن الإفراجات الأخيرة من المرجح أن تكون جزءا من محاولة السلطات السعودية لتحسين صورة المملكة في الخارج، وليس جزءا من أي إصلاح منهجي.

وضمن مّن شملتهم حملة القمع، طالبة الدكتوراه في جامعة ليدز البريطانية والأم لطفلين سلمى الشهاب التي سبق أن حُكم عليها بالسجن 34 عاما في 2022، قبل أن تُخفّف إلى 4 سنوات في 2024.

أُفرج عن الشهاب التي كانت تهمتها أنها غردت وأعادت التغريد دعما للنساء لمتابعيها البالغ عددهم 2600 متابع، الشهر الماضي بعدما قضت مدة حكمها المخفضة.

كما صدر حكم بسجن المواطنة نورة القحطاني (45 عاما) وهي أم لخمسة أبناء، بعدما دينت بتهمة “الطعن” في عدالة الملك وولي عهده على الإنترنت. وجاء الحكم القاسي بعد حكم مبدأي بسجنها 6 سنوات ونصف سنة.

“مراجعة” ملفات المعتقلين

منذ تولي الأمير محمد ولاية العهد في 2017، تحاول السعودية تعديل صورتها من خلال تبني إصلاحات اجتماعية، تتضمن السماح للنساء بقيادة السيارات وإعادة فتح دور السينما، كما نالت حق تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2034 ومعرض إكسبو 2030.

لكنّ هذه الأحكام القاسية كانت دوما تلطخ الإصلاحات الاجتماعية وسجلها الحقوقي.

وبدأت السعودية “مراجعة” هذا الملف الحساس بعد صدور حكم بإعدام المدرس المتقاعد محمد الغامدي، شقيق أسعد، على خلفية انتقاده الحكومة على الإنترنت في 2023.

وأعرب ولي العهد السعودي النافذ في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية في أيلول/ سبتمبر 2023 عن “عدم سعادته وخجله” من صدور حكم بالإعدام في القضية.

وقال المصدر المقرب من الحكومة إن “الأمير محمد شكّل منذ عامين لجنة من وزراء ومسؤولين لمراجعة كافة ملفات المعتقلين السياسيين”.

وفي آب/ أغسطس الماضي، ألغيت عقوبة السجن بحق الغامدي، قبل أن يحكم بالسجن 30 عاما في الشهر التالي.

على رأس المطلق سراحهم، الحقوقي محمد القحطاني الذي أُفرج عنه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بعد أكثر من سنتين من انتهاء محكوميته لعشر سنوات نهاية 2022.

كما أُفرج عن الأكاديمي مالك الأحمد والداعية محمد الهبدان اللذين اعتقلا ضمن حملة اعتقالات كبيرة في أيلول/ سبتمبر 2017، وكذلك المؤثر منصور الرقيبة الذي صدر حكم بسجنه 27 عاما.

وأوضح المصدر الحكومي: “ما يحدث الآن هو نتاج عمل هذه اللجنة التي لا تزال مستمرة في عملها لضمان تحقيق العدالة”.

“إصلاح شامل”

تلقت سمعة السعودية ضربة قوية عالميا بعد مقتل وتقطيع جثمان الصحافي السعودي الناقد جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية بإسطنبول في 2018.

اتهم تحقيق للأمم المتحدة السعودية بتنظيم عملية القتل، بينما أفادت وكالة الاستخبارات الأمريكية بأن الأمير محمد “أجاز” العملية. نفت الرياض هذا الاتهام، وألقت بالمسؤولية على عناصر “مارقة”.

وفي حين تعهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بجعل ولي العهد “منبوذا” بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، زار المملكة في 2022، والآن تتمتع السعودية بعلاقات جيدة مع الرئيس دونالد ترامب.

وأبدى عمر كريم، الخبير في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية، اعتقاده أن إخلاءات السبيل الجارية “ليست نتيجة لأي ضغوط أجنبية حيث لا يمكن أن تكون البيئة الخارجية حاليا أكثر مثالية بالنسبة للمملكة”.

وأفاد: “مع دخول حكم الملك سلمان عامه الحادي عشر الآن ووصول ولي العهد إلى عامه الثامن، تظل سلطتهما راسخة وبالتالي يمكن أن نزعم أن الظروف الحالية مواتية لإرسال لفتة إيجابية للمعارضين السعوديين”.

وتابع: “مع بروز المملكة كلاعب حاسم في السياسة العالمية… فإن تحسين سمعتها في مجال حقوق الإنسان يبدو استراتيجية مهمة”.

وبعد تطبيع علاقتها مع غريمتها إيران والتوسط في تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، عززت المملكة مكانتها الدولية باستضافة محادثات أمريكية أوكرانية.

وقال كريم إن الإفراجات “ستعزّز حسن النية بخصوص القيادة السعودية”.

لكن أسماء كبيرة مثل الداعيين سلمان العودة وعوض القرني سبق أن طالبت النيابة السعودية بإعدامهم بتهم “إثارة الفتن”، ما زالوا مسجونين منذ حملة 2017.

ورحب عبدالله العودة، نجل الداعية سلمان، ورئيس مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط ومقره واشنطن، بالإفراجات، معربا عن أمله في أن “يُحل موضوع الاعتقال التعسفي واعتقالات أصحاب الرأي والضمير للأبد”.

بالتوازي مع إطلاق سراح المعتقلين، وجهت الدولة على لسان رئيس جهاز أمن الدولة عبدالعزيز الهويريني دعوة للمعارضين بالخارج للعودة “دون عقاب”.

وقال الهويريني خلال مقابلة تلفزيونية مطلع الشهر: “أما اللذين بالخارج، فالدعوة لهم مفتوحة… من يقرر العودة… فهؤلاء مرحّب بهم ولن يطولهم أي عقاب”.

لكنّ سعيد الغامدي، الداعية الإسلامي المعارض وشقيق أسعد ومحمد والذي يتخذ من لندن منفى اختياريا قال إن الأمر “يتطلب إصلاحا شاملا” قبل التحدث عن عودة المعارضين.

ويقوم الحكم في السعودية على نظام ملكي في غياب برلمان مُنتخب ولا يُسمح بأي معارضة سياسية. ويعين القضاة بموجب أوامر ملكية.

وأفاد الغامدي: “إصلاح شامل يعني مشاركة سياسية واستقلال القضاء وحريات عامة بلا استثناء، غير ذلك فأي خطوة ستظل شكلية”.