علاقات » اميركي

ماذا يريد الرئيس ترمب من الخليج؟

في 2024/11/19

عادل مرزوق\ البيت الخليجي للدراسات

في 20 يناير العام المقبل يدخل الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة. وكان المرشح الجمهوري قد أُعلن عن فوزه بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية مطلع الشهر الجاري متعهدًا في الخطاب الذي ألقاه بـ “مساعدة البلاد على الشفاء”.

إلى ذلك، تمكن الحزب الجمهوري من السيطرة على مجلسي النواب ومجلس الشيوخ، وهو ما يمنح الرئيس ترمب دفعةً كبيرةً وتناغمًا في عمل المؤسسات الدستورية بما يشمل القدرة على تعيين قضاة جدد في المحكمة العليا بأريحية.

خليجيًا وعربيًا، بادر الرؤساء والملوك والأمراء إلى تهنئة الرئيس المنتخب بنصره الكبير، في انتظار التعرُف على ملامح الإدارة الأمريكية الجديدة ومدى التغيير الذي ستتمخض عنه عودة أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل.

تمثل عودة الرئيس ترمب حدثًا استثنائيًا على ضفتي الخليج، إذ كانت سنوات فترته الرئاسية الأولى حافلة بالأحداث والتحديات. في مقدمتها، انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي الإيراني” الذي تم التوصل إليها في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5+1، تبع ذلك فرض عقوبات جديدة على إيران وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ثم نجحت مُسيرة أمريكية في اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.

في 5 يونيو 2017 قررت كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر، قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وتشير عديد المصادر أن الأزمة كانت بعد ضوء أخضر من الرئيس ترمب بنفسه، وهو ما يمكن اعتباره خطأ رئاسيًا تداركته المؤسسات الأمريكية (وزارتي الخارجية والدفاع) لاحقًا.

دبلوماسيًا، قاد الرئيس ترمب ومستشاره الخاص جاريد كوشنر توقيع اتفاقيات السلام “الاتفاقات الإبراهيمية” بين إسرائيل ودول عربية، في مقدمتها الإمارات والبحرين. عسكريًا، فرضت الإدارة الأمريكية على دول الخليج صفقات تسليح باهظة لكنها تمنعت عن تسليح أي دولة من دول الخليج بأحدث طائراتها المقاتلة F35.

اليوم، ومع عودة الرئيس إلى البيت الأبيض، تتزايد التوقعات والمراهنات على أن منطقة الخليج تنتظر المزيد من الأحداث والمستجدات، يحاول هذا المقال سبر بعض حيثيات المشهد والسيناريوهات المحتملة.

صراع مع إيران وتطبيع مع إسرائيل

لن يحتاج الأمر إلى كثير من الوقت حتى تكون آثار التغيير في البيت الأبيض ظاهرة للعيان. من المؤكد أن تركيز الإدارة الأمريكية الجديدة سينصب على الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في غزة ولبنان وتداعياتها، ودول الخليج، على أي حال، ليست في معزل عن كل هذا، بل لعلها أحد أهم اللاعبين والمؤثرين في ملف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.

هناك مقاربتان أمريكيتان في الخليج، تختص المقاربة الأولى بالصراع المحتدم مع إيران وطموحها النووي وبرنامجها الصاروخي، وتهتم الثانية بتطبيع العلاقات والسلام مع إسرائيل. إلى جانب ذلك، تبدي الولايات المتحدة قلقًا متزايدًا من الشراكات والتفاهمات المتصاعدة، سياسياً واقتصاديًا، بين دول الخليج من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.

لا تبدو مهمة واشنطن سهلة، فرغم توافق دول الخليج مع واشنطن على خطر إيران وتهديداتها إلا أنها حريصة أيضًا على ألا تنزلق الأمور إلى صراع مباشر تكون دول الخليج الخاسر الأكبر فيه.

تُدرك دول الخليج أن إدارة الرئيس ترمب محكوم بقائها بسنوات أربع فيما ستبقى إيران المُطلة بسواحلها على الخليج إلى الأبد، يُضاف لذلك أن ذاكرة الخليجيين لا تحتفظ بذكرى حسنة حول الدور الأمريكي في حرب اليمن، إذ تعتقد كل من الرياض وأبوظبي أنهما تعرضتا للخذلان من جانب الولايات المتحدة فما يتعلق بهجمات الحوثيين على منشآت أرامكوا السعودية ومناطق حيوية في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

في ملف التطبيع مع إسرائيل، يمكن القول إن قدرة الولايات المتحدة على الإنجاز تبدو محدودة، خاصة وأن غالبية دول الخليج ستلتزم بالموقف السعودي من التطبيع. من المتوقع أن يؤدي ثبات الرياض على موقفها من ملف تطبيع العلاقات مع تل أبيب بدفع الفاتورة مسبقًا عبر المضي في حل الدولتين، إلى تضييق الخناق على واشنطن. بالنتيجة، سيُماطل الإسرائيليون في الاستجابة لشروط الرياض، وهو ما سيضعف من موقف إسرائيل ويكشف عن عدم جديتها في مشروع السلام في المنطقة. وهو أيضًا، ما سيجعل قطر والكويت وعمان بعيدة عن أي ضغوط أمريكية. يعزز من ذلك، نجاح السعودية في فك الارتباط بين ملفي الاتفاقية الدفاعية والأمنية مع واشنطن عن مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

التناغم المفقود وتزاحم الأجندات

تأسيسًا، تحتاج دول الخليج التي تعاني من اختلافات وازنة في سياساتها الخارجية في ضبط علاقاتها مع إدارة الرئيس ترمب لتوافق سياسي صلب فيما بينها، على الأكثر يجب أن يضمن هذا التوافق ضبط إيقاع عمل الإدارة الأمريكية بما لا يضر بمصالح دول الخليج في المنطقة، وعلى الأقل، بما يضمن أن لا يتكرر سيناريو سعي دول الخليج للإضرار المتعمد ببعضها البعض.

في عام 2017 لم تحتمل منطقة الخليج تزاحم مشروعين خليجيين (المشروع القطري قبالة المشروع السعودي الإماراتي)، وقتئذ، انزلقت دول الخليج لمنحى خطير واستثنائي، وعليه، من المتوقع أن يؤدي تزاحم 3 مشاريع خليجية (سعودي/ إماراتي/ قطري) في المنطقة إلى مخاطر عدة بالنظر إلى أن المصالحة الخليجية لا تزال رخوة.

إذا كان بالإمكان التنبؤ بأن قطر والإمارات لن تغامرا بالوقوف أمام السعودية وستتجنبان – قدر الإمكان – أي تصادم مباشر معها، فإن العلاقات بين قطر والإمارات لا تزال عرضة للاهتزاز والتوتر، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال استمرار الصراع بين الدولتين، دبلوماسيًا وإعلاميًا، رغم الزيارات الثنائية رفيعة المستوى والتي يبدو أنها الضابط الوحيد لتجنب تصاعد الأزمة بين البلدين.

وفيما تبدو قطر الأقرب مؤسساتيًا وعسكريًا للولايات المتحدة تمتلك أبوظبي نفوذًا واسعًا في واشنطن، وخاصة في صفوف الجمهوريين وفريق الرئيس ترمب بنسختيه القديمة والجديدة. وهو ما يحيل إلى أننا قد نشهد تزاحمًا حادًا بين الدوحة وأبوظبي في أروقة البيت الأبيض والكونجرس ووزارة الخارجية.

إيران: الرجوع إلى الوراء

تدرك إيران التي لا سيناريو لانتصار محورها في حرب غزة وجنوب لبنان سوى عبر تسويق “البقاء” باعتباره نصرًا، أن عودة الرئيس ترمب تمثل تهديدًا أكثر جدية عليها بالتوازي مع الحرب الإسرائيلية على لبنان ومشروع القضاء على حزب الله الذي يمثل رأس حربة المحور الإيراني في المنطقة.

لقد أدى شبه الإجماع العربي على شيطنة حركات المقاومة لإسرائيل واعتبارها عوامل تهديد لاستقرار الدول العربية، كذلك، لحظة الارتباك العربية تجاه القضية الفلسطينية برمتها، إلى جعل إيران ومحورها، وحيدة في مواجهة تل أبيب وحديقتها الخلفية (الولايات المتحدة ودول أوروبا). وبقدر ما يراهن الإيرانيون على أن عقيدة الرئيس ترمب تميل إلى تجنب الزج بالجيش الأمريكي في أي حرب اقليمية، إلا أن ذلك لن يمنع الرئيس الجديد في محاولة استكمال مشروع السلام الابراهيمي وتوسيع رقعته، يشمل ذلك، وربما يقتضي، عدم التردد في الموافقة على ضربات عسكرية حاسمة ومؤلمة لأي قوة تهدد مشروع الرئيس ترمب ورؤيته في منطقة الشرق الأوسط.

تبدو خيارات إيران محدودة، على المدى القريب تسعى إيران ومكنتها الدبلوماسية إلى ايقاف حرب غزة وجنوب لبنان، لكن الأهم من ذلك، يكمن في ترتيب الأوراق مع السعودية وصولاً إلى تفاهم إيراني سعودي يجعل السعوديين في غنى عن عقد أي مراهنات على واشنطن. حينها فقط، يكون الرئيس ترمب وفريقه المتحفز لمواجهة إيران عاجزًا عن فعل الكثير، التساؤل الذي يبدو ملحًا في هذا السياق هو التساؤل عن ثمن هذه الخدمة التي قد تقدمها السعودية لإيران، تبدو الإجابة ماثلة للعيان ومباشرة: تسهيل إيران لمصالحة يمنية تكون اليد الطولى فيها للسعوديين.

تبدو إيران مقتنعة، أكثر من أي وقت مضى، بأن مشروع المقاومة يجب ألا يغادر كونه “أداة ضغط” تقليدية، وعلى الأغلب، تدرك طهران أن استمرار هذا المشروع كخيار استراتيجي هو انتحار وتدمير لمواردها، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال التصريحات والمواقف الإيرانية الأخيرة التي باتت تؤكد، على غير العادة، رغبة طهران في الحوار وبناء التفاهمات مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض.