علاقات » اميركي

بعد دعوة ترامب.. الخليج يواجه أكبر اختبار تاريخي في علاقاته مع أميركا

في 2025/02/07

(أحمد شوقي \ راصد الخليج) 

ممّا لا شك فيه أن هناك مواقف متباينة بين دول الخليج وبعضها البعض من القضية الفلسطينية، إلا إنّها جميعًا لا تخرج عن الموقف الرسمي العربي والقاضي بضرورة حلّ الدولتين ومنع تصفية القضية. لعل هذا التباين يكمن في مسألة التطبيع مع "إسرائيل"، إذ بينما سارعت دول مثل الإمارات والبحرين إلى التطبيع، فإنّ بقية الدول تتمهل وتربط تطبيعها بتحقيق المطالب العربية الرسمية، وحتى أكثر الدول مرونة في ذلك، مثل المملكة العربية السعودية والتي أجرت مشاورات متقدمة في مسار التطبيع، التزمت بموقف حلّ الدولتين وأعادت تأكيده أكثر من مرة، وتحديدًا مع كل إشارة تصدر من "إسرائيل" وأميركا بها تلويح بأنّ التطبيع قد يحدث بحكم الأمر الواقع ومن دون تنفيذ المطالب العربية. كما تكمن التباينات الأخرى في العلاقة مع الحركات والقوى الفلسطينية، إذ بينما هناك دول تربطها علاقات طيبة بتنظيم حماس والجهاد، مثل قطر والتي تمارس دورًا فاعلاً في غزة وفي المفاوضات، هناك دول أخرى تفضل التعامل مع السلطة الفلسطينية.

على الرغم من كل هذه التباينات، إلا أن الموقف من تهجير أهل غزة، والذي طرحه الرئيس الأمريكي مؤخرًا، هو أمر مرفوض عربيًا وخليجيًا؛ فقد سارعت دول الخليج برفضه عبر أكثر من منبر، سواء في الاجتماع السداسي الذي دعت إليه مصر بالقاهرة، أم عبر بيانات لوزارات الخارجية الخليجية، ومؤخرًا في بيان لمجلس التعاون الخليجي، والذي أكد الموقف الثابت للمجلس من القضية الفلسطينية ومسألة حدود العام 1967 وعودة اللاجئين.

في هذه المرحلة؛ يمر الخليج بأكبر اختبار ربما، منذ استقلال دوله؛ لأنّ دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن هي دعوة غير مسبوقة لا في التاريخ الحديث والقائم على القانون الدولي واحترام المؤسسات الدولية، ولا في تاريخ الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، على الرغم من الانحياز الأمريكي الكامل إلى "إسرائيل" في جميع محطات الصراع.

هذا؛ ويتمثل الاختبار الخليجي في عدة أبعاد، أولها البعد العربي بصفتها دولًا عربية، لها التزام تجاه القضية، ولها أمن قومي خليجي لا ينفصل عن الأمن القومي العربي.

وثانيها؛ بعدٌ يتعلق بخصوصية العلاقات الخليجية- الأمريكية، والتي تتميز بعلاقات استراتيجية وثيقة وهو ما يجعل هذه الدعوة الأمريكية أول تناقض كبير وخطير بين أميركا ودول الخليج.

وثالثها؛ بعدٌ يتعلق باختبار أوراق الضغط في محطة لا تقلّ أهمية وخطورة عن محطات الحروب الكبرى في المنطقة؛ وهو بعد خطير يتضمن في داخله الموقف الشعبي الخليجي ومطالبه من حكوماته. كما يتضمن الملفات الاقتصادية التي هندست وخطّط لها بناء على التحالف مع أميركا والغرب، وكذلك الملفات الأمنية والعسكرية، والتي تمت وفقًا لهيكلة أمريكية.

هذا الاختبار سيتوقف عليه مستقبل دول الخليج في الإقليم؛ بل وفي المجتمع الدولي، سواء من حيث الثقل السياسي والاقتصادي، وكذلك من حيث أمن دول الخليج وسيادته. ومما لا شك فيه أن الطريقة المتعجرفة والمتغطرسة التي يتعامل بها ترامب، وكأنه ضامن للهيمنة على حلفائه مهما كانت خطورة الملفات وتناقضها مع أمن هؤلاء الحلفاء، تتطلب تعاملاً مختلفًا هذه المرة يضع حدًا بين التحالف الاستراتيجي وبين التبعية، ويضع حدًا بين الدبلوماسية والكياسة وبين الوقفة الصارمة التي تحدد الخطوط الحمراء وسقوفها.

إن إدارة مثل إدارة ترامب، والتي صدرتها النخبة الاستراتيجية الحاكمة في أميركا أو ما يسميه البعض بالدولة العميقة، تتطلب مواجهة من النوع التجاري الذي يميزها ويضبغ سياساتها. هي تتطلب تهديدات اقتصادية وربطًا للاستثمارات والمصالح الأمريكية بالموقف من القضية الفلسطينية، وتحديدًا ملف التهجير.

هذا؛ وعند ملاحظة التصريحات الأمريكية والإسرائيلية والخطوات على الأرض، لا توحي هذه الدعوة الأمريكية للتهجير، والتي لوحت بإمكان سيطرة أميركا على غزة وتولي إعمارها وتحويلها إلى ريفيرا، بحرب عسكرية في غزة قد جرّبت واستنزفت الجيش الإسرائيلي فيها، بل توحي بأنه مسار لعرقلة إعادة الإعمار والضغط على مصر والأردن والدول العربية بالسبل السياسية والاقتصادية كافة لاستقبال الفلسطينيين بعد إبقاء غزة مكانًا لا يصلح للعيش.

تاليًا؛ من المفترض أن تنشط دول الخليج في ملف إعمار غزة والحفاظ على وجود أهلها فيها ومقاومة الضغوط الاقتصادية والسياسية، وقلب الطاولة على أميركا بتهديد مصالحها الاقتصادية للعدول عن هذه الفكرة والإسراع بإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني. هو اختبار خليجي صعب؛ وينطوي على محطات خطيرة وحساسة، ولكنه اختبار تاريخي ووجودي نأمل أن تتجاوزه بنجاح.