في 2025/03/25
كامل جميل - الخليج أونلاين
تتجاوز أهمية المحادثات الجارية في الرياض بين واشنطن وموسكو وكييف بعدها السياسي، إذ إن التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب المستمرة في أوكرانيا من شأنه أن يُحدث تحولاً كبيراً في مشهد الاقتصاد العالمي.
ومن المتوقع أن ينعكس أي تقدم في هذا المسار على استقرار أسواق الطاقة، وتعافي سلاسل الإمداد، وتحسين الأمن الغذائي العالمي، وتعزيز حركة التجارة البحرية عبر البحر الأسود، ما يخفف الضغط عن أسواق الحبوب والنفط.
في هذا السياق تبرز السعودية بصفتها لاعباً رئيسياً، ليس فقط لكونها وسيطاً موثوقاً، بل لما قد تحققه من مكاسب استراتيجية واقتصادية، عبر تعميق علاقاتها مع موسكو وكييف، والمشاركة مستقبلاً في جهود إعادة الإعمار والاستثمار في البنية التحتية الأوكرانية، ما يعزّز مكانتها على خريطة النفوذ الدولي.
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022، شهدت الساحة الدولية محاولات متكررة –أغلبها فاشلة– لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى تسوية سياسية.
وتفاقمت الأزمة مع تصاعد الهجمات على منشآت الطاقة والبنى التحتية الحيوية؛ ما أثار قلقاً دولياً بشأن أمن أوروبا واستقرار الأسواق العالمية.
ومع ظهور مؤشرات على رغبة موسكو في تقليص نطاق التصعيد، تعود المساعي الدبلوماسية إلى الواجهة مدفوعة برغبة واشنطن في تحقيق اختراق يُحسب سياسياً لإدارة دونالد ترامب، وبرغبة سعودية في أداء دور الوسيط المؤثر.
منصة الرياض لحلحلة النزاع
أحدث التطورات الدبلوماسية انطلقت في العاصمة السعودية الرياض، بعقد جولة من المحادثات بين وفدين أمريكي وروسي، في مسعى لبحث هدنة جزئية في الحرب الأوكرانية.
اللقاء الذي انعقد الاثنين (24 مارس الجاري) سبقه بساعات لقاء مماثل بين الوفد الأمريكي ونظرائه الأوكرانيين، ضمن جهود تقودها السعودية لجسر الفجوة بين أطراف النزاع وفتح نافذة نحو حل سياسي يعيد شيئاً من الاستقرار إلى المنطقة والعالم.
المحادثات، التي تُعقد على مستوى لجان فنية، تركز مبدئياً على هدنة بحرية مؤقتة في البحر الأسود، مع احتمال توسيعها لاحقاً لتشمل وقفاً شاملاً للقتال وقضايا أمنية أوسع.
ويمثل الجانب الأمريكي أندرو بيك، مسؤول الشؤون الأوروبية بمجلس الأمن القومي، ومايكل أنطون من وزارة الخارجية، فيما يرأس الوفد الروسي الدبلوماسي البارز غريغوري كاراسين، ويشاركه سيرغي بيسيدا، مستشار جهاز الأمن الفيدرالي.
من جانبها تشارك أوكرانيا بوفد رفيع يضم وزير الدفاع رستم عمروف، ووزير الخارجية أندريه سيبيها، والمستشار العسكري بافلو باليسا، إضافة إلى رئيس مكتب الرئيس فولديمير زيلينسكي.
وكان من المقرر أن تُجرى المحادثات بشكل منفصل ومتزامن، لكن تحت ضغط سعودي تم الاتفاق على عقدها بشكل متسلسل، لضمان عمق الحوار وتجنب التصعيد.
حذر مصحوب بانفتاح
واشنطن تسعى إلى تحقيق اختراق سريع في الملف الأوكراني، حيث طرحت إدارة ترامب مقترحاً لهدنة شاملة لمدة 30 يوماً تشمل وقفاً كاملاً للهجمات على البنية التحتية والطاقة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب ما كشف عنه البيت الأبيض، أعرب خلال مكالمة استمرت ساعتين ونصفاً مع ترامب عن "استعداد مبدئي لوقف الهجمات على منشآت الطاقة"، و"تأييده لمبادرات تأمين الملاحة في البحر الأسود"، مع تأكيده لرغبة بلاده في الحل السلمي.
أما الرئيس الأوكراني فقد أجرى بدوره اتصالاً مع ترامب أبدى فيه دعمه لمقترح الهدنة، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة ضمان التزام روسيا بأي اتفاق مستقبلي، كما طلب دعماً أمريكياً إضافياً للدفاعات الجوية.
وسيط نزيه وكاسب استراتيجي
احتضان الرياض لهذه الجولة يؤكد بروز المملكة بصفتها قوة دبلوماسية ناعمة، قادرة على جمع المتخاصمين وصناعة التقارب، في ظل علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف.
ويُتوقع أن تُترجم هذه الوساطة إلى مكاسب استراتيجية واقتصادية، سواء من خلال شراكات استثمارية مع أوكرانيا في إعادة الإعمار مستقبلاً، أو من خلال توسيع التعاون الاقتصادي مع روسيا، خاصة في مجالات الطاقة والغذاء والتجارة.
يضاف إلى هذا أن نجاح الرياض في تقريب وجهات النظر يعزز من ثقة المجتمع الدولي بقدرتها على أداء دور محوري في أزمات أخرى، ويدعم رؤيتها الطموحة كمركز إقليمي للسلام والحوار.
وفي حال نجحت السعودية في تثبيت هذا المسار فإنها لن تكون فقط الدولة التي استضافت مفاوضات إنهاء الحرب، بل ربما الدولة التي غيّرت موازين الدبلوماسية العالمية بهدوء وثقة.
الخبير الاقتصادي د. محمد موسى قال في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "من الواضح جداً أن هذا الاتفاق أصبح قاب قوسين أو أدنى، بفعل ضغط الولايات المتحدة، هذه التسوية ستنعكس تلقائياً على الدولتين بشكل مباشر، وعلى السلام العالمي، وعلى السلام في القارة الأوروبية".
على المستوى الاقتصادي يقول موسى: "نحن أمام قنبلة حقيقية، بمعنى قنبلة إيجابية، هذه القنبلة ستعيد للاقتصاد العالمي شيئاً من توازنه، على مستوى أسعار الطاقة".
وتابع: "نحن نتحدث عن عملاق الطاقة الروسي الذي عانى من مسائل العقوبات، وتسقيط الأسعار والإمدادات، ومن ثم سيكون هناك بموضوع الإمدادات شيء أكيد وأساسي داخل هذا الاتفاق، لبلورته بصورة واضحة؛ لعودة الإمدادات الروسية عبر أوكرانيا، لكن بشروط جديدة ترضي الولايات المتحدة، التي ستكون راعية الاتفاق".
أما على مستوى الغذاء العالمي، الذي ارتفعت أسعاره كثيراً في العامين المنصرمين، فسيكون هناك توازن على مستوى أسعار القمح والحبوب، والتي بلغت أسعاراً قياسية خلال العامين المنصرمين، "ولولا اتفاقية إسطنبول لكانت ارتفعت أكثر وأكثر"، وفق موسى.
ويضيف: "كل موجة التضخم التي ضربت العالم بفعل هذه الحرب سيستطيع الاقتصاد العالمي تجاوزها بعد توقيع الاتفاق، سيكون هناك شيء من الاستقرار الاقتصادي على مستوى العالم، وشيء من الاستقرار السياسي والأمني في كل القارة الأوروبية، والتي من الواضح أنها ستتحضر لمسائل جديدة مع ترامب، بفعل تطويره حلف الناتو وتصنيفات جديدة داخل هذا الحلف، وتطوير الميزانيات وتطوير الموارد المالية والمدفوعات بهذا الاتجاه".
الرياض.. عاصمة للحوار العالمي
وحول الدبلوماسية السعودية، يعتبر موسى أنها اليوم "تجسد حالة فريدة في العالم ككل باحتضانها هذه المباحثات، وإمكانية إيجاد فرص للتسوية، أولاً بين الولايات المتحدة وروسيا، وقد شهدنا جولات سابقة احتضنتها المملكة، وكانت لبنة أساسية لخلق دينامية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، واليوم هي تمهد لهذا الاتفاق الأوكراني الروسي، عبر احتضانها هذه اللقاءات ورعايتها".
ومن ثم، والحديث لموسى، "هذا ليس غريباً عن دور الرياض، الذي تود أن تؤديه وهي قادرة كصلة بين الشرق الغرب، وكصلة وصل في كل الأمور العالمية، وبالتالي تتحول اليوم لتكون عاصمة الحوار العالمي، وعليه هذا الحوار سينعكس إيجاباً على صورة المملكة كعاصمة للحوار العالمي".
ويشير إلى أنه "بالمعنى الاقتصادي ستعزز هذه المباحثات حضور شركات روسية في المملكة، والعكس صحيح، ولا ننسى أن العلاقات الشخصية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس فلاديمير بوتين، متميزة جداً، ونذكر جيداً كيف أن الطرف السعودي كان عامل ثقة وجذب أساسي ما بين أوكرانيا وروسيا".
ومن مفتاح هذه الثقة التي تشكلها السعودية، يعتقد موسى أن الشركات الروسية سيكون لها حضور فاعل في قادة الأيام بعد زوال العقوبات، في السوق السعودية، "وأعتقد أن الكثير من الشركات السعودية ستعمل على تطوير جملة قطاعات أساسية في القطاع الزراعي وقطاع اللوجستيان والأسمدة من روسيا تجاه المملكة".
فيما يتعلق بالجانب الأوكراني، يشير موسى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن المملكة قد تبرعت لأوكرانيا بمئات ملايين الدولارات، "ولن تكون السعودية بعيدة عن المشاركة إعادة الإعمار بتوطئة استثمارية وحضور استثماري بقادم الأيام في أوكرانيا".
ويختم بالقول: "نحن الآن في مراحل أولية، ولكنها مراحل واعدة، تؤكد بمكان ما الدور السعودي العالمي، وأؤكد أن الرياض تسعى وهي قادرة على أن تؤدي هذا الدور، أن تكون عاصمة الحوار العالمي لحل كل هذه المشكلات، ونتمنى أن يكون للرياض حضور فاعل وأكبر في بلورة شيء ومبادرات ما في قادم الأيام، عبر الولايات المتحدة، لحل المشاكل المتنقلة في كل الشرق الأوسط".