متابعات
خطوة شديدة الأهمية اتخذتها الإمارات بتوقيع الأمانة العامة للجنة مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة مذكرة تفاهم مع الشرطة المالية الإيطالية (غوارديا دي فينانزا)؛ تتعلق بإطلاق شراكة استراتيجية في مكافحة تهديدات الجريمة المالية.
الشراكة الجديدة تعكس التزاماً مشتركاً بمكافحة الجرائم المالية وحماية النظام المالي العالمي، يدعم تعهد الإمارات في السعي الحثيث لمكافحة النشاطات والتهديدات المتعلقة بالجرائم المالية.
الإمارات لطالما تعرضت لتدقيق متزايد من قبل المنظمات الدولية؛ من جراء ما عاناته لسنوات طويلة من تزايد نشاطات غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل البلاد.
ولم تدخر الإمارات جهداً لمواجهة هذه الخروقات، وتعهدت بتكثيف جهودها لمكافحة هذه الأنشطة، وتبنت في سبيل ذلك العديد من الخطط، للحد من التحديات الأمنية والمالية المرتبطة بهذا الملف.
تنسيق وتبادل خبرات
المذكرة الأخيرة التي جرى التوقيع عليها الجمعة (27 ديسمبر الجاري) مع إيطاليا، تدفع إلى تعزيز الأمن المالي وإرساء أسس نظام مالي أكثر شفافية وموثوقية، لتكون نموذجاً يحتذى به على المستوى الدولي.
وقّع مذكرة التفاهم كل من الأمين العام ونائب رئيس اللجنة الإماراتية حامد الزعابي، ورئيس أركان الشرطة المالية الإيطالية الفريق لياندرو كوزوكريا.
وبحسب ما نشرت وكالة أنباء الإمارات (وام)، تأتي أهمية المذكرة في:
تسهيل تعزيز الجهود المنسقة وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين جهات إنفاذ القانون والسلطات المعنية بمكافحة غسل الأموال.
الزعابي: مذكرة التفاهم خطوة محورية نحو تعزيز الشراكة بين الإمارات وإيطاليا في مجال مكافحة الجرائم المالية.
من خلال المذكرة يتم وضع الأسس لمعيار عالمي للتعاون الدولي، لضمان حماية النظم المالية من الأنشطة غير المشروعة وتقديم الجناة أمام العدالة.
التعاون الثنائي مع إيطاليا في هذا الملف يعكس نجاحات ملموسة تمثلت في اعتقال وتسليم مجرمين بارزين ومصادرة أصول غير مشروعة بقيمة كبيرة.
كوزوكريا: الأمانة العامة للجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال تمثل شريكاً مؤسسياً رئيسياً للشرطة المالية (غوارديا دي فينانزا).
مذكرة التفاهم ستسهم في تعزيز الجهود لمواجهة التحديات المتعلقة بصون الشرعية والأمن في البلدين.
القائمة الرمادية
يحسب لدولة الإمارات أنها نجحت، مطلع 2024، في الخروج من "القائمة الرمادية" التي دخلتها عام 2022.
والقائمة الرمادية تضم الدول التي تحتاج إلى تحسين أنظمتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتُراقب هذه الدول منظمة "فاتف" (FATF)، المعنية بسن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، ما قد يعيق تقدمها الاقتصادي حتى تعالج أوجه القصور في أنظمتها المالية.
وخلال العامين الماضيين اتخذت الإمارات خطوات متقدمة لتعزيز منظومتها في مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، مستندة إلى استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني وضمان نزاهة النظام المالي.
وتعدّ اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة، الفاعل الكبير في درء مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وتتلخص مهامها بـ:
وضع وتطوير استراتيجية وطنية لمكافحة الجريمة، واقتراح الأنظمة والإجراءات والسياسات ذات الصلة بالتنسيق مع السلطات المختصة، ومتابعة تنفيذها.
تحديد وتقييم مخاطر الجريمة على المستوى الوطني.
التنسيق مع السلطات المعنية والرجوع إلى مصادر المعلومات في الجهات الدولية ذات الصلة لتحديد الدول عالية المخاطر والدول التي تعاني من أوجه ضعف في أنظمة مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
تحديد التدابير المضادة اللازم اتخاذها وغيرها من التدابير الأخرى بما يتناسب مع درجة المخاطر.
توجيه السلطات الرقابية للتحقق من الامتثال لإجراءات العناية الواجبة من قبل المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة ومزودي خدمات الأصول الافتراضية والمنظمات غير الهادفة للربح الخاضعة لإشرافها بتطبيق تلك التدابير.
تسهيل تبادل المعلومات، والتنسيق بين مختلف الجهات الممثلة فيها.
جمع وتحليل الإحصائيات والمعلومات الأخرى المقدّمة من قبل السلطات المختصة لتقييم فاعلية أنظمتها لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
تعزيز نظافة النظام المالي
د. محمد موسى، أستاذ الاقتصاد السياسي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أكد أن شراكة الإمارات وإيطاليا لها أهمية كبيرة، وتعود بالنفع لا على البلدين فقط، بل على المنطقة الخليجية وأوروبا.
ويعلل سبب هذه الأهمية بـ"انتشار الاحتيال وغسل الأموال والرشوة والفساد والإرهاب، بالإضافة إلى الجرائم المالية الإلكترونية التي باتت تشكل عبئاً أساسياً على كل الحكومة".
واختيار الإمارات إيطاليا لعقد هذه الشراكة يعود للخبرة الكبيرة التي تكتنزها روما في هذا الخصوص، حيث "لها باع طويل مع المافيات ومكافحة الجريمة بكل أشكالها"، وفق موسى.
والإمارات تعدّ من الدول ذات الاهتمام بالتعاون الدولي؛ لما تمثل من مركز استقطاب مالي، بحسب موسى، الذي يرى أن ذلك ما يجعل هذه الشراكة "تمثل بوابة أساسية لبلورة صورة جديدة للإمارات".
ويرى أنه من خلال الاتفاقية ستعزز الإمارات قدرتها على ضبط الأسواق المالية داخل الدولة، لا سيما أنها من الأسواق الكبرى الآخذة في النمو والتطور، لافتاً إلى أن إيطاليا ليست فقط هي وحدها في هذه الشراكة بل من خلفها كل دول الاتحاد الأوروبي.
ويؤكد موسى أن هذه الاتفاقية "تعزز نظافة النظام المالي الذي يشكل تحدياً لكل دول العالم، لا سيما الدول ذات الصيت المالي الجيد، ونسب الاستثمار العالية، وهي في حالة التطور والنمو، مثل الإمارات".
وبناء عليه تعمل الاتفاقية على "تعزيز نوعية المال الموجود، وتكافح غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والرشوة والفساد، كذلك عبر هذه الاتفاقيات يتعزز في الداخل السياسات والإجراءات والأنظمة التي تتكامل مع المعايير الدولية".
من هنا، تكون هذه الاتفاقيات مدخلاً أساسياً لتشديد الامتثال للقوانين الدولية، بحسب ما يقول موسى، حيث ستعمل على تعزيز الأطر في ضبط انتقال رؤوس الأموال؛ في زمن العالم الرقمي الحساس جداً، على حدّ قوله.
من جانب آخر تعزز الاتفاقية العمل مع المنظمات الدولية مثل منظمة "فاتف"، ولا ننسى هنا أننا نتحدث عن غسل أموال باتت تشكل رقماً مهولاً على مستوى العالم، يبلغ 750 مليار دولار من حجم الاقتصاد العالمي.