علاقات » اوروبي

عُمان وإسبانيا.. مساعٍ متزايدة لشراكة استراتيجية وعلاقات تجارية متينة

في 2025/05/29

طه العاني - الخليج أونلاين

تسعى سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا إلى ترسيخ شراكة استراتيجية تتجاوز الإطار التقليدي للعلاقات الدبلوماسية، من خلال تعاون متصاعد في مجالي السياسة والاقتصاد.

وفي إطار ذلك يعتزم السلطان هيثم بن طارق زيارة اسبانيا خلال الأيام القادمة بهدف تعزيز الشراكة بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاستراتيجي في مختلف القطاعات.

ورغم امتداد العلاقات الدبلوماسية لأكثر من 50 عاماً، إلا أن التركيز في المرحلة الراهنة ينصب على تعظيم المصالح المتبادلة من خلال استثمارات نوعية وتفاهمات سياسية متقدمة، تستند إلى رؤية منفتحة على العالم وتطلعات مشتركة نحو مستقبل أكثر تكاملاً واستقراراً.

زيارة سلطانية مرتقبة

تحظى العلاقات الدبلوماسية بين السلطنة وإسبانيا أهمية خاصة لما تشهده من تنسيق متزايد على المستويين الثنائي والدولي.

وسبق الزيارة المرتقبة سلسلة من اللقاءات والاتصالات بين زعيمي البلدين، كان أبرزها الاتصال الهاتفي في أكتوبر 2024، الذي تناول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وتندرج هذه الزيارة ضمن سياسة سلطنة عُمان الرامية إلى توسيع شراكاتها الخارجية وتعزيز دورها في إرساء الأمن والاستقرار الدوليين، كما تعكس اهتمام البلدين بالانتقال بالعلاقات إلى مستويات أكثر شمولاً، خصوصاً في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

وأكدت التصريحات الرسمية المتبادلة على الطابع الاستراتيجي للعلاقة، حيث أشار سفير السلطنة في مدريد، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، في 18 مايو الجاري، إلى أن الزيارة تمثل دفعة قوية نحو تعميق الشراكة وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف القطاعات.

مستقبل واعد

ويؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي، بأن علاقات البلدين تاريخية، بدأت دبلوماسياً بشكل رسمي في سبعينيات القرن الماضي، وكانت السلطنة من أوائل الدول التي أقامت إسبانيا علاقات دبلوماسية معها.

ويبين في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن التواصل التاريخي بين البلدين حاضر بقوة، والحضور العماني في الأندلس يمتد منذ القرون الإسلامية الأولى، حيث توفي العالم العماني ابن الذهبي الأزدي الصحاري، صاحب كتاب "الماء" وأحد علماء الطب والفيزياء، في بلنسية بالقرن الخامس الهجري.

وأضاف الهادي أن السلطنة بقيادة السلطان هيثم بن طارق، تتجه اليوم نحو تفعيل وتعزيز التواصل الاقتصادي والدبلوماسي لتحقيق الازدهار والانتفاع للبلدين.

كما يشير إلى وجود اتفاقيات وصندوق تعاون مشترك بين الصندوقين السياديين منذ عام 2018، بالإضافة إلى علاقات قوية على مستوى وزارة التجارة وغرفة تجارة وصناعة عمان ورجال الأعمال العمانيين.

وذكر الهادي أن حجم التبادل التجاري بين الطرفين يصل إلى أرقام جيدة، مؤكداً وجود علاقات في الجوانب السياحية والعلمية والطاقة، بالإضافة إلى استيراد السلع المختلفة.

ويرى أن زيارة السلطان هيثم المرتقبة إلى إسبانيا لها صدى وفعالية كبيرين، ومتوقعاً أن تُثمر عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تعمق العلاقات والصداقة بين البلدين.

ويشدد الهادي على وجود توافق كبير بين عمان وإسبانيا في القضايا السياسية، لاسيما موقف البلدين من قضية غزة، مؤكداً على سعي السلطنة، ممثلة في الحكومة والدبلوماسيين ووزارة الخارجية، دائماً لرفع الحصار والعدوان عن غزة.

ولفت إلى أن "الدور الإسباني الكبير في هذه القضية قد شجع السلطان هيثم على القيام بهذه الزيارة"، مؤكداً أن هناك جهداً كبيراً من الحكومة والشعب الإسباني لوقف العدوان الغاشم على غزة.

شراكة اقتصادية واعدة

تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطوراً ملموساً، مدفوعاً برغبة مشتركة في توسيع آفاق الاستثمار والتجارة.

وقد أسهم تأسيس "الصندوق العُماني الإسباني المشترك" (SOPEF) عام 2018 في إرساء نموذج عملي للتعاون، وهو صندوق استثماري مشترك بين جهاز الاستثمار العُماني وشركة "كوفيديس" الإسبانية، بلغت قيمته حتى عام 2023 نحو 133 مليون ريال عُماني (345 مليون دولار).

واستثمر الصندوق في 11 شركة إسبانية تنشط في قطاعات متنوعة، من بينها الصناعات الغذائية والطاقة المتجددة والتقنية والرعاية الصحية والصناعة.

ووفق ما نقلته وكالة الأنباء العُمانية عن سفير السلطنة لدى إسبانيا، فإن عُمان أصبحت ثالث أكبر وجهة للاستثمارات الإسبانية في مجلس التعاون الخليجي، بإجمالي يقارب 37 مليون ريال (96 مليون دولار).

وتتركز هذه الاستثمارات في مجالات السياحة، والهندسة المدنية، والصناعات الكيميائية والمعدنية، وإدارة المياه، والأنشطة التجارية.

ويعكس حجم التبادل التجاري بين البلدين تنامي هذه الشراكة، حيث بلغ حتى نهاية عام 2024 ما يقارب 94 مليون ريال (244 مليون دولار)، منها 60.4 مليون ريال (157 مليون دولار) واردات عُمانية من إسبانيا، و33.8 مليون ريال (87 مليون دولار) صادرات.

وتشمل الواردات منتجات صناعية كالسفن والطائرات والسيارات، إلى جانب منتجات معدنية وكيميائية، بينما تتضمن الصادرات الألمنيوم والبلاستيك والمنتجات الكيميائية العضوية والأسماك المجمدة.

وتعمل أكثر من 30 شركة إسبانية حالياً على تنفيذ مشاريع استراتيجية في سلطنة عُمان، من أبرز هذه الشركات "أكواليا" التي تدير مرافق المياه في ميناء صحار، و"اليكنور" التي تنفذ مشروعات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، و"تيكنيكاس ريونيداس" المشاركة في مشروع مصفاة الدقم.

وفي إطار تعزيز الحوار الاقتصادي، نُظم منتدى الأعمال الأول بين البلدين في أكتوبر 2024 بمدريد وبرشلونة، بالتعاون مع الغرف التجارية، لتوفير منصة تواصل فعالة بين القطاعين العام والخاص.

وأكد السفير الإسباني بمسقط في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، أن التعاون بين البلدين يتوسع ليشمل مجالات الطاقة النظيفة، والفضاء، والدفاع، والطيران المدني، والخدمات اللوجستية، مشيراً إلى إدراك الشركات الإسبانية لأهمية الحضور في سوق السلطنة.

أما في القطاع السياحي، فتسعى عُمان إلى تعزيز حضورها في السوق الإسباني عبر معارض دولية مثل "فيتور"، حيث حاز جناحها مؤخراً على جائزة أفضل تصميم مبتكر، كما شهد المعرض فعالية ثقافية للسلطنة حضرها أكثر من 300 ضيف، في خطوة تعكس توجهها للترويج لهويتها الثقافية والسياحية عالمياً.