( أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تناول البيان الختامي لمجلس التعاون الخليجي، في قمته التي انعقدت في الكويت، الملف السوري، ولكن البيان في ما يبدو تجاهل الأحداث الخطيرة في حلب، وبدا بيانًا تقليديًا يكرّر العبارات السابقة ذاتها لهذه المستجدات الكارثية.
لقد أكد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على المواقف الثابتة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها. وشدد البيان الختامي، والصادر عن الدورة 45 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، على دعم مجلس التعاون لدول الخليج العربية لجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي في سوريا بما ينسجم وقرار مجلس الأمن الرقم 2254، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ودعم جهود المبعوث الأممي الخاص بسوريا.
في ها الصدد؛ لا بدّ من ذكر ملاحظتين رئيسيتين:
الأولى: لم ترد إشارة صريحة عن المستجدات وإدانة تحرك ميليشيات خارجة عن سيادة الدولة السورية واحتلالها لحلب، مع أن بيانات المجلس دائمة الإشارة إلى الحركات المسلحة وإلى حصر السلاح بيد الدول.
الثاني: الإصرار على الإشارة للقرار 2254، وهو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، ويطلب من الأمم المتحدة جمع الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية، والذي نص على استثناء مجموعات تعد "إرهابية"، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
من المعلوم أن "هيئة تحرير الشام" التي تقود العدوان حاليًا هي جبهة النصرة، وهي جزء من تنظيم القاعدة ولم تغير إلا اسمها للتحايل على قرار مجلس الأمن. وهنا؛ تجاهل مجلس التعاون الخليجي خطر تنظيم القاعدة وتجاهل أن نجاحه في إسقاط سوريا أو تمكّنه من تقسيمها والسيطرة على أجزاء منها هو تهديد صريح للأمن القومي الخليجي لسببين رئيسيين:
ا- سبب عام، يتعلق بانتقال تأثير انقلابات التنظيمات أو الاستيلاء المسلح بالقوة، وهذا ما يفتح شهية الخلايا النائمة في البدان الأخرى، وهو تأثير معلوم ومسلم به في العلوم السياسية.
2- سبب خاص، يتعلق بوجود تهديدات وخلايا نائمة في دول الخليج بالفعل، وهذا ما حذرت منه مرارًا مراكز أبحاث سياسية واستراتيجية مختلفة المشارب والتوجهات.
هذا؛ وقد رصد تقرير حديث من معهد واشنطن، وهو من أكبر المراكز الأمريكية للدراسات، أن فروع "القاعدة" في الصومال ومالي حققت مكاسب محلية عديدة في السنوات الأخيرة، بينما يحاول تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" إعادة بناء قوته تحت قيادة سعد العولقي، والذي أعلن عنه زعيمًا جديدًا للتنظيم في شهر أذار/مارس.
من بين التغييرات الأخرى التي شهدتها المدة القصيرة لقيادة العولقي، أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قد تعلم كيفية تسليح الطائرات من دون طيار الرباعية المراوح بالقنابل اليدوية، وهو تكتيك سبق أن استخدمه تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا. كما رصد التقرير أن الرسائل الأخيرة لتنظيم "القاعدة" تشير إلى خطة أطول أمدًا، وهي إرسال أعداد متزايدة من المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان تحت الحكم المتعاطف لـ "طالبان"، ثم إعادتهم إلى بلدانهم بمهارات إرهابية جديدة.
كما أن تنظيم مثل "داعش" ما يزال موجودًا، ويمكن تنشيطه إذا نجحت الأحداث في سوريا في إسقاط النظام، وهذا التنظيم يشكّل خطرًا على دول الخليج؛ ففي يوليو/تموز الماضي، ظهر شبح تنظيم داعش الإرهابي من جديد، مخيمًا بظلاله على منطقة الخليج العربي، وذلك بعد هجومه على مسجد في العاصمة العمانية مسقط، والذي راح ضحيته عدد من المصلين الأبرياء.
وقتها؛ علقت التقارير بأن "داعش" وجد في بعض دول الخليج أرضًا خصبة لنموه وانتشاره، فالتوترات السياسية والطائفية والاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والشعور الشباب بالتهميش، كلها عوامل أسهمت في جذبهم إلى أفكاره المتطرفة.
لكن؛ ربما الأنسب لمجلس التعاون الخليجي أن يدعم الدولة السورية وجيشها في القضاء على هذه التنظيمات، وأن يحوّل موقفه الحريص على وحدة سوريا وسيادتها إلى إجراءات عملية ومساعدات حقيقية لمكافحة الإرهاب، وخاصة وأن مكافحة الإرهاب موقف خليجي معلن تنص عليه جميع بيانات القمم الخليجية.