علاقات » عربي

ما أبعاد إغلاق السلطة الفلسطينية لمكتب قناة الجزيرة؟

في 2025/01/03

متابعات

بعد حملة تحريض كبيرة من قبل الناطقين باسم الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ومهاجمة قيادات حركة "فتح" لها، أغلقت السلطة مكتب قناة "الجزيرة" في الضفة الغربية.

جاء إغلاق مكتب "الجزيرة" في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، وتنفيذ أجهزة الأمن الفلسطينية حملة عسكرية ضد المقاومين في مخيم جنين شمال الضفة الغريبة، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة.

وأرجعت السلطة الفلسطينية قرارها إلى مخالفة قناة الجزيرة لـ"القوانين والأنظمة المعمول بها"، موضحة أنه إجراء مؤقت "إلى حين تصويب وضعها القانوني".

رفضت القرار

شبكة "الجزيرة" الإعلامية نددت بقرار السلطة الفلسطينية، واعتبرته خطوة متماهية مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد طواقمها، ومتناغماً مع قرار الحكومة الإسرائيلية إغلاق مكتبها في رام الله.

واستغربت الشبكة في بيان لها، (الأربعاء 1 يناير الجاري)، هذه الخطوة التي تأتي وسط الحرب على غزة واستهداف الاحتلال وقتله للصحفيين الفلسطينيين.

الشبكة طالبت أيضاً بإلغاء القرار فوراً والسماح لفرقها بالتغطية الحرة في الضفة من دون ترهيب، مشيرة إلى أن قرار السلطة لن يوقف التزام الشبكة بمواصلة تغطية الأحداث والتطورات في الضفة الغربية بكل مهنية.

وسبق أن أغلقت سلطات الاحتلال مكتب "الجزيرة" في رام الله بالضفة الغربية، في سبتمبر الماضي، بموجب أمر عسكري، قامت على إثره بمصادرة جميع الأجهزة والوثائق في المكتب ومنعت العاملين فيه من استخدام سياراتهم.

كما أتى ذلك أيضاً بعد أن صادقت الحكومة الإسرائيلية، في مايو الماضي، على اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الاتصالات شلومو كرعي، بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة في "إسرائيل"، ليدخل القرار حيز التنفيذ بشكل فوري بتوقيع وزير الاتصالات، بموجب ما أطلق عليه "قانون الجزيرة".

اعتداء سافر

مدير منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، محمد ياسين، اعتبر قرار السلطة بإغلاق قناة الجزيرة "محاولة مفضوحة" للتأثير على التغطية المهنية المشهودة للقناة وطواقمها للأحداث، لا سيما العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقال ياسين، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "جاء القرار انسجاماً مع قرار إسرائيلي سابق بإغلاق مكتب القناة في رام الله ليؤكد أن هذا القرار المؤسف ينذر بخطورة بالغة على عمل الصحفيين في الضفة الغربية ويُهدد بشكل صارخ حرية الصحافة".

كما أوضح أن "القرار يتنكر لدماء مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي قضت برصاص الاحتلال في الضفة الغربية، ورفاقها سامر أبو دقة وحمزة الدحدوح وأحمد اللوح، الذين قضوا بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".

وأشار إلى أن "القرار يعتبر مسّاً بحرية الرأي والتعبير وحق الجمهور في الوصول للمعلومات من خلال صحافة حرة، وتعدياً صارخاً على الحريات الإعلامية".

أما الخبير القانوني، عصام عابدين، فقد اعتبر أن إغلاق مكتب "الجزيرة" يشكل انتهاكاً لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين؛ لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التعبير والحريات الإعلامية.

وقال عابدين، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "يتعارض القرار بشكل واضح مع التعليق العام رقم (34) الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي تتابع مدى امتثال الدول لأحكام هذا العهد الدولي واستحقاقاته".

كما أضاف في هذا الصدد: "القرار يعكس انزلاق الحكومة الفلسطينية التدريجي نحو نفق مظلم، خاصة أن الحريات الإعلامية تمثل العمود الفقري لحرية التعبير والمقياس الحقيقي للأداء الديمقراطي وحال الحقوق والحريات العامة".

ووصف القرار بأنه اعتداء سافر على الدستور الفلسطيني، الذي ينص بوضوح على أنه: "تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي".

كما يشير إلى أن "انتهاك الحقوق الدستورية المتعلقة بالحريات الإعلامية، وحرية التعبير، وضمانات المحاكمة العادلة، وسيادة القانون، يعني أن ما يحصل هي جرائم دستورية".

ويوضح في هذا الصدد أن "القانون ينص على أن كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر".

ويشدد على أن "الحقوق والحريات ليست مجرد كلمات تزيد الدساتير، بل هي روح العدالة وركيزة الكرامة الإنسانية، وتكميم الأفواه وقمع الحريات يفقد المجتمع ضوءه الأخلاقي، ويغرقه في ظلام الانتهاكات".