علاقات » عربي

سوريا الجديدة تعوّل على الخليج.. شراكة استراتيجية للإعمار والاستقرار

في 2025/01/08

كمال السلامي - الخليج أونلاين

اختارت الحكومة السورية الانتقالية منطقة الخليج العربي لتكون وجهتها الخارجية الأولى، ما يعكس حجم التعويل الذي تبديه دمشق على دول الخليج في المرحلة المقبلة، خصوصاً في مجال الاقتصاد وإعادة الإعمار.

دول الخليج كانت حاضرة كثيراً في خطاب قادة الإدارة السورية الحالية، من خلال تأكيدات وتطمينات بأن سوريا الجديدة لا يمكن أن تشكل أي تهديد لدول المنطقة، فضلاً عن تأكيد جوهرية الدور الخليجي في استعادة سوريا عافيتها مستقبلاً.

ومن الواضح أن دمشق تدرك جيداً أن دول الخليج هي مصدر الأمل لإخراج سوريا من عنق الزجاجة، وهذا ما بدأت مؤشراته تلوح في الأفق، فوفود الخليج والمساعدات بدأت تتقاطر على دمشق بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وتأتي زيارة وفد سوريا الجديدة، المكوّن من وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب، لتؤكد رؤية دمشق لطبيعة العلاقة التي يجب أن تنبني مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وجهة أولى

كانت الرياض أول محطة خارجية لوفد الحكومة السورية الجديدة بعد أيام من تشكيلها، إذ وصل وزير الخارجية السوري برفقته وزير الدفاع، ورئيس الاستخبارات العامة، إلى السعودية يوم 2 يناير الجاري، استجابة لدعوة رسمية من وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان.

وفي الرياض التقى الوفد السوري بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، في حين عقد وزير الدفاع السوري لقاء مع رئيس هيئة الأركان العامة السعودي الفريق فياض الرويلي.

بعد الرياض كانت الدوحة المحطة التالية، حيث أجرى الوفد السوري، يوم الأحد 5 يناير، مباحثات مع الجانب القطري حول العلاقات الثنائية، والقضايا الاستراتيجية، وخصوصاً العقوبات الاقتصادية، وسط تأكيدات قطرية بأن الدوحة ستقدم كل الدعم اللازم للشعب السوري.

وكانت المحطة الثالثة اليوم الاثنين، 6 يناير، إلى أبوظبي، حيث بحث الوفد السوري مع وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان العلاقات الثنائية، والمستجدات على الساحة السورية، والتطورات الإقليمية الراهنة.

وخلال اللقاء أكد الوزير الإماراتي موقف بلاده الثابت في دعم استقلال سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، ودعم كافة الجهود الإقليمية والأممية التي تقود إلى تحقيق تطلعاته في الأمن والسلام والاستقرار والحياة الكريمة".

وتعليقاً على جولة الوفد السوري قال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، في تدوينة على منصة "إكس"، إن بوصلة سوريا الجديدة تشير جنوباً نحو دول الخليج العربي، خاصة السعودية وقطر والإمارات.

ورد على أحد متابعيه قائلاً: "لتركيا نفوذ مهم في سوريا، لكن لن تستطيع الاستفراد بسوريا، وأول زيارة خارجية لوفد سياسي وعسكري وأمني سوري رفيع المستوى إلى السعودية وقطر والإمارات، وليس إلى أي دولة أخرى، تأكيد بأن بوصلة سوريا الجديدة تتجه جنوباً نحو دول الخليج العربي".

تطلعات سوريا

تسعى الحكومة السورية الوليدة في دمشق للحصول على الدعم اللازم من دول مجلس التعاون لإعادة بناء بلادها، وإنقاذ اقتصادها، والمساهمة في إعادة إعمار ما خلفته سنين الحرب وآلة القتل التابعة لنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

كما تسعى الحكومة السورية الحالية لأن تمارس دول الخليج الضغط اللازم على المؤسسات الدولية لرفع العقوبات عن سوريا، وبما يسمح بإعادة بناء الاقتصاد وتسهيل جهود إعادة الإعمار.

ولا تخفي الإدارة السورية رغبتها في جذب رأس المال الخليجي للاستثمار في سوريا، في الوقت الذي تنتعش فيه الآمال حول إمكانية استئناف مشروع الممر الاستراتيجي لنقل الطاقة من منطقة الشرق الأوسط إلى الاتحاد الأوروبي عبر سوريا.

كما لم تخفِ دمشق منذ اليوم الأول تأكيدها أنها تسعى لأن تنأى بنفسها عن سياسة المحاور والاستقطابات التي كانت سائدة في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، وإعادة سوريا إلى محيطها وحاضنتها العربية.

ولمرافقة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب، لوزير الخارجية السوري إلى الرياض والدوحة وأبوظبي دلالة مهمة تتعلق بالجوانب الأمنية ذات الحساسية الكبرى بالنسبة إلى دول الخليج.

وفي تصريح للوزير الشيباني عقب زيارته إلى الرياض، قال إن الوفد عبّر للجانب السعودي عن الدور المهم لسوريا في المنطقة، من خلال نسج سياسات مشتركة تدعم الأمن والاستقرار وتحقق الازدهار إلى جانب الدول العربية.

الرياض كبوابة عبور

الخبير الاستراتيجي السعودي اللواء الطيار المتقاعد عبد الله القحطاني يرى أنه من الطبيعي أن تكون الوجهة الأولى لوفد سوريا الجديدة إلى السعودية ومن ثم دول مجلس التعاون.

وأضاف اللواء القحطاني في تصريح لـ"الخليج أونلاين" أن المملكة تقود حالياً العمل العربي بشكل مختلف، ولديها مشروع وطني وإقليمي ودولي للنهوض والتطوير، ولها مكانتها وتأثيرها المهم.

وأشار إلى أن دول الخليج تشكل قوة اقتصادية وسياسية ولها تأثير كبير جداً، والأهم من هذا كله أن لدى هذه الدولة استقراراً عاماً على المستوى الاجتماعي والأمني والنفسي، مؤكداً أن هذه الدول هي بمنزلة واحة للاستقرار، وتستطيع أن تقدم المساعدة لغيرها.

وقال إن قدوم وفد سوريا الجديدة إلى الرياض يدل على أن دمشق تعوّل كثيراً على دور الرياض.

وأضاف: "سوريا تعي أن الرياض محطة عبورها إلى جميع دول العالم، وإذا لم يكن لها علاقات جيدة مع المملكة فمن الصعب أن يكون هناك تواصل من دمشق إلى بقية دول العالم".

دول قادرة على العطاء

ويذهب الخبير العسكري السعودي إلى تأكيد أن دول الخليج هي كل ما تحتاج إليه سوريا الجديدة في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن هذه الدول بعيدة عن النزاعات وعن التجاذبات وعن التدخل في شؤون الآخرين.

ونوّه بأن بقية الدول العربية لديها ظروف، وخصوصاً جيران سوريا، مبيناً أن العراق لا يزال تحت التأثير الإيراني المباشر عبر الطوائف والمليشيات، وكذلك الأردن لديه ظروفه الاقتصادية، وهو أيضاً بحاجة إلى من يقف معه، ولبنان ليس لديه ما يقدمه، بل هو جزء من المشكلة في الشام.

ويرى الخبير السعودي أن دمشق بحاجة حالياً لضمانات ومساعدة لحفظ الأمن والاستقرار، لافتاً إلى أن دول الخليج مستقرة وآمنة، وسبق أن نجحت في تخطي العلاقة الشائكة مع نظام الأسد، واستطاعت أن تصد الهجمات الإرهابية على مستوى المخدرات والمليشيات.