علاقات » عربي

هل تنجح الخطة السعودية الجديدة في لبنان؟

في 2025/01/16

زاهية ناصر - البيت الخليجي للدراسات

أنهى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، أزمة الشغور الرئاسي بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية استمرت عامين وثلاثة أشهر، بعد سلسلة أزمات سياسية واقتصادية وأمنية كان آخرها حرب طاحنة مع إسرائيل.

لم يكن أي من المكونات أو الأحزاب الداخلية بطل إنهاء هذا الشغور، بل جاء بعد رسائل حاسمة وواضحة تبلغها المسؤولون اللبنانيون من جانب مختلف الموفدين الدوليين والدبلوماسيين، السعوديين والأميركيين والفرنسيين، الذين حضروا إلى بيروت قبل ساعات من جلسة انتخاب رئيس للجمهورية؛ أبرزهم الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان الذي زار بيروت عدة مرات، في الوقت الذي كان فيه الموفد الفرنسي جان إيف لودريان يلتقي بمختلف القوى السياسية لإقناعهم بضرورة دعم جوزاف عون. تلقف الأفرقاء اللبنانيون رسائل الخارج، وعلى رأسهم الثنائي الشيعي الذي عقد عدة لقاءات ومشاورات مع الموفدين السعودي والفرنسي.

هذه المشاورات والتي بقيت حتى يوم الانتخاب، والتي أفضت بمنح الثنائي الشيعي أصواته لصالح عون ليحصل بذلك على 99 صوتا في الجلسة الثانية بعد فشل الجلسة الأولى بنيله 71 صوتا لتنصيبه رئيسًا.

تشير الأوساط السياسية اللبنانية انه من المرجح أن رسالة الخارج للثنائي كانت بمثابة وعود وضمانات تمسك الثنائي بالحصول عليها تتصل برئاسة الحكومة، وآلية تشكيلها، بوزارة المالية وتثبيت اتفاق وقف النار وإعادة الإعمار.

رغم ذلك، وفي خطاب قسمه، تعهد الرئيس المنتخب جوزاف عون للبنانيين أن تبدأ “مرحلة جديدة من تاريخ لبنان” مشدداً على”حق الدولة في احتكار حمل السلاح”. وأن يكون الجميع أمام “دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً” متعهدًا بمنع التهريب ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية.

التساؤل المطروح اليوم هو عن نوعية الضمانات التي حصل عليها الثنائي الشيعي مقابل ما قاله رئيس الجمهورية عن “احتكار السلاح”. كيف يمكن المواءمة بين هذه الضمانات التي قدمتها السعودية للثنائي الشيعي مع تعهد الرئيس جوزاف عون بتنفيذ خطاب قسمه بحذافيره عن احتكار السلاح وعن تعهده بضمان أن يكون الجنوب حراً بوجه العدو الإسرائيلي، وهنا يبدو أن المهمة التي كان ينتهجها الرئيس “المنقذ” سيستكملها من حيث بسط نفوذ الجيش في مواجهة تل أبيب وتطبيق القرارات الدولية.

كما يبقى السؤال الأهم، هل سيحصل الرئيس الجديد على الدعم الذي ناله إبان وصولوه الى سكة الرئاسة خلال تنفيذه وعوده التي قسم بها أمام اللبنانيين؟

رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يتأخر كثيرًا ليؤكد ويجاهر صراحة منذ أولى لحظات انتخاب عون على أن عهد عون “مرحلة تنفيذ القرارات الدولية”، خصوصًا أنه جاء بدعم الرياض التي اعادت إحياء دورها في لبنان من بوابة الرئيس وبتوافق أميركي – فرنسي.

يترقب اللبنانيون الزيارات واللقاءات العربية والأجنبية بعد انتخاب الرئيس الجديد. وفي اليوم الثاني لتوليه الرئاسة تلقى عون اتصالا من ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أعرب له فيه عن تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بإنتخابه رئيسا للجمهورية موجهًا الدعوة للرئيس عون لزيارة المملكة، من جانبه، أكد الرئيس جوزاف عون أنّ السعودية ستكون أول مقصد له في زياراته الخارجية. كما تلقى عون اتصالاً هاتفياً من رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، هنّأه فيه على انتخابه، وابلغه أنّه وبعد انتهاء الاستحقاق الرئاسي، فإن الامارات  قد قررت إعادة فتح سفارتها في بيروت.

تقول المعطيات إنّ ما أعلنه عون في خطاب القسم يندرج في سياق برنامج يحظى بغطاء عربي ودولي، وبالتالي، فإنّ أبرز العناوين التي جاء على ذكرها الرئيس المنتخب في خطاب القسم قد تكون قابلة للتنفيذ. لكن في المقابل، سيكون هناك معارضون لعون في الداخل، أبرزهم هو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي وقف في وجه الإجماع ورفض التصويت لعون، من المتوقع أن يسعى باسيل وفريقه وكل من عارض قدوم عون إلى سدة الرئاسة، إلى تعطيل عهده بشكل أو بآخر، في أحسن تقدير فإنهم لن يكونوا متعاونين معه.

لا تقتصر عوائق ومصدات الإصلاح السياسي والقضائي أمام برنامج وتعهدات الرئيس جوزاف عون على ثنائية “المقاومة” و”السلاح” وجدلية البيان الوزراي المرتقب الذي جرت العادة على أن ينص على ثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”، بل تمتد إلى غالبية النخب والأحزاب السياسية وبيوت الطوائف والمكونات المجتمعية في لبنان.

يتمثل العائق الثالث في مدى قدرة نواف سلام رئيس الوزراء الجديد على تشكيل حكومة إنقاذ متحررة من القيود السياسية والكتل النيابية، فهل يضمن عون هذا الأمر، وهل يمكن للسعودية أن تستكمل هذا المشروع أم أنّ تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية كالمالية والطاقة سيصطدم بجدار الانقسام العامودي بين الفرقاء اللبنانيين، خصوصاً أنّ لبنان اليوم ورغم الإتفاق يعيش داخله مرحلة كسر عظم لبعض الأحزاب السياسية التي منيت بخسائر فادحة منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفي مقدمتهم حزب الله والتيار الوطني الحر الذي بدا وكأنه المعارض الوحيد على الساحة السياسية اليوم.

الجدير ذكره بأن باسيل أعاد تعويم نفسه بعد الخسارة التي مني بها بموضوع رئاسة الجمهورية من خلال أصوات كتلته وقام بترجيح الكفة لوصول نواف سلام الى رئاسة الحكومة.

بهذا فإن مجيء القاضي نواف سلام الى سدة رئاسة الحكومة يشكل تحد للثنائي الشيعي الذي كان داعما لتسمية الرئيس نجيب ميقاتي، إذ صرحت كتلة الوفاء والمقاومة بأنه “مرة جديدة يكمن البعض من أجل الإلغاء ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية”.

ورغم أن السعودية والدول التي رعت مجيء جوزاف عون رئيساً دون تسمية اشخاص معينين لرئاسة الحكومة إلا انها تمكنت من استكمال نهج اختيار الرئيس عون بشخصية جديدة تصل للمرة الاولى إلى سدة الحكومة وتتناسب مع خطاب القسم للرئيس الجديد.

من جهة أخرى، المستجدات على الحدود السورية لها مفاعيلها وتأثيراتها على الداخل اللبناني أيضًا، ورغم ما تردده الإدارة السورية الجديدة بانها تسعى لعلاقات متوازنة مع جميع اللبنانيين إلا أن الشكوك لا تزال موجودة، خصوصًا ما يتعلق بحزب الله الذي كان أحد أهم الداعمين للنظام السابق في سوريا.

تحيل مجمل هذه التحديات والعوائق إلى أن مهمة رئيس الجمهورية الجديد، ورئيس الوزراء الجديد أيضَا، لن تكون مفروشة بالورود، وأن رحلة التغيير وإنجاز الدولة الحقيقية والقضاء المستقل والحكومة الفاعلة لا تزال مرهونة بالعديد من العوامل والمؤثرات والفاعلين في الداخل والخارج، كما أن الصلاحيات المحدودة للرئيس الجديد قبالة تركيبة مجلسي الوزراء والنواب تجعل التشكيك في قدرة الرئيس على إنجاز ما تعهد به أمام اللبنانيين، طبيعيًا ومتوقعًا. الفرص أمام العودة السعودية إلى لبنان واعدة لكن يجب أن لا يُستهان بما هو مقبل من تحديات.