علاقات » عربي

أين تقف دول الخليج في تقاطع الكارتيلات الدولية المفترسة في ليبيا؟

في 2025/01/20

وجدان بوعبدالله - البيت الخليجي للدراسات

كان سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر 2024، حدثاً سُمع صداه جلياً لا في الجوار السوري فحسب بل إلى ما هو أبعد من ذلك، في ليبيا تحديداً، في طرابلس كما في بنغازي. سقوط قد يجر سقوطًا آخر وينذر باحتدام التنافس الدولي على البلد الثري ذي الموقع الاستراتيجي اللافت وبحتمية عودة الزخم الثوري لا سيما بعد خروج مظاهرات ضد رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بعد الكشف عن تطبيعه السري مع إسرائيل.

في 19 ديسمبر 2024 حذر الدبيبة من أن تتحول ليبيا إلى ساحة تتقاطع فيها “مصالح الدول الكبيرة والصغيرة” بعد التقارير التي تقول بنقل القواعد الروسية من سوريا إلى ليبيا، لم يتوقع الرجل، يومذاك، أن أزمة تنتظره بشكل مباشر وأنها قد تنهيه، سببها إسرائيل لا روسيا. من جهة أخرى، يؤثر الواقع السوري الجديد وبشكل مباشر على المشير خليفة حفتر الذي يرتبط بصلات مباشرة بنظام بشار الأسد وشقيقه ماهر، سقوط النظام قد يحتم على حفتر التعامل مع فلوله.

مصالح الصغير والكبير

بالعودة إلى كلام الدبيبة وحجم المطامع، ليبيا بالفعل ساحة لتقاطع المصالح المتناقضة من الصغير إلى الكبير. البلد الذي اختار تحت حكم القذافي رفض فكرة الدولة ومؤسساتها، بقى وفيا للولاءات القبلية منقسما بين ثلاثة أقاليم: طرابلس وبرقة وفزان تتصارع اليوم في ما بينها على الثروات والسلطة.

لم تتوقف الأحداث عن التسارع في ليبيا منذ لحظة سقوط نظام العقيد معمر القذافي في العام 2011، لقد تحول البلد النفطي من رقعة يخطط فيها زعيمها للانقلابات في العمق الأفريقي وعند الجيران وفي الخليج إلى محطة لتصفية الحسابات الدولية تتقاطع فيها نفوذ قوى متضادة شرقية وغربية.

كان للولايات المتحدة وقطر والسعودية وتركيا وفرنسا وإيطاليا دور مهم في إسقاط القذافي بمساعدة قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو). أتت تلك الدول إلى ليبيا ولم تغادر بل احتدت المنافسة بينها وتحولت من منافسة أوروبية أمريكية إلى منافسة خليجية تركية روسية بالأساس.

ليبيا صرة العالم النفطية

تمتلك ليبيا احتياطياً مهولا من النفط يقدر بـ 48 مليار برميل ومخزوناً هاماً من النفط الصخري يعد الخامس في العالم ويعتبر مخزونها من الغاز الثاني في أفريقيا بعد الجزائر. تمتد سواحلها على 1900 كيلومتر وتعد همزة وصل المشرق العربي بالمغربي العربي وبوابة مهمة إلى القرن الأفريقي.

كان القذافي “سخيا” في تمويل الانقلابيين في كل مكان مستخدما مدخرات البلاد لكن وبعد نحو 14 سنة على مقتله، تتبادل السلطتان في طرابلس وبنغازي الاتهامات بتبديد الثروات والسماح لجهات أجنبية بالتدخل. وأمام تقاطع طرق المتدخلين الأجانب، لم يستطع أي مبعوث أممي الصمود في ليبيا، بدءا من اللبناني غسان سلامة الذي استقال في مارس 2020 ثم السلوفاكي جان كوبين (2021) فالسنغالي عبد الله باتيلي الذي استقال في أبريل 2024 بعد 18 شهرا فقط من تعيينه بسبب “غياب أي أفق سياسي” كما قال.

من سوريا إلى ليبيا

بسقوط نظام الأسد بشكل درامي وسريع ومفاجئ، كان لزامًا على اللاعبين في الساحة السورية إعادة التمركز لا في رقعة محترقة بل خارجها وكانت الأرضية جاهزة وفي مكان يعرفونه جيدًا: ليبيا. سارعت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بإرسال وفد إلى دمشق للقاء أحمد الشرع قاطعة الطريق أمام حكومة البرلمان (في بنغازي)، زيارة تأتي متماهية مع الدور التركي الواضح في سوريا بما يدعم نفوذ أنقرة لا فقط في سوريا بل في ليبيا وأفريقيا كذلك.

فهمت حكومة شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد مغزى تلك الزيارة فسارعت بالإعراب عن رفضها جلب مسلحين من سوريا وتدريبهم على أراض ليبية، فيما أعرب رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عن رفضه دخول قوات روسية أو عتاد روسي إلى ليبيا قادما من سوريا، مهددا بمحاربة أي قوى أجنبية تدخل البلاد.

لكن لسوء حظ الدبيبة، انشغل الرأي العام الليبي مطلع يناير 2025 لا بنقل المسلحين بل بحوار أدلت به وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش قالت فيه إن لقاءها بنظيرها الإسرائيلي السابق إيلي كوهين وهو اللقاء الذي أقيلت بسببه، تم بموافقة الدبيبة نفسه بل إن جل مسؤولي حكومة الشبيبة قابلوا الجانب الإسرائيلي. كان التصريح كافيا لإغضاب الحشود لا في غرب ليبيا بل في عقر دار الدبيبة نفسه طرابلس التي خرج متظاهرون ينددون بالتطبيع ومطالبين بمحاسبة الدبيبة.

تبدو كل خطوة في ليبيا وكأنها مشي فوق أرض ملغومة، تحركات محفوفة بالمخاطر والمفاجآت وتصفية الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية.

الملعب الروسي

بعد سقوط القذافي، تحولت ليبيا إلى ساحة تدريب مقاتلين أجانب من عدة أطياف وتنظيمات يتمترس فيها آلاف المرتزقة قدموا من سوريا وروسيا كذلك (شركة فاغنر) ومقاتلون إسلاميون متشددون من دول المغرب العربي (انضموا لاحقا إلى داعش). في يونيو عام 2024، أي قبل 7 أشهر من سقوط الأسد، حطت قطعتان حربيتان روسيتان بميناء طبرق شرق ليبيا وكان ذلك مؤشرًا على نية موسكو إنشاء قاعدة عسكرية جديدة قد تكون الأخطر على الوجود الأمريكي والناتو معا.

تربط موسكو علاقة وطيدة بالمشير حفتر الذي يستفيد من تدريب روسي لطياريه ومن تقارير موسكو الاستخباراتية والدعم اللوجستي والفني. في المقابل يمنح حفتر الروس مدخلا لولوج مقاتلي فاغنر إلى القرن الأفريقي حيث يقطن طالبو الانقلابات المتكررة، مستغلا تراجع الدور الفرنسي في تلك الربوع، لتهريب الذهب والألماس ودعم الانفصاليين.

استشعرت موسكو خطر فقدان موطئ قدم لها في البحر الأبيض المتوسط بفقدان قواعدها في سوريا لذلك ستكون وجهة القواعد الروسية مينائيْ طبرق وبنغازي في ليبيا كونهما تحت سيطرة حليفها حفتر.

قاعدة روسية في طبرق تعني حتما إمكانية وصول الصواريخ الروسية إلى أي هدف في أوروبا ونشر غواصات روسية تهدد سلامة الناتو.

سارعت روسيا بنقل عتادها العسكري من سوريا إلى شرق ليبيا جوا فور سقوط الأسد (يؤكد ذلك تقرير الاستخبارات الأوكرانية الصادر في 12 يناير 2025) بانتظار حصولها على إذن لإدخال سفنها إلى ميناء طرطوس للقيام بإجلاء عناصرها فيما قالت وول ستريت جورنال أواخر ديسمبر إن طائرات شحن روسية نقلت بالفعل معدات دفاع جوي تشمل رادارات الدفاع الجوي إس 400 وإس 300 من سوريا إلى قواعد في ليبيا.

الأطماع التركية القديمة تتجدد

تمثل ليبيا من المنظور القومي التركي الذي يحفزه أردوغان ركيزة أساسية لبناء حلم التفوق التركي وراء البحار وإعادة ألق الامبراطورية العثمانية وهو خطاب يلقى رواجا في الداخل التركي. كانت ليبيا إيالة عثمانية بين القرنين السادس عشر وبداية القرن العشرين إلى حين احتلالها من قبل إيطاليا في العام 1911. فور صعود حزب العدالة والتنمية في العام 2002، الذي مهد لرئاسة أردوغان الحكومة في 2003، استفاد من عقود اقتصادية مهمة منحها القذافي لتركيا لا سيما في البناء والبنية التحتية.

تجددت الأطماع التركية في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، لا بسبب الانتماء الأيديولوجي فحسب (تقارب حزب العدالة والتنمية التركي والإخوان المسلمين) بل كان سقوطه فرصة لتثمين المصالح التركية في الطاقة والغاز وتمكين السطوة التركية العثمانية من التحقق. كان سقوطه مدخلاً لإعادة كتابة تاريخ الاحتلال العثماني وأطماعه بلغ حد تقديمه كمنقذ وموحد لليبيا وراسمًا لحدوده.

في عهد القذافي كانت تركيا تستورد معظم حاجياتها من النفط من ليبيا، وكان لزاما عليها الحصول على مزايا من النظام البديل لكنها وجدت نفسها في حضرة منافسين أساسيين على الساحة الليبية: الإمارات وروسيا.

حظيت تركيا بمزايا مستفيدة من انقسام ليبيا بين حكومة الوحدة الوطنية غربا (طرابلس) وجيش المشير خليفة حفتر شرقا (بنغازي). فمذكرة التفاهم الموقعة بينها وبين حكومة الوفاق سابقا برئاسة فائز السراج (2019) تمنحها أحقية استخدام المجال الجوي والمياه الإقليمية وبناء قواعد عسكرية كذلك.

ومع سقوط الأسد انتبهت أنقرة إلى حتمية إعادة توزيع النفوذ في المنطقة والإسراع بإعادة التمركز بعد تقلص النفوذ الروسي في سوريا والانقضاض على هذا الفراغ. تملك أنقرة مرتزقة سوريين في ليبيا يقدر عددهم بنحو 5000 فيما ترجح مصادر أخرى بأن العدد يناهز 13 ألفًا. استبقت تركيا سقوط الأسد منذ سنوات بنقل مقاتليها من شمال سوريا إلى غرب ليبيا وتكثفت عملية النقل منذ أكتوبر الماضي وفق ما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان.

المنافسة الخليجية

تشتد المنافسة بين قطر والإمارات على بسط النفوذ في ليبيا. في البدء، وجدت الدوحة نفسها تعمل مع أبوظبي جنبًا إلى جنب لإسقاط القذافي. قاد البلدان عمليات دعم الثوار الليبيين ماليًا وعسكريًا وأيدا الحظر الجوي على ليبيا. كان التنسيق بينهما كبيرًا في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي للإسراع بإسقاط العقيد متقلب المزاج واعترفا بالمجلس الوطني الانتقالي وشاركا معًا في عمليات الناتو “الحامي الموحد”.

للبلدين أجندات متناقضة في ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين التي وجدت طريقها إلى ليبيا منذ انتفاضة الشعب الليبي ضد القذافي. أكد مجلس التعاون الخليجي على هامش الدورة الـ 45 على ضمان سيادة واستقلال ليبيا ووحدة أراضيها ووقف التدخل في شؤونها الداخلية وخروج كافة القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من أراضيها ودعم الحل السياسي الليبي الليبي وقرارات مجلس الأمن. لكن لو نظرنا إلى دور الدول الخليجية البارزة في ليبيا فسنجد اختلافا واضحاً في كيفية التحرك وشكل التحالف.

قطريا، لم تخف قطر منذ العام 2011 دورها في إسقاط معمر القذافي بإرسالها مئات الجنود القطريين للمشاركة في التحالف ضد نظام العقيد وفي العمليات العسكرية في معركة باب العزيزية التي كانت فاصلة ثم في عدة مدن وفي تمويل تسلح الجماعات المناهضة للقذافي. لم يتوقف الدور القطري عند لحظة سقوط القذافي، بل كان لها دور كبير في تأسيس ما يعرف بقوات الدروع ودعم معركة فجر ليبيا التي قادها الإخوان ونسقت مع تركيا للإشراف على القوات المسلحة ولدعم الحكومات المتعاقبة.

تأثر الدور القطري في ليبيا بالحصار على الدوحة وبالخلاف الخليجي في العام 2017 الذي نشأ بعد زيارة ترامب إلى السعودية واتهامه قطر بدعم الإرهاب. في تلك العزلة التي فُرضت على الدوحة، تعزز التعاون القطري التركي وكان له أثر مباشر على ليبيا بتعمق المنافسة بين المحورين المصري السعودي الإماراتي من جهة والقطري التركي من جهة ثانية.

كانت قطر في مواجهة مباشرة مع مصر في ليبيا بعد حادثة إعدام أقباط مصريين على يد داعش في ليبيا ومطالبة مصر بحقها في الدفاع الشرعي عن نفسها ودحر الإرهاب القادم من ليبيا وهو مطلب تحفظت عليه الدوحة.

بعد المصالحة الخليجية حافظت قطر على موقفها الرافض لسيطرة حفتر وانقلابه على الشرعية الدولية، وأعربت الدوحة قبل نحو شهر عن رغبتها في الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية في ليبيا عبر جهاز قطر للاستثمار.

إماراتياً، رغم اللقاء الذي جمع رئيس الإمارات محمد بن زايد برئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا عبد الحميد الدبيبة في فبراير 2024 في أبوظبي وتأكيده عل “توحيد الجهود بين البلدين من أجل التهدئة والاستقرار ودعم أي حوار يهدف إلى إنهاء المراحل الانتقالية من خلال الانتخابات” إلا أن أبوظبي ما زالت تميل إلى حفتر وترجح كفته في الصراع الليبي الليبي لسببين: عسكري/استراتيجي وسياسي.

استراتيجيا تمثل الموانئ الليبية مدخلاً مهما للإمارات للولوج إلى القرن الأفريقي ويمثل حفتر الذي يسطر على الشرق الليبي حليفًا وفيًا لها منذ أكثر من عقد.

تطمح الإمارات إلى توسعة سلسلة الموانئ التي تسيطر عليها بعد سيطرتها على سقطرى في اليمن كجزء من طريق الحرير الصيني، وباستثناء ما يمنحه حفتر لأبوظبي في شمال أفريقيا كميناء برقة، لم تتمكن الإمارات من السيطرة على منافذ بحرية في تونس والجزائر أو المغرب دون إغفال ما تملكه ليبيا من مخزون نفطي هام.

سياسيًا تسعى الإمارات إلى اجتثاث الجماعات الإسلامية في المنطقة لا سيما في ليبيا كونها “مخترقة من تركيا” كما تقول. ورغم سقوط الإخوان في مصر وتونس الجارتين، شرقًا وغربًا، إلا أن ليبيا لا تزال تمثل منصة مهمة للجماعات الإسلامية المدعومة من تركيا وفق ما تعتقد أبوظبي.

بالنسبة للسعودية، فقد اتسمت علاقة الرياض بطرابلس بالتوتر منذ انقلاب القذافي على الملك إدريس السنوسي في العام 1969. منذ الثمانينات تسبب القذافي في التشويش على موسم الحج حين أرسل رجاله للقبض على المعارضين الليبيين المشاركين في الحج وكاد الموسم أن يتحول إلى مجزرة. كان حضور القذافي في القمم العربية فرصة لتصفية خصومه في العلن بالكلام اللاذع المباشر وغير المباشر المستهدف للقادة في الخليج والسعودية تحديدًا.

اتهمت الرياض نظام القذافي بالتخطيط لاغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان وليًا للعهد في العام 2004 في الوقت الذي كانت فيه طرابلس تحاول الخروج من عزلتها وتسوية قضية لوكربي واعترافها بامتلاك أسلحة وانتهت القصة بطرد السفير الليبي من الرياض.

في ما يتعلق بالتنسيق السعودي الإماراتي في ليبيا، تخدم سيطرة الإمارات على الموانئ الليبية بشكل سلس الطموح السعودي بالتوسع في سياق الطفرة الاقتصادية التي تعرفها المملكة وترتيباتها السياسية الجديدة التي رسمها ولي العهد محمد بن سلمان.

كانت السعودية قد أغلقت سفارتها في طرابلس منذ العام 2014 “بسبب عدم استقرار الأوضاع” وأعادت فتحها مطلع العام 2024. استعادة الرقعة الليبية يمثل مكسبًا دبلوماسيًا مهما للرياض، حيث يتزاحم في ليبيا النفوذ القطري والإماراتي والمصري والتركي والروسي والفرنسي، ولذلك، كان لزاما عليها استعادة حضورها لكن بحذر مخافة التصادم مع أي طرف من هذه الأطراف. لعبت السعودية حتى قبل إعادة سفارتها في طرابلس دورا مهما في إجلاء رعايا ليبيين في السودان في العام 2023.

فور استئناف العلاقات، بادرت الرياض ببحث سبل استئناف الشحن البحري بين البلدين وتعزيز التبادل التجاري. أحد أهم ميزات التعاون السعودي الليبي هو النفط وكانت السعودية والكويت وليبيا قد كونت في العام 1968 منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك). يتأثر إنتاج النفط العالمي في الوقت الحالي بالهزات السياسية في ليبيا التي ينجر عنها انخفاض في الإنتاج مثلما حدث في سبتمبر الماضي حين هبط إنتاج ليبيا فجأة بنحو 38 ٪ بسبب وقف تصدير النفط وهو ما يؤثر بشكل مباشر على السعودية.

14 عاماً…وبعد؟

لا يزال شبح القذافي يطارد خصومه بعد مرور 14 عامًا على مقتله، مع انطلاق محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في 6 يناير 2025 بتهمة الحصول على تمويل من القذافي خلال حملته الانتخابية في العام 2007.

وتثبت وثائق استخباراتية حصلت عليها رسائل إعلام فرنسية أن ساركوزي كان يسعى إلى الإطاحة بالقذافي حتى قبل اندلاع الربيع العربي بأربعة أشهر حين استشعر ابتزازه الذي ينذر بإسقاطه. وتتزامن ذكرى اندلاع الربيع العربي الرابعة عشر هذا العام لا فقط مع سقوط الأسد بعد صمود دام أكثر من عقد بل كذلك مع تحركات متسارعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكأن ربيعًا جديدًا يتهيأ.

قبل أيام فقط تعالت دعوات إلى محاكمة الدبيبة الذي يحظى بدعم دولي وأممي كونه يمثل الشرعية الوحيدة في ليبيا بتهمة التطبيع السري مع إسرائيل. النظام الليبي المنهك أصلاً من التدخلات الأجنبية وتقاطع طرق الكارتيلات الدولية المسلحة على أرضه ومافيا السلاح القادمة من كل صوب يجد نفسه أمام أزمة جديدة غير محمودة العواقب لا سيما وأنها تعزف على وتر العصب الشعبي: القضية الفلسطينية.

تهم التطبيع مع إسرائيل تأتي في سياق عربي دقيق مع اقتراب وقف إطلاق النار في غزة وضغوط تمارسها عدة جهات على دول المغرب العربية التي لم تطبع بعد مع الكيان الصهيوني.

يأتي كل ذلك والرئيس الأميركي المعاد انتخابه دونالد ترامب يستعد للعودة إلى البيت الأبيض، الرجل الذي عرف العرب في عهده هزات عنيفة وخلافات غير مسبوقة وانطلاق قطار التطبيع برعايته، فما الذي يخبئه لليبيا وللمنطقة بأسرها؟