علاقات » عربي

الخليج وحكام سوريا الجدد: تشريح أسباب التغيير

في 2025/02/04

عمرو حمزاوي - القدس العربي

لقد أثار انهيار نظام بشار الأسد وصعود الإسلاميين إلى السلطة في سوريا في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 بعض ردود الفعل المتوقعة والعديد من ردود الفعل غير المتوقعة من دول الخليج العربي.

فقد تبنت قطر التغيير بسرعة ووعدت بدعم الحكام الجدد في دمشق. وانطلاقاً من توجهات دولة رفضت تطبيع علاقاتها مع الأسد عندما أعيد نظامه إلى جامعة الدول العربية في عام 2023، فإن مثل هذا الرد يتوافق مع الأولويات السياسية العامة لحكومة الدوحة. لم يكن هناك شيء غير متوقع في موقف قطر.

غير أنه كان لافتا تبني المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للتغيير في سوريا. فعلى النقيض من الدعم القطري لانتفاضات الربيع العربي، كرست حكومتا السعودية والإمارات سياساتهما لرفض الانتفاضات الشعبية والتغيير الذي أحدثته. عارضت كل من الرياض وأبو ظبي الحكومات التي يقودها الإسلاميون، والتي لم تثقا بها وصنفتاها على أنها تشكل مخاطر جسيمة على استقرارهما وأمنهما الوطني.

أما الانتفاضة السورية ضد نظام بشار الأسد في عام 2011 فقد استدعت عنفاً ممنهجاً من قبل النظام ضد المواطنات والمواطنين وهددت الاستقرار في بلاد الشام على نحو عام، وهو ما دفع كل من الرياض وأبو ظبي إلى تأييد بعض معارضي الأسد خاصة مع تنامي رعاية إيران لنظام الأسد. كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تراقبان النفوذ الإيراني المتوسع بالقرب من الخليج والممتد من العراق إلى سوريا ولبنان وتتحسبان لتداعياته. ومع ذلك، فإن انتشار العنف بين الحركات الإسلامية المتطرفة والتنظيمات الإرهابية وبين النظام السوري المتورط في إرهاب الدولة استفز الحكومتين السعودية والإماراتية للحد في نهاية المطاف من مشاركتهما في المشهد السوري وتدريجيا الانسحاب منه. أما قطر فقد استمرت، إلى جانب تركيا، في دعمها لجماعات المعارضة.

في مايو 2023، وافقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول عربية أخرى مثل مصر والعراق والجزائر، على إعادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية. لقد أدت الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان الجماعية التي ارتكبها النظام ضد السكان المدنيين إلى تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. ورغم أن قطر ظلت غير راغبة في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، إلا أنها لم ترغب في أن تكون «عقبة» أمام «الإجماع العربي» بشأن إعادته إلى الجامعة. وعلى العكس من ذلك، تبنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التطبيع مع الأسد وتم استقباله بحفاوة في قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في جدة في نفس الشهر. كما تم استقبال الأسد في صيف عام 2023 من قبل كبار المسؤولين الإماراتيين في زيارته لأبو ظبي ووعد بالمساعدات الإنسانية والمالية.

غير أن أحداث ديسمبر/كانون الأول 2024 في سوريا لم يتوقعها الكثيرون وضغطت على حكومات الخليج، شأنها شأن بقية حكومات الشرق الأوسط، لكي تطور ردا سياسيا. وكان الرد القطري، كما أشرنا سابقًا، متوافقًا مع سياسات الدوحة السابقة تجاه نظام الأسد. كذلك نظرت قطر إلى سياستها تجاه سوريا باعتبارها مسألة تنسيق شامل مع تركيا، وبالتالي أيدت هيئة تحرير الشام التي ترعاها تركيا.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فبعد فترة أولية وجيزة أشارت فيها الرياض إلى انفتاحها تجاه الحكام الجدد في دمشق وكانت أبو ظبي مترددة بما يتماشى مع شكوكها القديمة بشأن الإسلاميين، تحركت الحكومتان للتخلي فيما خص سوريا عن سياستهما المناهضة لحركات الإسلام السياسي واحتضنت الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام. وقد تراكمت علامات هذه السياسة الجديدة في الأسابيع الأخيرة. فقد عقدت المملكة العربية السعودية اجتماعا بشأن سوريا في الرياض، ودعت وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية، وتركيا، والاتحاد الأوروبي.

وتحدث رئيس الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، عبر الهاتف مع أحمد الشرع. كما زار وزير الخارجية السوري المعين حديثا، أسعد الشيباني، كل من الرياض وأبو ظبي وكذلك عواصم خليجية أخرى. في اجتماع 2025 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، أشار الشيباني إلى «سوريا الجديدة» باعتبارها مستوحاة من رؤية السعودية 2030. ورد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بالثناء، مشيرًا إلى «تفاؤل حذر» ومشيرًا إلى «فرصة عظيمة» لجعل سوريا تسير في «اتجاه إيجابي». ثم، قبل أيام قليلة، زار رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع السعودية في أول زيارة رسمية له.
فما هي الدوافع وراء احتضان السعودية والإمارات العربية المتحدة للحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام في سوريا؟

أولاً، ترى الدولتان أن التغيير في سوريا يمثل فرصة كبيرة لتقويض النفوذ الإيراني في بلاد الشام. وعلى الرغم من استئناف الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد وساطة صينية ناجحة، وتعاون كل من الرياض وأبو ظبي مع الحكومة الإيرانية لتهدئة الأوضاع في اليمن وإنهاء الأعمال العدائية هناك، إلا أن السياسات الخارجية السعودية والإماراتية ظلت حذرة من الدور المدمر لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. إن حقيقة أن العمليات العسكرية الإسرائيلية أضعفت حماس وحزب الله بشكل كبير، وبالتالي إيران إلى جانب خسارة حليف إيران الأسد، خلقت شيئا من الأمل بين دول الخليج في أن تحولات ما بعد حرب غزة يمكن أن تساعد في دفع إيران للخروج من سوريا وقطع مسارات نفوذها بين العراق ولبنان. وباحتضان الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام، يأمل السعوديون والإماراتيون في منع إيران من العودة إلى معقلها السابق في سوريا مرة أخرى. وقد أكدت حكومة هيئة تحرير الشام الآمال السعودية والإماراتية بالابتعاد التام عن إيران واعتماد العلاقات الجيدة مع تركيا ودول الخليج كخيار استراتيجي لها.

ثانيا، تعلمت أبو ظبي والرياض دروسا قيمة من أخطائهما السابقة خلال الأوقات المضطربة في العراق واليمن وهي الدروس التي توجه سياستهما تجاه سوريا ما بعد الأسد. في العراق، قررت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عدم الانخراط بعد إزاحة صدام حسين في عام 2003، مما عني أن الأمريكيين والإيرانيين فقط اكتسبوا النفوذ في السياسة العراقية. في اليمن، اتبع الإماراتيون والسعوديون سياسة تجاهل الصراع بين عامي 2012 و2015 حتى استولت جماعة الحوثيين الممولة والمسلحة من إيران على شمال اليمن وخاضت حربا ضد مجموعات أخرى. حينها سارعت الرياض وأبو ظبي لقيادة تحالف عربي للإطاحة بالحوثيين، وكانت نتيجة الفعل المتأخر هي التورط في حرب دموية امتدت إلى ما هو أبعد من حدود اليمن. كان على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تدفعا ثمنًا سياسيًا وأمنيًا باهظًا بسبب ترددهما الأولي في الانخراط في اليمن. في سوريا، إذا، تسعى القيادات السعودية والإماراتية إلى دور أكثر نشاطًا ومنذ البداية لكي يتجنبوا مصائر مشابهة للعراق واليمن.

ثالثا، تشكل سوريا نقطة جوهرية في التحولات الجيوستراتيجية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط من جراء حرب غزة. فقد اتسع نطاق نفوذ إسرائيل خارج أراضيها وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة في حين تآكل نفوذ إيران، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام حسابات جديدة فيما خص قضايا القوة والسلطة والسيادة في العراق وسوريا ولبنان. ويتطلب القرب الجغرافي لبلاد الشام من الخليج دبلوماسية نشطة من جانب السعودية والإمارات، ويستدعي الانخراط في البنية الجديدة للقوة والنفوذ التي تتبلور في بلاد الشام، إن لمنع سياسات إسرائيل التوسعية أو الحد من أحلام تركيا العثمانية الجديدة والتي تدفع حكام إسطنبول إلى تبني سياسات هيمنة على جوارها العربي. كذلك تريد كل من الرياض وأبو ظبي استبعاد إمكانية إعادة إيران تجميع وكلائها في بلاد الشام والعودة مجددا كراع لسوريا.

رابعا، جاء انخراط السعودية والإمارات في سوريا في الوقت نفسه الذي تحاول فيه الدولتان أن تكونا أكثر نشاطا سياسيا ودبلوماسيا في الشرق الأوسط. لقد أصبحت الدولتان تعطيان الأولوية للمشاركة الفعالة في جميع المسارح الإقليمية دون تردد، وتعملان على حماية مصالحهما في شرق أوسط يتسم بالصراع المستمر وعدم الاستقرار طويل المدى. إن سياسة الخارجية النشطة للسعودية والإمارات، والتي تتجلى بوضوح في غزة ولبنان والآن في سوريا، يمكن أن تجعل للرياض وأبو ظبي أدواراً أكثر بروزًا في قضايا الأمن الإقليمي ومن ثم أكثر أهمية للقوى العظمى المهتمة باستقرار الشرق الأوسط.