علاقات » عربي

عجز حكومي بوجه الانهيار: الجنوب أسير صراعات الحلفاء

في 2025/02/07

متابعات

انتقل الصراع السياسي في جنوب اليمن إلى وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، حيث يتقاذف كل من "المجلس الرئاسي" ورئاسة الحكومة التهم بالمسؤولية عن محاولات الإقصاء والتهميش اللذيْن يتعرضان لها من حلفائهما. ويسلّط تفاقم الصراع هذا، الضوء على فشل التحالف السعودي - الإماراتي في بناء هيكل سياسي مستقر وآمن في البلد، بسبب تقصّد كل من الرياض وأبو ظبي زرع بذور الشقاق، بما يسهل قيادة اليمن بواسطة اللعب على التناقضات. والواقع أن المواطن اليمني، ولا سيما في المحافظات الجنوبية، هو الذي يتحمّل وزر تلك النزاعات، التي يؤكد فصلها الأحدث بين رئيس المجلس، رشاد العليمي، ورئيس الحكومة، أحمد بن مبارك، أن الجنوب عالق في دوامة الانقسامات التي لا نهاية لها.

وتشهد المناطق التابعة للسيطرة السعودية والإماراتية في اليمن، انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، مع فشل حكومة عدن في تنفيذ أي إصلاحات اقتصادية لوقف التدهور المعيشي الذي يفتك بالمواطنين، فضلاً عن قيامها بطباعة أكثر من 5 تريليونات و320 مليار ريال يمني من المتداول في مناطق الجنوب، من دون غطاء، ما أدّى إلى تفاقم التضخّم وتآكل قيمة العملة بشكل كبير. وبدل أن تبادر الحكومة إلى وضع خطط للمعالجة، فإنها تنشغل بصراعها مع "المجلس الرئاسي"، على خلفية محاولة كل منهما تعزيز موقعه في السلطة، والاستحواذ على مقدرات البلد. وعلى رغم أن السفارة الأميركية دائمة التواصل مع الطرفين، وكذلك "اللجنة الخاصة" السعودية المكلّفة بالملف اليمني، إلا أن الخلافات لا تجد سبيلاً إلى الحل بل تزداد تعقيداً، ما يجعل التنسيق والتعاون بين المؤسسات الحكومية أمراً بالغ الصعوبة.

ويُتهم العليمي من قبل خصومه بالإصرار على التدخّل في شؤون السلطة التنفيذية ومحاولة فرض سياسات اقتصادية وإدارية والتصرّف بمهام رئيس الحكومة، في ما اعتُبر محاولات لإقصاء ابن مبارك وتهميش دوره، الأمر الذي يلاقي رفضاً شديداً من قبل الأخير. وفي المقابل، يقول مقرّبون من الأول إنه ليس راضياً عن طريقة ابن مبارك في إدارة الحكومة، ويلمّحون إلى أن رئيس الوزراء لم يفعل شيئاً إزاء تفاقم الوضع الاقتصادي والانهيار المالي، وأن دافع العليمي إلى خطواته هو السعي لوقف النزيف الاقتصادي والسياسي في البلد، وأن مهامه الدستورية تفرض عليه الضغط لحمل الحكومة على اتخاذ قرارات في هذا المجال.

على أن الصراع بين الطرفين يدور في حقيقته على النفوذ والمكاسب؛ ولذا، فإنهما يستخدمان المؤسسات الحكومية كأدوات فيه، الأمر الذي ينعكس تعطيلاً لتلك المؤسسات، وتوقفاً للمشاريع التنموية والخدمية، وشللاً للحكومة في مواجهة الآثار الكارثية للوضع الاقتصادي والانهيار المالي. فالكهرباء، مثلاً، هي أولى ضحايا الصراعات، حيث أنذرت مؤسسة كهرباء عدن بأنها على وشك التوقّف كلياً عن تزويد المواطنين بالتغذية الكهربائية. وبدل أن تتوجّه بالخطاب إلى رئيس الحكومة أو رئيس "المجلس الرئاسي"، وجّهت المؤسسة نداء إنسانياً إلى رئيس "حلف قبائل حضرموت"، الشيخ عمرو بن حبريش، للتدخل الفوري وإعطاء توجيهاته بضخ النفط الخام إلى "محطة الرئيس" في عدن قبل توقّفها المتوقع خلال الساعات القادمة، الأمر الذي سيؤدي إلى انقطاع تام للكهرباء، ما سيفاقم معاناة المواطنين في ظل الأوضاع الصعبة التي تواجهها المدينة.

وفي الموازاة، يواصل الريال المطبوع في عدن انهياره المتصاعد أمام العملات الأجنبية، حيث تخطّى سعر صرف الدولار حاجز 2226 ريالاً، في مقابل الاستقرار الدائم لأسعار الصرف، الذي تشهده عملة صنعاء. وحذّر مراقبون من حالة عدم استقرار أسعار الصرف وما يترتب عليها من آثار اقتصادية على المواطنين بشكل مباشر، في ظل موجة ارتفاع موازية لأسعار السلع، ما يجعل عدن أمام كارثة اقتصادية فادحة. وجدّدت نقابة الصرافين الجنوبيين، بدورها، دعوتها إلى الإضراب الشامل احتجاجاً على الانهيار المستمر لقيمة العملة. وقالت، في بيان منشور على حسابها على "فيسبوك"، إنه "نظراً إلى غياب دور مجلس الرئاسي والبنك المركزي في معالجة هذه الأزمة، فإننا نرى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية".

كذلك، كانت الصراعات الداخلية والأوضاع المعيشية موضع تعليق الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال أحدهم إن "الغلاء والبطالة قتلا الإنسان الجنوبي وإن شعرة واحدة تفصل بين العقل والجنون وقد تسبّب كارثة لا تُحمد عقباها"، في حين اعترف محسوبون على "التحالف" بأن "الشرعية" أضعف بكثير من أن ترسم سياسات اقتصادية وخططاً تنموية أو تصحّح الاختلالات في المؤسسات الخدماتية أو تحارب الفساد المستشري في البلاد.

ووصل الأمر ببعض المحسوبين عليها إلى تحميل صنعاء مسؤولية فشل حكومة عدن، باتهام الأخيرة بأنها مخترقة من قبل "أنصار الله" حتى على مستوى رئاسة الوزراء، حيث تمّت إحالة أحد الأعضاء في مكتب ابن مبارك إلى القضاء بتهمة الارتباط بالحركة. ووصل الضياع وفقدان السيطرة إلى حدّ الادعاء بأن موظفين في مراكز حسّاسة يتلقّون تعليماتهم من "أنصار الله"، وأن هناك شخصيات كبيرة تعمل مع حكومة صنعاء، تتقاضى مكافآت سنوية بملايين الدولارات، وبعضها مسؤولون في وزارة الاتصالات، ووزارة النفط، ووزارات سيادية.