في 2025/02/11
إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين
تسببت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي دعا فيها إلى إقامة دولة فلسطينية في الأراضي السعودية، بموجة غضب وتضامن واسع مع المملكة، باعتبارها استفزازاً غير مقبول.
تصريحات نتنياهو تحمل دلالات خطيرة، فالرجل أراد بها تأكيد استحالة قبول "إسرائيل" بحل الدولتين، فضلاً عن كونها تعيد إلى الأذهان أحلام "إسرائيل الكبرى".
ويبدو أن نتنياهو ألقى بمقترحه مستنداً على توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي بات يتبنى خطط اليمين المتطرف في "إسرائيل"، الأمر الذي يتطلب موقفاً عربياً حازماً.
وكرر ترامب، خلال الأيام الماضية، مراراً الحديث عن تهجير سكان قطاع غزة إلى دول الجوار، مهدداً فجر اليوم الثلاثاء، بقطع المساعدات عن مصر والأردن في حال لم تستقبلا سكان غزة.
ترامب تحدث ضمنياً عن نقل سكان من غزة إلى دول الخليج، متحدثاً عن السيطرة على القطاع وتحويله إلى عقار ضخم في الشرق الأوسط، وسط تنديد ورفض عربي واسع.
ومنذ أن طُرح موضوع التطبيع مع دولة الاحتلال على طاولة النقاش، في أعقاب توقيع اتفاق أبراهام، في أغسطس 2020، وضعت السعودية مسألة إقامة الدولة الفلسطينية على رأس شروطها للدخول في أي اتفاق سلام مماثل.
وتطور موقف المملكة مع تطور الأحداث، وصار أكثر حسماً وثباتاً مع تغول الاحتلال الإسرائيلي وتوحشه في غزة، منذ الـ7 من أكتوبر 2023، ومع قدوم ترامب، وحالة النشوة التي اعترت نتنياهو، خرجت السعودية ببيان يوم 5 نوفمبر، أكدت فيه أن موقفها من قيام دولة فلسطينية راسخ وثابت لا يتزعزع.
تضامن وغضب
وسرعان ما ردت السعودية على تصريحات ترامب، واصفة إياه بأنه يحمل "عقلية متطرفة"، وأن مقترحه يهدف إلى صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها في غزة، وما يحصل هناك من تطهير عرقي.
وقالت الخارجية السعودية في بيانها، إن الشعب الفلسطيني صاحب حق في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها، يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
وتابعت في ردها على نتنياهو أن "هذه العقلية المتطرفة المحتلة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين الشقيق وارتباطه الوجداني والتاريخي والقانوني بها، ولا تنظر إلى أن الشعب الفلسطيني يستحق الحياة أساساً".
وشن ناشطون ووسائل إعلام إسرائيلية هجوماً واسعاً على نتنياهو، وانتقادات لاذعة لخطة ترامب، وقال عضو مجلس الشورى السعودي يوسف بن طراد السعدون، إنه إذا ما أراد ترامب أن يكون بطلاً للسلام ويحقق الاستقرار والازدهار للشرق الأوسط، فعليه أن ينقل أحباءه الإسرائيليين إلى ولاية ألاسكا من ثم إلى غرينلاند بعد أن يضمها إليه.
كما نشرت قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية تقارير عديدة هاجمت فيها نتنياهو، ووصفت في أحدها نتنياهو بأنه "صهيوني ابن صهيوني".
وسرعان ما توالت البيانات العربية المنددة بتلك التصريحات، حيث أكدت مصر والإمارات أن أمن المملكة خط أحمر، بالتزامن مع رفض خليجي وعربي وإسلامي واسع لتلك التصريحات، في الوقت الذي جرى فيه تحديد يوم 27 فبراير لعقد قمة عربية طارئة في القاهرة لمناقشة هذه التداعيات.
موقف أمريكي جديد
ويحاول نتنياهو استثمار مقترحات وخطط ترامب إلى أقصى مدى ممكن، وتصريحاته الأخيرة إنما تُبنى على تصريحات ترامب المتعلقة بتهجير سكان قطاع غزة إلى دول الجوار.
وحول هذا يقول الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي، إن تصريحات نتنياهو هي في الواقع "امتداد لموقف أمريكي جديد طرحه الرئيس ترامب، بدأ بمقترح تهجير كل سكان غزة، ولمح إلى دول عربية بشكل مباشر، وهي مصر والأردن لاستقبالهم، وكأنه يضغط على الدولتين مقابل المساعدات".
وأضاف مكي في تصريحات لـ"الخليج أونلاين": "هذا غير المباحثات السرية بين نتنياهو وترامب، التي ربما تضمنت مزيداً من التبني للموقف الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن هذا "شجع نتنياهو وهو في واشنطن ليهاجم أو ينتقد أو يلمح إلى كل من السعودية ومصر بشكل مباشر، لكي يحملا القضية الفلسطينية على عاتقهما، خصوصاً السعودية".
توجه غير واقعي
ويرى مكي أن هذا التوجه الإسرائيلي بتحميل الدول العربية مسؤولية الشعب الفلسطيني بعد تهجيره هو في الحقيقة غير واقعي، لافتاً إلى أنه نمط من الترهيب.
وذكر أن هذا في التصور الإسرائيلي "سيجعل البعض ربما يكف عن الحديث عن القضية الفلسطينية".
وأضاف الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات أن "إسرائيل قررت الآن عدم إقامة الدولة الفلسطينية بالمطلق".
وتابع: "هذا نمط جديد من الخطاب الإسرائيلي موجه للعرب، ربما سيكون عنواناً للمرحلة المقبلة، ومن المؤكد أن تتبناه الولايات المتحدة بالمقابل، بمعنى أن إدارة ترامب ستخاطب الدول العربية ومنها السعودية بأن موضوع الدولة والقضية الفلسطينية يجب أن يتركوه".
رِدَّة أمريكية
وأشار مكي إلى أن ترامب "ألغى حتى حق العودة أو تبرأ منه، أو اعتبره غير قابل للتنفيذ، رغم أنه حق شرعي، وبقرار دولي، حيث ما يزال قرار مجلس الأمن وقرار الأمم المتحدة 198 سارياً حتى الآن، وكذلك القرارات ذات الصلة: 242، و338".
وأضاف: "في الواقع هناك رِدّة أمريكية إسرائيلية واسعة النطاق، (إسرائيل) من البداية تنتهك القرارات، لكننا اليوم أمام انتهاك أمريكي مباشر، جعل دولة الاحتلال تتنمر وتتشجع وتظهر أنيابها وصورتها الحقيقية".
واستطرد قائلاً: "الآن (إسرائيل) أصبحت زاهدة حتى في استرضاء السعودية، رغم أهمية المملكة والعلاقات معها، لكن أصبحت زاهدة حتى بهذا الأمر، الآن تريد أن تطبع دون شروط مع المملكة".
واختتم مكي حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: "الآن هناك قمة عربية ستعقد في القاهرة وستبدي موقفاً أكثر وضوحاً وصرامة فيما يتعلق بخطط إسرائيل وخطط إدارة ترامب".