في 2025/04/08
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
أعاد إدراج أميركا لسبع شركات ضمن برنامج العقوبات المفروضة على السودان، والتي تتخذ من "أبو ظبي" مقرًا لها، الحديث عن الدور الإماراتي في السودان. تزامن ذلك مع قول محكمة العدل الدولية أنها ستنظر في دعوى رفعها السودان وطالب فيها باتخاذ تدابير طارئة ضد الإمارات، متهما إياها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وذلك من خلال تسليح قوات الدعم السريع.
الشركات السبع التي فرضت أميركا العقوبات عليها هي: كابيتال تاب القابضة (ذ.م.م)، وكابيتال تاب للاستشارات الإدارية (ذ.م.م)، وكابيتال تاب للتجارة العامة (ذ.م.م)، وكرييتف بايثون (ذ.م.م)، والزمرد والياقوت للذهب والمجوهرات (ذ.م.م)، والجيل القديم للتجارة العامة (ذ.م.م)، وهورايزون للحلول المتقدمة للتجارة العامة (ذ.م.م)، وفقا لوكالة الأنباء الإماراتية (وام).
قالت وزارة العدل الإماراتية إنه: "في أعقاب الإعلان عن العقوبات المفروضة على الشركات الوارد ذكرها، شرعت السلطات الإماراتية في إجراء تحقيقات فورية عن الشركات المعنية والأفراد المرتبطين بها، كما أنها طلبت معلومات إضافية من الجانب الأمريكي لدعم هذه التحقيقات". وفيما انتقدت الإمارات، دعوى "التواطؤ في الإبادة الجماعية"، والتي رفعها السودان ضدها أمام محكمة العدل الدولية، وصفتها بأنها "حيلة دعائية ساخرة"، وقالت إنها ستسعى إلى رفضها.
لكن في المقابل؛ يدور الحديث في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث كافة عن دور الإمارات في السودان، والذي تنقل بين دعم البرهان وصولاً الى دعم حميدتي، بشكل يبدو أنه موزانة للمكاسب.
إذ تخلص المراكز البحثية إلى أنه، وبالرغم من أن المصالح الاقتصادية للإمارات المرتبطة بالموانئ موجودة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية مثل ميناء "أبو عمامة" على البحر الأحمر، لكن سلاسل توريد الذهب مرتبطة بمناطق سيطرة قوات الدعم السريع في جبل عامر ومنطقة سنقو. هذا فضلاً عن رهانات الإمارات على الدعم السريع للقضاء على ما تبقى من أثر فكر الإسلام السياسي وإجهاض الثورة السودانية، وهو ما يرجح استمرارَ الدعم الإماراتي مستقبلاً، وإنْ أفضى ذلك إلى استنساخ النموذج الليبي في السودان.
لكنّ هذا الدور الإماراتي بحاجة إلى مراجعة بسبب كمية الدماء المراقة في هذا الصراع، فقد أسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتهجير أكثر من 12 مليون شخص.
كما يبدو أن الذهب هو كلمة السر في الموقف الإماراتي، حيث تعمل مناجم ميليشيات قوات الدعم السريع بكامل طاقتها في جنوب غرب السودان الذي مزقته الصراعات – بالقرب من حدود جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى – سعيا وراء أرباح تأجيج الحرب وشراء الأسلحة. وتهيمن تجارة الذهب المهرب على الموقف الإماراتي في حرب السودان في ظل استحواذ "أبو ظبي" على جميع الإنتاج السوداني تقريبا من الذهب، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس).
إلى ذلك؛ قالت الوكالة إن صناعة الذهب في السودان باتت شريان الحياة للحرب الدائرة هناك، حيث يُقال إن كل تجارة الذهب تمر تقريبًا عبر دولة الإمارات، ما يُثري كلًا من الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وبحسب مسؤولين سودانيين ومصادر في قطاع التعدين وبحث أجرته "سويس إيد"، فإن تقريبًا كل ذهب السودان يتجه إلى الإمارات، إما عبر قنوات التجارة الرسمية، أو عبر التهريب، أو من خلال ملكية إماراتية مباشرة لأكثر منجم يدر أرباحًا للحكومة السودانية حاليًا.
وفقًا لمصادر في قطاع التعدين وخبراء، فإن جزءًا كبيرًا من الذهب الذي يُنتَجه طرفا النزاع يُهرَّب إلى تشاد، جنوب السودان، ومصر، قبل أن يصل في النهاية إلى الإمارات. وعلى الرغم من نفي الإمارات تزويد الدعم السريع بالأسلحة، إلا أن مصادر دبلوماسية كشفت مؤخرًا عن إجراء محمد حمدان دقلو "حميدتي" زيارة سرية إلى "أبو ظبي" لبحث إعادة هندسة مليشيات الدعم السريع في ظل الهزائم المتتالية التي تكبدتها في السودان مؤخرا بما في ذلك سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم.
كذلك؛ بحسب المصادر، فإنّ حميدتي وصل إلى الإمارات، وتحديدًا إلى منطقة السعديات في "أبو ظبي"، حيث يقيم إقامة فاخرة تحت حماية جهاز أمن الدولة الإماراتي. وأوضحت المصادر أن حميدتي عقد اجتماعات مغلقة، بشكل متكرر، مع كبار مسؤولي الأمن في النظام الإماراتي، وتدور النقاشات في إعادة هندسة ميليشيات الدعم السريع سياسيًا وعسكريًا، وطرح بدائل قيادية جديدة والتخطيط لإنشاء "مجلس عسكري انتقالي" يُدار من الخارج لتقسيم السودان بحكم الأمر الواقع.
يضاف إلى ذلك؛ ترتيب حملة إعلامية دولية لإعادة تلميع حميدتي زعيمًا قبليًا، باستخدام علاقات حكومة "أبو ظبي" مع مؤسسات إعلامية أوروبية.
لقد توترت العلاقات بين السودان والإمارات بعد السِّجال الذي دار بين مندوبي البلدين في الأمم المتحدة في نيويورك، خلال الجلسة التي خُصصت لمناقشة الأوضاع في مدينة الفاشر في 13 حزيران/ يونيو 2024. وذلك حين اتهمت الخرطوم "أبو ظبي" بتقديم دعم عسكري ولوجستي ومالي إلى قوات الدعم السريع، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة الحرب. كما أن الإمارات تمارس نفوذها على عدد من دول الجوار، وفي مقدمتها تشاد وإفريقيا الوسطى وخليفة حفتر في ليبيا، من أجل أن تفتح أراضيها لإيصال الدعم لقوات الدعم السريع.
في هذا السياق؛ تواجه الإمارات موقفًا محرجًا يمكن أن يتطور إلى مأزق سياسي، فقد تقودها الآن الجزرة الاقتصادية، ولكن العصا السياسية يمكن أن تمس بسمعتها.
تتمثل الجزرة بلذهب، حيث تفيد لبيانات من بورصة دبي للسلع أن الإمارات أصبحت ثاني أكبر مصدر للذهب في العالم في العام 2023، متجاوزة بريطانيا؛ وهي أيضًا الوجهة الأولى للذهب الإفريقي المُهرّب. وتتمثل العصا بالعقوبات الأمريكية التي بدأت على شركات في "أبو ظبي" بشكل يمس بسمعة الاستثمارات، وكذلك الشكاوى المقدمة للأمم المتحدة والدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، وهو ما يتطلب موازنة ومراجعة إماراتية فورية.