في 2025/05/08
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
عاد الحديث بقوة عن ملف جزيرتي تيران وصنافير، بعد نشر تقرير لموقع مدى مصر، والذي نقل عن مسؤول قوله إن السعودية عرضت السماح لأمريكا بإقامة قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير.
بعد تداول مضمون التقرير، نقلا عن دبلوماسي إقليمي، بأن "إسرائيل" وأميركا تحاولان تأمين وجود عسكري دائم للولايات المتحدة على البحر الأحمر شمال قاعدة ليمونييه البحرية الأميركية في جيبوتي؛ عاد الحديث عن تبعية المواقف الغاضبة من تنازل مصر عن الجزيرتين على الرغم من الاعتراضات الشعبية وأحكام القضاء المصرية. كما عادت الاتهامات للسعودية بأنها تتجه نحو التطبيع والتفاهم مع "إسرائيل" وأميركا والاحتماء بأميركا على حساب الأمن القومي العربي، وأن زيارة ترامب ستشهد تقدما نحو التطبيع والتفاهمات المشتركة لصيغة أمنية في منظومة الأمن في البحر الأحمر، بما يضع أميركا في طليعة القوى المراقبة لهذا الممر البحري الاستراتيجي.
اللافت في التقرير، على الرغم من خطورة مضمونه وتداوله في معظم وسائل الاعلام العالمية الكبرى، أنه لم يرد فيه تعليق رسمي، لا من السعودية ولا مصر ولا حتى من أميركا. وهو أمر جدًا مريب يوحي بأن ما جاء في التقرير يبدو صحيحًا، وخاصة أن "موقع مدى مصر" ليس من المواقع الصغيرة او الصفراء، هو يعدّ من المواقع التي يعتد بها وتتحلى بكثير من الموثوقية.
بمعزل عن صحة هذه الأخبار من عدمها، ملف تيران وصنافير ملف شائك، وتزداد حساسيته بعد حرب الإبادة التي تًشن على غزة، وبعد توتر الملاحة في البحر الأحمر والحرب المستعرة بين اليمن من جهة، وأميركا و"إسرائيل" من جهة أخرى، وخاصة مع الحديث عن احتلال غزة وتواتر التقارير عن "قناة بن غوريون" لإاسرائيلية المنافسة، والأحرى البديلة لقناة السويس وربطها مع الممر الهندي. وهو مشروع جيوسياسي واقتصادي أمريكي كبير في سياق الصاع الدولي والحرب التجارية مع الصين ومشروع الحزام الصيني.
كما أن الثابت هو أن نقل السيادة عمليا إلى السعودية على الجزيرتين، فيه عوائق، ولم يحدث، بشكل عملي، منذ قرار التنازل المصري المثير للجدل. وقد أفاد موقع أكسيوس، في العام ٢٠٢٢، أن الولايات المتحدة كانت تحاول التوسط بين مصر و"إسرائيل" والمملكة العربية السعودية لإتمام عملية النقل، في جزء من اتفاقية تطبيع أوسع مقترحة بين "إسرائيل" والمملكة، لكن رفض مصر المشاركة أحبط الخطط.
كذلك يُنقل عن مسؤولين مصريين أن التوتر ما يزال كبيرًا بين السعودية ومصر بشأن تيران وصنافير، وإن الخطابات اللازمة لإتمام عملية التسليم لمّا ترسل بعد، وأن هناك خلافًا مستمرًا داخل الإدارة المصرية بشأن نقل السيادة على الجزيرتين. وكان من المفترض أن تُنقل السيادة على الجزيرتين من مصر إلى المملكة العربية السعودية في العام 2018. لكن الاتفاق تطلب إذن "إسرائيل" لأي تغيير في وضع القوات الدولية على الإقليم، بسبب معاهدة السلام بين "إسرائيل" ومصر لعام 1979 التي تتطلب نشر مراقبين دوليين على الجزر، وفقًا لأكسيوس.
كما يتعلق النزاع على جزيرتي تيران وصنافير بكاميرات مراقبة؛ تعتزم السعودية نشرها على الجزيرتين بالتنسيق مع "إسرائيل"، إلا أن مدى الكاميرات سيكشف كامل سيناء، وهو ما يتجاوز ما تعدّ مصر مسموحًا به وفقًا لبيانات الأمن القومي.
إذ في سبتمبر/أيلول 2023، أضافت المملكة العربية السعودية رسميا جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى خريطتها، بعد سنوات من تنازل مصر عن سيادتها عليهما، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية. وهو ما أعده الكثيرون دلالة على تفاهم واتفاق على وضع أمني عام، وكذلك دخول السعودية عمليا في التطبيع؛ لأنها ستدخل بشكل أو بآخر في تفاهمات "كامب ديفيد".
إلا أن الحديث عن قواعد أمريكية في الجزيرتين هو حديث جديد بعد دخول ترامب على خط احتلال غزة، ودعوته للتهجير وتحويل غزة الى ريفييرا في الشرق الأوسط؛ لأن التواجد الأمريكي هنا يشكل صلة مباشرة بحماية احتلال غزة وتهديد سيناء وقناة السويس، ويدعم ويحمي إنشاء القناة الإسرائيلية "قناة بن غوريون" البديلة لقناة السويس.
هذا؛ وتشعر مصر بالقلق من أن تعزيز الوجود العسكري والأمني الأمريكي في المنطقة قد يؤثر على الاستثمارات الأجنبية في خليج السويس، وخاصةً تلك الممنوحة للشركات الصينية والروسية. كما تخشى أن تُقوّض هذه الخطوة الترتيبات الأمنية في سيناء، مثل انتشار للقوات المصرية وبناء نقاط أمنية جديدة في حربها ضد الإرهاب.
لعل زيارة ترامب، في هذا الشهر، إلى السعودية هي محط أنظار جميع الغرف الاستراتيجية في المنطقة، بسبب اتفاق جميع الآراء على أن الملف الاقتصادي الذي يرفعه ترامب دوما في صدارة تصريحاته ليس هو الملف الوحيد لهذه الزيارة، هناك أيضا ملف التطبيع السعودي- الإسرائيلي حاضر بقوة في الزيارة.
لعل هذا التطبيع، وفقًا لأبعاده الأمنية، يتطلب تفاهما على وضع جزيرتي تيران وصنافير، وهو ما يعطي وجاهة لهذا التسريب الخطير عن مطامع أميركا بالتمركز في الجزيرتين وما يحمله ذلك من مخاطر جسيمة على الأمن القومي العربي.
في هذا السياق؛ لا بدّ من توجيه السؤال إلى السعودية عن نواياها وماذا ستفعل بالجزيرتين؟