علاقات » عربي

الموقف السعودي بشأن فلسطين.. التقاء المتناقضين !

في 2025/07/30

(أحمد شوقي \ راصد الخليج) 

يسيطر التناقض على مواقف المملكة السعودية في إطار تعاطيها مع القضية الفلسطينية، وذلك على مستوى التصريحات السياسية والممارسات العملية، وهو ما يعد أمرًا بالغ الخطورة على المستويات الشعبية بعد وصول الأوضاع في غزة إلى مرحلة مأساوية، وبعد خطوات ضم الضفة التي بدأت تدخل حيز التنفيذ العملي.

على الرغم من تأكيد المملكة رسميًا إدانتها للعدوان على غزة وقيادتها لتحالف حلّ الدولتين، إلا أن هناك ممارسات أمنية واقتصادية تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا، ويمكن رصدها كما يلي:

أولاً- على المستوى الأمني

اعتقلت سلطات المملكة معتمرًا مصريًا لمجرد رفعه علم فلسطين وترديده هتافات تضامنية مع سكان قطاع غزة في الحرم المكي، وقد أثار اعتقاله موجة تنديد واسعة في الأوساط الحقوقية والإعلامية، وسط تحذيرات من خطورة تجريم التعبير السلمي في أقدس بقاع الأرض.

هذا؛ وقد أدان "مرصد انتهاكات الحج والعمرة" هذه الخطوة، مؤكدًا أن الكعبة ليست ملكًا لعائلة أو نظام، هي قبلة المسلمين وصرخة المظلومين، داعيًا للإفراج الفوري عن المعتمر ووقف قمع من يناصرون غزة، وقد لقي هذا البيان تضامنا شعبيًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما كانت هناك حوادث مماثلة، من بينها اعتقال حاج بريطاني في موسم الحج في العام 2023 لمجرد ارتدائه كوفية فلسطينية، وهو ما يناقض انحياز المملكة المعلن للقضية المركزية العربية والإسلامية.

ثانيا- على المستوى الاقتصادي

على الرغم من إعلان المملكة مرارًا أنها لن تطبّع مع "إسرائيل" قبل إعلان دولة فلسطينية، إلا أن هناك إجراءات اقتصادية توحي بوجود تطبيع فعلي، كما توحي بتدشين مشروعات للتطبيع في المستقبل القريب، على الرغم من عدم توفر أي ضمانات أو حتى نوايا أمريكية وإسرائيلية للتجاوب مع حل الدولتين أو الوعد بذلك.

كما رصدت التقارير الاقتصادية، مؤخرًا على سبيل المثال، قضية سفينة "فُلك الدمام" التابعة لشركة "فُلك البحرية" السعودية" المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، حين أعلنت الشركة انضمام سفينة جديدة إلى أسطولها البحري، تحت اسم "ُفلك الدمام"، والتي كانت تُعرف باسم “Vega Coligny” وتُبحر تحت علم جزر مارشال، وقد زارت موانئ إسرائيلية في أشدود وحيفا، يومي 11 و13 مايو/أيار الماضي، أي قبل يومين فقط من إعلان انضمامها إلى الأسطول السعودي.

كما أعلنت السلطات السعودية بدء تنفيذ دراسات عملية لإنشاء خطوط نقل طاقة عابرة للقارات، ضمن مشروع ضخم يهدف إلى تصدير الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة نحو أوروبا. وذلك في إطار ما يُعرف بـ"الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا"، وهو الممر الذي تكشف  الوثائق والمخططات المرتبطة به مسارات لوجستية تمر عبر الموانئ الإسرائيلية على البحر الأبيض المتوسط، خاصة ميناء حيفا، ما يجعل "إسرائيل" نقطة مرور حيوية للطاقة السعودية نحو القارة الأوروبية.

وكما رصدت التقارير وتعليقات المراقبين أن السعودية لا تُبرم اتفاق سلام علنيًا، لكنها تتعامل مع "إسرائيل" على أنها محطة عبور ضرورية، في مشاريع ذات طابع تقني وتجاري، وهو مسار مطابق لمسار الإمارات، مع الفارق أن الإمارات وقّعت رسميًا على التطبيع.

لعل المفارقة المؤسفة في ما يحدث، هو أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أكد أن الولايات المتحدة لاعب أساسي في ما يتعلق بــ"السلام"، في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) مبينًا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد نجح في هذا المضمار، وكان لانخراطه الشخصي أهمية قصوى, وذلك على هامش مؤتمر حل الدولتين في نيويورك، بينما جاء رد أميركا سريعًا، حين وصفت وزارة الخارجية هذا المؤتمر الدولي بأنه غير مثمر!

هل تظل السعودية تراهن علنًا على أميركا التي تعادي علنًا حلّ الدولتين، وتقود علنّا العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان واليمن، وهل ستظل السعودية ماضية في تطبيع الظل؟ وهل ستظل السعودية تعتقل من يتضامن مع القضية الفلسطينية على الرغم من انحيازها رسميًا لما يردّده المعتقلون؟