في 2025/12/11
يوسف حمود - الخليج أونلاين
في زيارة تحمل مؤشرات تتجاوز الطابع البروتوكولي، زار الرئيس اللبناني جوزيف عون العاصمة العُمانية مسقط (9-10 ديسمبر 2025) في ظل ظروف لبنانية دقيقة ومرحلة إقليمية تشهد تحولات متسارعة.
وبينما ظهرت الزيارة في شكلها العلني كتحرك لتعزيز التعاون الثنائي، فإن سياقها السياسي العميق يرتبط بسعي بيروت إلى استعادة التوازن في علاقاتها الخارجية بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي والاضطراب السياسي.
وتأتي الخطوة اللبنانية نحو عُمان في توقيت يشهد تراجعاً واضحاً في قدرة الدولة على مواجهة تحدياتها الداخلية من دون دعم إقليمي مباشر، وخصوصاً في ملفات تتعلق بالاستقرار الأمني وإدارة العلاقة مع القوى المؤثرة في المشهد اللبناني.
ولم يقتصر اهتمام الزيارة على تطوير مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والاستثماري، بل حمل أيضاً دلالات تتعلق بطبيعة المرحلة التي يمر بها لبنان، حيث تحاول الرئاسة الجديدة فتح قنوات تتيح تجاوز حالة الجمود السياسي، فالعلاقة بين بيروت ومسقط لم تشهد توترات في السابق، لكنها بقيت في حدود التواصل التقليدي، فيما تشكل اللحظة الراهنة فرصة لإعادة بنائها على أسس أوسع.
زيارة أولى
شهدت الزيارة الرسمية الأولى للرئيس اللبناني إلى عُمان استقبالاً بروتوكولياً كاملاً في قصر العلم، حيث حضر السلطان هيثم بن طارق مراسم الاستقبال الرسمية، قبل بدء جولات من المحادثات الثنائية التي ركزت على تعزيز الشراكة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعليم.
وعكست الأجواء الرسمية رغبة عُمانية في منح الزيارة وزناً سياسياً واقتصادياً يتناسب مع المرحلة، فيما جرت في اليوم الثاني جولة موسعة من المحادثات بمشاركة الوفدين اللبناني والعُماني، شملت بحث ملفات التعاون وآليات تطوير التبادل التجاري، وتشجيع القطاع الخاص في البلدين على استكشاف الفرص المتاحة، ولا سيما في قطاعي الطاقة والسياحة.
كما جرى التطرق كذلك إلى البرامج التعليمية والثقافية التي يمكن تطويرها بما يخدم العلاقات طويلة المدى، فيما تناول الطرفان قضايا إقليمية أبرزها الأوضاع في فلسطين وضرورة دعم الاستقرار في المنطقة، في حين ركز الجانب اللبناني على أهمية الدور العُماني في تعزيز الحوار العربي والدولي.
وأعلن الجانبان في ختام المشاورات (10 ديسمبر) الاتفاق على الإعداد لعقد الدورة الأولى للجنة المشتركة بين البلدين، وتوقيع اتفاقيات جديدة تعزز الشراكة، التي ستكون برئاسة وزيري خارجية البلدين، تهدف إلى توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
وأضاف البيان المشترك أن اللجنة ستعمل على فتح مجالات أوسع للتعاون بين القطاعين العام والخاص واستثمار الفرص المتاحة في مجالات النقل والخدمات اللوجستية والثقافة والتعليم.
حديث عون
وكان عون قال فور وصوله مسقط إن بلاده تسعى إلى فتح "آفاق جديدة للشراكة" مع عُمان تواكب التطورات في المنطقة والعالم، مؤكداً تقدير لبنان لمواقف السلطنة الداعمة له في مختلف المحافل الدولية.
وتابع: "نعتز بالعلاقات الأخوية التي تجمع لبنان وسلطنة عمان، ونتطلع إلى تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتعليمية بما يخدم مصالح الشعبين".
وأشار إلى أن سياسة السلطنة القائمة على "الحوار والتوازن وحسن الجوار" أكسبتها دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار الإقليمي، لافتاً إلى أن لبنان "يعتمد على دوره كجسر للتواصل والحوار في المنطقة، مضيفاً: "نسعى إلى فتح آفاق جديدة للشراكة تواكب التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم".
دوافع الانفتاح
تسعى بيروت عبر هذه الزيارة إلى إعادة بناء شبكة علاقاتها الإقليمية بعد أعوام من الضغط السياسي والمالي، حيث تراجعت الثقة الدولية بمؤسسات الدولة نتيجة الانهيار الاقتصادي الحاد، وتراجع الاستثمارات الخارجية، وتفكك بنية الإدارة العامة.
وفي هذا الإطار تشكل عُمان بوابة مناسبة للبنان، فهي دولة تحافظ على موقع متزن وتبتعد عن الاستقطابات الحادة، ما يتيح لبيروت فرصة للتواصل دون شروط سياسية معقدة.
كما تراهن الحكومة اللبنانية على فتح أبواب التعاون الاقتصادي والاستثماري مع السلطنة، خصوصاً في مجالات الطاقة، والتعليم، والزراعة، والسياحة، وهي قطاعات تحتاج إلى دعم مباشر لإعادة تشغيل عجلة النمو.
ويعتقد لبنان أن توسيع العلاقات الاقتصادية مع دولة مستقرة وعاقلة في سياساتها الإقليمية قد يفتح نافذة جديدة للتنويع الاقتصادي بعد سنوات من الانكماش.
وتعليقاً على هذه الزيارة يقول الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط فارس النجار: إنها "تعكس سعي بيروت إلى فتح مسار جديد في علاقاتها العربية، قائم على الشراكة الهادئة بعيداً عن الاستقطابات السياسية التي أثقلت لبنان خلال السنوات الماضية".
وأوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن اختيار مسقط "ليس خطوة عفوية، بل يعكس إدراكاً لبنانياً لطبيعة الدور العُماني القائم على التوازن والحوار، وقدرتها على التواصل مع مختلف الأطراف الإقليمية من دون حساسيات"، مشيراً إلى أن هذا النموذج "يمنح لبنان نافذة مهمة لمعالجة ملفات معقدة، سواء في الاقتصاد أو في السياسات العامة أو في علاقاته مع دول الجوار والخليج".
وسيط غير معلن
وفيما تشير وسائل إعلام لبنانية إلى أن الزيارة تحمل في طياتها أزمة "حزب الله" وتسليم السلاح، ينقل موقع "ميدل إيست أونلاين" عن دوائر سياسية لبنانية أن خطوة عون قد تكون خطوة استكشافية لطلب تدخل عُماني غير معلن.
ويلفت إلى أن الطلب "قد يُسهِم في فتح باب حوار حول مستقبل سلاح حزب الله، أو على الأقل في ضبط الانفلات الأمني والسياسي الذي تفاقم خلال الأشهر الأخيرة، بعدما دفعت الحرب بين الحزب وإسرائيل إلى اهتزاز غير مسبوق في موقع الحزب السياسي والعسكري داخل لبنان".
وينقل الموقع عن مصادر دبلوماسية لبنانية قولها إن الهدف الأساسي للزيارة يتجاوز التعاون الاقتصادي التقليدي، ليشمل فتح قناة سياسية هادئة يمكن عبرها تخفيف حدة الاستقطاب الداخلي.
وحول السؤال المتعلق بإمكان أداء عُمان دوراً في ملف سلاح "حزب الله"، يقول الباحث النجار: إن السلطنة "قد تملك القدرة النظرية على تسهيل قنوات تواصل بحكم علاقتها الجيدة مع إيران، لكن هذا الدور -إن حصل- سيبقى محدوداً ودقيقاً، لأن حل هذا الملف يتطلب توافقاً داخلياً لبنانياً أولاً، ثم استعداداً إقليمياً ودولياً لاحتضان أي تسوية".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "ما يمكن لعُمان فعله في هذه المرحلة هو توفير بيئة هادئة للحوار، وليس فرض حلول أو الضغط على طرف بعينه، لأن سياستها التقليدية ترفض التدخل المباشر في النزاعات الداخلية، وتفضّل مسار بناء الثقة بين الأطراف".
ويؤكد أن الزيارة "قد تفتح الباب لمسار دبلوماسي أطول، لكن نتائجها ستكون مرتبطة بقدرة لبنان نفسه على بلورة رؤية وطنية واضحة، والاستفادة من العلاقات التي تُعيد تثبيت موقعه في محيطه العربي".