في 2025/03/06
يوسف حمود - الخليج أونلاين
على الرغم من تحسن العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإيران في السنوات الأخيرة، فإن هناك تحديات كبيرة تعترض طريق هذا التقارب، أبرزها النزاع المستمر حول الجزر الثلاث في الخليج العربي: أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى.
وفيما تسعى الإمارات إلى حماية أمنها القومي وضمان استقرارها الاقتصادي، تبقى قضية الجزر حجر الزاوية في أي جهود للتوصل إلى تسوية شاملة.
وهذا النزاع يعد من أقدم وأعقد القضايا في العلاقات بين الدولتين، ويشكل حجر عثرة في مسار تعزيز التعاون بينهما، فهل يكون أول لقاء تشاوري سياسي بين الجانبين، بوابة لحل هذه الأزمة أم أن تلك المشاورات لن تغير شيئاً؟
لقاء مشاورات سياسية
مع تقارب تشهده علاقات البلدين وفي خضم التطورات التي تشهدها المنطقة، عقدت الإمارات وإيران، أواخر فبراير الماضي، الجولة الأولى من المشاورات السياسية، في إطار جهود تعزيز التعاون الثنائي ومناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك.
بحسب الخارجية الإماراتية، رحب الجانبان بانطلاق المشاورات، مشددين على أهميتها كفرصة لتبادل وجهات النظر وتعزيز العلاقات الثنائية، فيما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" أن الوفدين ناقشا العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية.
ونقلت عن مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، تأكيده أهمية اللجنة المشتركة للمشاورات السياسية في تعزيز التنسيق بين البلدين، معرباً عن أمله في أن تسهم الاجتماعات المنتظمة في تسريع تنفيذ الاتفاقيات الثنائية واستكشاف فرص جديدة للتعاون.
واستعرض روانجي الموقف الإيراني من القضايا الإقليمية وفق الوكالة، مشدداً على ضرورة توحيد مواقف الدول الإسلامية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
عوائق كبيرة
رغم التحسن في العلاقات الثنائية، تظل هناك تحديات كبيرة تؤثر في التقارب بين الإمارات وإيران، أبرزها التوترات الإقليمية المستمرة في المنطقة، مثل النزاع الإسرائيلي الإيراني وحروب الوكالة في عدد من الدول العربية.
كما أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تشكل مصدر قلق، ففي ولايته الأولى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، وقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، مما أحدث توترات كبيرة في العلاقات بين واشنطن وطهران.
ومع أن ترامب أشار إلى استعداده للبحث عن حل دبلوماسي بشأن الملف النووي الإيراني، فإن خطابه الأكثر تشدداً قد يعيد العلاقات إلى نقطة الصفر.
الجزر الثلاث: جذور النزاع
كما أن العلاقات بين البلدين محكومة بعديد من التحديات، وعلى رأسها النزاع حول الجزر الثلاث، التي تعود جذورها إلى أواخر عام 1971، عندما استولت إيران عليها قبيل إعلان تأسيس دولة الإمارات، مما أثار احتجاجات قوية من قبل الأخيرة التي تعتبر الجزر جزءاً من أراضيها.
وعلى الرغم من الجهود الإماراتية المستمرة لاستعادة السيادة على الجزر عبر السبل الدبلوماسية، ومن ذلك السعي للحصول على دعم دولي، فإن إيران ترفض أي تدخل خارجي في هذه القضية، مصرة على سيادتها عليها.
وتحظى هذه الجزر بأهمية استراتيجية كبيرة؛ حيث تعد نقطة محورية في مراقبة حركة الملاحة البحرية في الخليج العربي، ومن ثم فهي تؤدي دوراً بالغ الأهمية في الأمن البحري الإيراني.
تحديات بين الجانبين
يقول أنس الخطيب، الناشط والمحلل السياسي السوري المختص بالشأن الإيراني، إن مسار التقارب بين الإمارات وإيران واجه عدة تحديات، أبرزها النزاع على الجزر الثلاث الواقعة في مضيق هرمز، حيث يدعي كل من الدولتين أحقيتها بالسيطرة عليها، فيما تعتبره الإمارات احتلالها انتهاكاً لسيادتها وخطراً على أمنها.
وأضاف الخطيب أن تباين التحركات والتحالفات الإقليمية بين البلدين يعد من العوامل المؤثرة سلباً على العلاقات، خصوصاً في اليمن، حيث تدعم إيران جماعة الحوثيين، بينما تدعم الإمارات بعض الفصائل في الجنوب، وهو ما يبقي احتمالات التصادم قائمة بسبب الأجندات المختلفة.
كما أشار في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "الوضع في السودان يمثل نقطة خلاف أخرى، إذ تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، بينما تدعم إيران الجيش السوداني".
ورغم ذلك، فإن الانكفاء الإيراني نتيجة تداعيات معركة "طوفان الأقصى"، إضافة إلى الانتكاسات التي طالت نفوذها في فلسطين ولبنان، وخسائرها الكبيرة بعد سقوط النظام السوري، تسببت في تحولات داخلية جعلت طهران تبدو أكثر انفتاحاً على دول المنطقة وأقل ميلاً إلى التصعيد.
وأشار الخطيب إلى أن "هذه التحولات قد تتيح أرضية لبناء تفاهمات مع المنافسين، لكنها ليست كافية لتحقيق تطبيع كامل في العلاقات، إذ يتطلب ذلك تغييرات أعمق في بنية النظام الإيراني وتوجهاته. ومع ذلك فإن إيران تسعى لاستغلال الظروف الحالية لدفع العلاقات نحو مزيد من الاستقرار والتعاون في المجالات المشتركة"، حسب قوله.
وقال: إن الإمارات "تحتاج إلى تحقيق توازن في علاقاتها الجديدة مع إيران، خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض واستئنافه حملة الضغط الأقصى على طهران، وهي مجموعة من العقوبات التي ستحد من قدرة الإمارات على المناورة في عملية الانفتاح".
واعتبر أن ذلك سيدفع أبوظبي إلى اختبار توجهات الإدارة الأمريكية ومحاولة توسيع هامش حركتها في هذا الملف، خصوصاً أنها تعمل على بناء نوع من التوازن بين القوى الشرقية والغربية، وفق ما تسمح به الظروف.
كما أوضح أن الإمارات قد تستفيد من انفتاحها على إيران لدعم الجهود الأمريكية في معالجة الملف الإيراني عبر تقريب وجهات النظر، مشيراً إلى أن طهران ستكون أكثر تقبلاً لأي جهد إماراتي، خاصة أن الأخيرة لم تفتح مجالها الجوي لاستهداف مواقع إيرانية، خلال الأشهر الماضية.
وختم الخطيب بالقول إن الإمارات، بموقعها الجغرافي وسياستها البراغماتية، قد تصبح أحد المنافذ التي تعتمد عليها إيران للالتفاف على بعض العقوبات الدولية.
محاولات دبلوماسية
ورغم الخلافات المستمرة حول الجزر، شهدت العلاقات الإماراتية الإيرانية تحسناً تدريجياً في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل التغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة.
ففي الخريف الماضي، التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في قمة مجموعة البريكس في قازان بروسيا، في أول لقاء رسمي بين الزعيم الخليجي ورئيس إيراني.
وهذا اللقاء كان تتويجاً لمساعي التقارب الدبلوماسي بين البلدين بعد سنوات من التوتر والعداء الدبلوماسي، حيث كان الدور البارز في هذه الجهود يعود إلى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الذي قاد الجهود الدبلوماسية للتواصل مع إيران منذ أكثر من عامين.
ومنذ عام 2023، شهدت العلاقات الثنائية تطوراً ملحوظاً، إذ تم التوصل إلى اتفاقيات بشأن الطيران المدني، والشحن البحري، والتجارة، والاستثمارات، إضافة إلى التعاون في مجال إدارة العواصف الرملية والشؤون البيئية.
كما جرت زيارات رسمية على أعلى المستويات، منها زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى طهران، في يوليو 2024، حيث التقى كبار المسؤولين الإيرانيين، بما في ذلك الرئيس الإيراني ووزير الخارجية.