طه العاني \ الخليج أونلاين
شهدت العلاقات الاقتصادية بين الصين والسعودية تقدماً كبيراً، في السنوات الأخيرة، مدعومة بمجموعة من الخطوات الاستراتيجية التي تهدف إلى تعميق الروابط الاقتصادية بين البلدين.
وفي خطوة تعكس متانة العلاقات بين البلدين، أعلنت الصين خططاً لإصدار سندات في السوق السعودية، بقيمة تصل إلى ملياري دولار.
إصدار سندات صينية
يُعد هذا الإصدار الأول من نوعه للعملة الصعبة منذ سنوات، وهو ما يعكس اهتمام الصين بتوسيع وجودها الاقتصادي في المنطقة، وتعزيز شراكتها مع المملكة في مجالات التمويل والاستثمار.
وأوضحت وزارة المالية الصينية، في 5 نوفمبر الجاري، أنها تخطط لطرح سندات بقيمة تصل إلى ملياري دولار في الرياض، خلال الشهر الجاري.
وتعود آخر مرة طرحت فيها الصين سندات دولارية إلى أكتوبر 2021، كما باعت بكين سندات بقيمة ملياري يورو في باريس، في سبتمبر الماضي، وهو أول إصدار سندات مقوّمة باليورو لها منذ ثلاثة أعوام، وذلك بحسب بيانات صحيفة "بلومبيرغ"، فيما يأتي هذا الإصدار في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي بين بكين والرياض.
ومنذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية في 2022، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين توسعاً ملحوظاً.
وضاعفت إحدى أكبر شركات الصلب الصينية استثماراتها في المملكة، في حين استحوذ صندوق الثروة السيادي السعودي على حصص في شركات صينية، مثل "لينوفو"، كما تم إدراج صندوقين جديدين للمؤشرات المتداولة المرتبطة بأسهم الصين وهونغ كونغ في السوق السعودية، الشهر الماضي.
ومن جانبه يعتقد كبير الاقتصاديين المعني بمنطقة الصين الكبرى لدى "آي إن جي بنك" (ING Bank N.V) لين سونغ، أن "هذه الخطوة تحمل أهمية رمزية إلى حد كبير، وتهدف إلى تعزيز التعاون بين الصين والسعودية في قطاع الخدمات المالية"، مضيفاً أن التمويل الأقل تكلفة باليوان قد يحد من دوافع الحكومة الصينية لجمع تمويل كبير الحجم بالدولار.
وأعلن وزير المالية الصيني، الشهر الماضي، خططاً لإصدار سندات بقيمة إجمالية تصل إلى 325 مليار دولار، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في خطوة تهدف إلى دعم ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتعد هذه الخطوة جزءاً من حزمة إجراءات اقتصادية أُعلنت مؤخراً، تتضمن خفض أسعار الفائدة وزيادة السيولة في النظام المصرفي.
كما ستعمل الحكومة على رفع حدود ديون السلطات المحلية، مما سيسمح لها بزيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتعزيز فرص العمل.
وتأتي هذه السندات جزءاً من جهد متواصل لتعزيز التعاون المالي والاستثماري بين بكين والرياض، وتهدف إلى زيادة فرص التمويل المتاحة للشركات الصينية التي ترغب في التوسع داخل المملكة ودعم استثمارات السعودية في مشاريع الصين الاستراتيجية.
صدارة سعودية
ويقول الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله، إن السعودية تفوقت، مع منتصف العام الحالي، على الصين وعلى الاقتصاديات الناشئة، وصارت أكبر بائعة للسندات بين الأسواق الناشئة جميعاً، بعد أن كانت الصين في المرتبة الأولى.
ويبيّن لـ"الخليج أونلاين" أن السبب الرئيس الذي يجعل المملكة تتوالى إصداراتها من السندات المختلفة لأنها تعمل على إيجاد مصادر تمويل بديلة للمساعدة في تغطية العجز المالي المتوقع في العام الحالي، وهو نحو 21 مليار دولار، إضافة إلى إجمالي أنشطة تمويل تسعى المملكة لإيجاد مصادر لها تقدر بنحو 37 مليار دولار في إطار تنفيذ وتشريع وتطور وتنفيذ لرؤية 2030.
ويشير إلى أن السعودية تحولت إلى سوق كبير للشهادات؛ لأن الاستثمار الأجنبي المباشر لم يحقق أهدافه التي كان يخطط لها، كما تراجعت عائدات النفط بصورة ملحوظة، وأيضاً تأثرت السعودية بتخفيضات عرض النفط خلال الفترة الماضية.
ويضيف ذكر الله أن السعودية تتمتع بسمعة طيبة في سوق السندات الدولية، لذا هناك إقبال عليها من مختلف الدول، ولأن هذا الإصدار تموله الصين أو حتى أي دولة؛ فهو سعي وراء الأرباح.
ويردف: "تستخدم المملكة هذا أيضاً بهدف تنويع مصادر الحصول على التمويل المختلفة، وتوطيد العلاقات الاقتصادية مع الصين الصاعدة بقوة، وعدم الاعتماد على الأحادية في طلب التمويل".
ويؤكد ذكر الله أن هذه الأموال، سواء كانت من الصين أو غيرها، يكون هدفها الأول هو السعي نحو تحقيق الأرباح، بغض النظر عن السوق الذي ستستثمر فيه، ويكون الموضوع أيسر كثيراً إذا كان السوق ذا موثوقية عالية، كما هو السوق السعودي الذي يتمتع بفوائد مالية كبيرة.
تعزيز العلاقات الثنائية
يتجه كل من الرياض وبكين نحو تعميق شراكتهما الاستراتيجية، مدفوعتين برغبة مشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي عبر مجموعة واسعة من القطاعات.
وقد توسعت هذه الشراكة بين السعودية، أكبر مصدّر للنفط عالمياً، والصين، أكبر مستورد للنفط، لتصبح الصين الشريك التجاري الأول للمملكة، حيث أكد بيان صادر في 12 سبتمبر الماضي، في ختام اجتماع الدورة الرابعة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ نحو 48 مليار دولار حتى يونيو 2024، مع تساوي قيمة الصادرات والواردات بين الجانبين.
تطورت العلاقات بين السعودية والصين بشكل ملحوظ مع توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، وإنشاء لجنة مشتركة سعودية-صينية رفيعة المستوى، يتناوب البلدان على استضافة اجتماعاتها.
وقد أسهمت زيارة ولي العهد السعودي إلى بكين، في عام 2019، في تعزيز هذه العلاقات، حيث ترأس الجانب السعودي في الدورة الثالثة للجنة المشتركة.
إحدى الأهداف الرئيسية لهذا التعاون المالي هو دعم الاستثمارات المشتركة في مبادرات هامة مثل "رؤية السعودية 2030"، و"مبادرة الحزام والطريق" الصينية.
تضع رؤية السعودية 2030 تعزيز الشراكات الاقتصادية الدولية كجزء أساسي من تحقيق التحول الاقتصادي في المملكة، بينما تستهدف "الحزام والطريق" إنشاء شبكة من الطرق والموانئ لربط آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهو ما يجذب اهتمام الصين للاستثمار في البنية التحتية في السعودية ودول الخليج.
وتعد الصين من أكبر المستثمرين في السعودية، إذ ضخت نحو 16.8 مليار دولار في 2023، مقارنة بـ1.5 مليار دولار في 2022، فيما بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين نحو 20 مليار دولار.
كما يتزايد حجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، وخاصةً في قطاعات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والنقل، والتجارة الإلكترونية، حيث تظهر هذه المجالات إمكانات واعدة لتوطيد التعاون الاقتصادي طويل الأمد، حسب ما نقلته "العربية. نت".
ويرى الخبراء أن الصين تسعى لتقوية علاقاتها مع المملكة بما يسهم في توسيع نفوذها في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
هذا التوجه تعزز بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، في نهاية عام 2022، التي شهدت توقيع اتفاقيات استثمارية بقيمة تصل إلى 50 مليار دولار، وذلك خلال قمم سعودية وخليجية وعربية حضرها الرئيس الصيني.
علاوة على ذلك أكد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية، في سبتمبر، استعداد بلاده لتعميق التعاون في 7 قطاعات، منها الطاقة والبنية التحتية، ما يعكس التزام الصين بتعزيز الشراكة مع المملكة وتوسيع آفاق التعاون بين البلدين.
وشهد قطاع التعليم تطوراً لافتاً، حيث تم إدراج اللغة الصينية ضمن المناهج السعودية، وتوظيف 171 معلماً صينياً لتدريسها في 2024.
وعلى صعيد السياحة، أصبحت السعودية وجهة سياحية رسمية للسياح الصينيين في عام 2024، بهدف جذب أكثر من 5 ملايين سائح صيني بحلول 2030.