إيلي فودة، هآرتس العبرية - ترجمة المصدر السياسي- الخليج الجديد-
اعتبر اعدام رجل الدين الشيعي الايراني في السعودية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران في اعقاب الاعتداء على السفارة في طهران، تعبيرا عن السياسة الخارجية السعودية الجديدة، الأكثر عدوانية من أي وقت مضى، والتي بدأت مع صعود الملك الجديد سلمان الى الحكم في يناير/كانون الثاني 2015. ولكن في حقيقة الامر، فان الجديد – الانتقال من الدبلوماسية الساعية الى الاجماع في العالم العربي وفي الشرق الاوسط الى سياسة صدام مع الخصوم السياسيين والأيديولوجيين، ليس جديدا. فبدايته جاءت فور نشوب الربيع العربي في يناير/كانون الثاني 2011.
لقد مالت السياسة الخارجية السعودية التقليدية الى الاعتماد على قوة عظمى غربية – بريطانيا في البداية، والولايات المتحدة بعد ذلك – لتلبية الاحتياجات الامنية النابعة من الحدود الطويلة والسائبة، والتي تخلق مصاعب في الدفاع عن حقول النفط. وبالتوازي سعت السعودية للحفاظ على استقرار اقليمي منعا للهزات في سوق النفط. ولهذا الغرض عملت المملكة اساسا بوسائل دبلوماسية ومالية.
هذا هو السبب الذي جعل المملكة تبادر مرتين لخطة سلام لحل النزاع الاسرائيلي – العربي (مبادرة فهد في 1981، ومبادرة عبدالله في 2002، التي اصبحت مبادرة السلام العربية)، رغم ان النزاع يوجد بعيدا عن حدودها. لقد سمحت قدرات السعودية الاقتصادية بعد الانفجار النفطي في السبعينيات بان تتحدى الهيمنة في العالم العربي ولا سيما في اعقاب الفراغ الذي نشأ مع طرد مصر من الجامعة العربية بعد اتفاق السلام مع اسرائيل في 1979.
غير أن الاجتياح الامريكي للعراق في 2003، والربيع العربي الى تغيير في السياسة. فمن جهة، صعود الشيعة الى الحكم في العراق – وهي طائفة لا تعتبر شرعية في نظر الطائفة السُنية الوهابية الحاكمة في الرياض – والحرب الدينية بين السُنة والشيعة فيها، مما ادى الى نشوء تنظيمات سُنية متطرفة (كداعش)، تتعدى الدولة السعودية التي تحكمها الشريعة الاسلامية. ومن جهة اخرى، هددت ثورة الربيع العربي في الدول العربية المجاورة شرعية الاسرة المالكة السعودية. وردا على ذلك، لم تسكب فقط اموال كثيرة لشراء تأييد السكان المحليين للسلالة السعودية، بل ان الثورة الصغيرة في جزيرة البحرين المجاورة – التي عرضت للخطر هناك حكم الاقلية السنية – ادت الى تدخل عسكري سعودي في صورة منظمة دول الخليج.
لقد كانت هذه المرة الاولى منذ التدخل في اليمن في الستينيات، التي تعمل فيها قوة سعودية خارج الحدود. فالتدخل في البحرين، تحت حكم عبدالله مثل بداية التدخل السعودي في الساحة العربية: ففي الساحات الدامية الثلاثة الاخرى، ليبيا، سوريا واليمن وجدت المملكة نفسها في حالة تدخل سياسي وعسكري.
في الساحة السورية بدأت السعودية تسلح قوات المعارضة للاسد، انطلاقا من الرغبة في اضعاف ايران، التي تعتبر تهديدا ايديولوجيا (بسبب نشر الشيعية) وعسكريا استراتيجيا – وفرعها الشيعي حزب الله. ولكن التدخل السعودي الاكثر بروزا هو في اليمن. فقاعدة، ترى السعودية في شبه الجزيرة العربية مجال نفوذها، وهي تسعى الى مكانة السيطرة أو الهيمنة في هذه المنطقة. ومع ذلك، تحدت عدة جهات في ساحة الخليج بطرق مختلفة السيطرة السعودية. فمثلا، اقامة شبكة “الجزيرة” من جانب قطر، ونشاط الحوثيين – من ابناء الزيدية الشيعية المدعومة من ايران في اليمن – اعتبر في الرياض كتدخل فظ في شؤون شبه الجزيرة.
بمفاهيم عديدة، حلت ايران 2015 محل مصر 1962، التي ساعدت النظام الجمهور في اليمن ضد النظام الملكي، المدعوم من السعودية. اما الان، مثلما كان في حينه، فقد شعرت القيادة السعودية بانها ملزمة بان تبادر الى خطوة عسكرية كي تعيد النظام السابق لعبد ربه منصور هادي الى سابق عهده. ولكن ما هو الهدف المركزي للتدخل السعودي النشط؟ يخيل ان الدافع الاساس ليس الرغبة في تحقيق هيمنة اقليمية بل اعادة النظام الاقليمي الى سابق عهده قدر الامكان.
وبتعبير آخر، فان الهدف هو حماية مصالح السعودية في شبه الجزيرة العربية وفي المنطقة والحفاظ عليها، وليس توسيعها. وهكذا فان المملكة تبث للولايات المتحدة ايضا بانه خلافا لصورتها حتى الان فانها ليست “نمرا من ورق” بل لديها قدرات تسمح لها بان تشكل مثابة شرطي الخليج، مثل الدور الذي ادته ايران في السبعينيات حتى حكم الشاه. وبشكل طبيعي، فان التدخل السعودي في كل ساحات الصراع في المنطقة يجعلها زعيما محتملا للعالم العربي، في ضوء غياب البديل الحقيقي من جانب مصر، العراق وسوريا – والتي تنشغل كلها في شؤونها الداخلية.
يفيد التاريخ بان السعودية امتنعت عن اخذ هذا الدور لنفسها، بينما مصر – حتى في اوقات الضائقة – لم تسارع للتخلي عنه. وبالفعل، تقف المملكة امام معضلة صعبة. فالهبوط الحاد مؤخرا في اسعار النفط من شأنه ان يمس بقدرتها على ان تبث قوة خلف حدودها. فقد أدت الواقعية الواعية لاصحاب القرار في الماضي الى تبني سياسة خارجية غير مغامرة، ولكن التحديات الخطيرة التي تقف امامها السعودية من شأنها ان تؤدي الى تدخل سعودي نشط حتى في عصر المراوحة الاقتصادية في المكان.