دول » السعودية

"طنطنة" اليوم الوطني الـ 94

في 2024/09/20

(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)

يعرّف القاموس المحيط، لواضعه الإمام اللّغوي مجد الدين الفيروزآبادي، كلمة "طنين" بأنها: "صوتُ الذُّبابِ والطَّسْتِ، ورجل له طنين أي كثير الكلام والصخب". في الواقع هي كلمة مفتاحية سحرية لفهم ما يجري في العيد الوطني الـ 94 للمملكة العربية السعودية، من خطوة البداية العجيبة المفلسة، بإعلان هيئة الترفيه لصاحبها تركي آل الشيخ هوية اليوم الوطني الـ94 تحت شعار "نحلم ونحقق". وهو شعار ذاته للعيد السابق وهويته. ومن اللافتة إلى المتن؛ قالت هيئة الترفيه نصًا عبر موقعها الإلكتروني: "وهذا العام يحلّ اليوم الوطني في ظل إنجازات غير مسبوقة، تحققت على مختلف الأصعدة تقارب الأحلام"..! في سياق سعي المملكة لتنفيذ مستهدفات رؤية 2030، تحل كلمة طنطنة محل الوطنية لوصف واقع الحال الذي صار يعزّ على أكثر أصحاب الخيالات تشاؤمًا وسوداوية.

ما أعلنته هيئة الترفيه من برامج صاخبة –حتى اللحظة- مثير للغثيان أكتر منه للغضب.. برامج تبنت البذخ المترف بتكاليف مليارية، ثم احتفالات تمتد أيامًا في كل المدن السعودية، وكأنّ الحفلات والمهرجانات صارت هي "عقيدة المملكة" الجديدة، إذ أقامت خلال العام الحالي الهيئة غير الموقرة نحو 100 فعالية ترفيهية، وكأنّ هذا البلد قد أنهى تمامًا مشكلاته وأزماته واستحقاقاته القريبة والبعيدة، ثم لم يعد أمامه إلا الاحتفالات الجنونية كل يوم، وبأي مناسبة.

لكن إذا كانت الاحتفالات باليوم الوطني تعني مباشرة "المواطن"، فما الذي يمكن أن نصنّف به أحواله وظروفه ومخاوفه وآماله؟!

هناك؛ أولًا الدور الإقليمي للمملكة السعودية، وهو دور كان كبيرًا وذا تأثير ونافذًا، اليوم ومع تسليم ولي العهد محمد بن سلمان للولايات المتحدة مفاتيح القرار كلها، بظنٍ واهم أنّ دخوله تحت مظلة الحماية الأميركية عسكريًا وأمنيًا، يعدّ نصرًا من نوع ما، حيث تخلّت المملكة عن أي دور عربي وأي تدخل في أزمات المنطقة، ولو على سبيل ذر الرماد في العيون، رهانًا على التطبيع القادم مع كيان الاحتلال..

عند هذه النقطة؛ يمكن الحكم على تلك الفكرة العطنة المنحرفة، فالمهزوم الأول في معركة "طوفان الأقصى" هي الأنظمة العربية التي باعت روحها للشيطان الأميركي، مقابل ما ظنّت أنه صفقة رابحة على طريقة "فاوست"، لكنّ في النهاية لن تجد إلا الجحيم.

أما عن الوضع الداخلي في المملكة، وما يقال إنه الإنجازات العظيمة على المستويات كلها، فتكفي نظرة واحدة إلى سيول المدينة المنورة التي فشلت -كالعادة- الحكومة في التنبؤ بها، ثم تأخرت في التعامل معها، ثم تركت الناس لمصيرهم حين شعرت بالعجز أمام الفضيحة. و"حي الشهداء"، أحد أفقر أحياء المدينة" شهد المأساة المروعة كاملة، حيث غمرت مياه الأمطار معظم شوارع الحي، وجرفت السيارات وتعطلت الحياة أو توقفت تمامًا مع الإهمال والتراخي من السلطات.

أين هي إنجازات البنية التحتية التي قدمها ابن سلمان؟ أكثر أماكن العالم قدسية وجلالًا يشهد غياب الخدمات العامة حتى أبسطها.. ثم إذا كان حال المدينة المقدسة هكذا، فكيف الحال في بقية مناطق المملكة، بعيدًا عن مسارح جدة وبوليفارد الرياض ومنتجع العلا؟ وأين تطوير الأحياء القديمة والفقيرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة من أولويات الإنفاق السعودي؟ أو ليست البقعة الطاهرة وبيوت المسلمين أولى من بيوت السلاح الأميركية التي حصدت 75 مليار دولار من خزينة المملكة؟

ما يهمّ كلّ المجتمع السعودي، سواء أكان ذلك في اليوم الوطني أم في غيره، هو حلّ مشكلة المشكلات وأزمة الأزمات والقنبلة الصامتة في كل أسرة، وهي أزمة "البطالة" وتفاقمها، خصوصًا مع فشل برامج "صندوق تنمية الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية"، وبالأخص مع إنفاق نحو 8.7 مليارات ريال، 2.3 مليار دولار، على مشروعات هلامية خائبة. 

هذه هي الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، في نشرة سوق العمل عن الربع الرابع من العام 2023، أكدت أن نسبة البطالة تراجعت إلى 7.7% بانخفاض قدره 0.9% عن الربع الثالث والبالغة 8.6%"، وإذا ما صدقنا الأرقام فنحن أمام مصيبة، أما إذا كانت الأرقام كاذبة –كالعادة- فنحن أمام مأساة.