يوسف حمود \ الخليج أونلاين
شهدت السنوات الأخيرة تزايداً للاستثمارات الخليجية في أفريقيا، خاصة من السعودية، وذلك بدافع رؤاها المستقبلية التي تركز على التصنيع وحاجتها إلى المعادن وتعزيز الأمن الغذائي الخليجي في أعقاب الحرب الأوكرانية وتأثيرها على تدفق الحبوب الغذائية.
وتقدم القارة الأفريقية فرصاً كبيرة، سواء في مشروعات الطاقة أو البنية التحتية أو الاستثمار العقاري أو المشروعات السياحية أو غيرها، في حين قامت العديد من دول أفريقيا بتطوير تشريعاتها ونظمها لتكون أكثر ملاءمة للمستثمرين، وإزالة الكثير من المعوقات التي كانت تحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أفريقيا.
وتحت مظلة معادلة الاستثمار الجريء دخلت المملكة العربية السعودية عبر القطاع الخاص في إطار خططها لتنويع الاقتصاد واستثمار عائدات النفط بشكل يوصلها إلى مرحلة ما بعد الطاقة الأحفورية، من خلال الاستثمار في أفريقيا، ووضع موطئ قدم لها في القارة السمراء، وسط نشاط دولي وإقليمي محموم للتوسع فيها.
25 مليار خلال سنوات
تصريحات حديثة أطلقتها السعودية، أكد فيها وزير المالية، محمد الجدعان، أنه من المتوقع أن تبلغ استثمارات القطاع الخاص السعودي في أفريقيا نحو 25 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
وفي كلمة له خلال القمم الاستباقية لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار التي عُقدت في الرياض (28 أكتوبر 2024)، أكد الوزير السعودي أنه يجري العمل حالياً على تنفيذ ما قيمته 5 مليارات دولار من هذه الاستثمارات في الجانب الأفريقي.
وأوضح أن بلاده تؤمن بأن "دور أفريقيا أساسي في مواجهة التحديات العالمية، وشراكة المملكة معها تنمو بشكل متسارع"، مضيفاً: "علاقة المملكة بالقارة الأفريقية تاريخية قائمة على الثقة والاحترام والالتزام بتحقيق الازدهار المشترك لشعوبنا".
وأضاف أن "قارة أفريقيا مصدر رئيس لتصدير الطعام والغذاء لجميع أنحاء العالم إذا استفيد من إمكاناتها"، مؤكداً أن بلاده تعمل مع المؤسسات الدولية لدعم القارة، "كما نلتزم بالعمل لإيجاد حلول لأزمة ديون الدول الأفريقية".
أرقام كبيرة
في المؤتمر ذاته قال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، إن المملكة ستعمل مع أفريقيا لخلق فرص جيدة مع المستثمرين، مبيناً أن السعودية لديها استثمارات ومساعدات تنموية بالمليارات في القارة الأفريقية، وقد تمت زيادتها إلى 45 مليار دولار تقريباً لتصل إلى غالبية الدول فيها.
فيما كان رئيس مجلس الأعمال السعودي التونسي، عمر العجاجي، قد ذكر في مقابلة مع قناة "الشرق بلومبيرغ" السعودية (يوليو 2024)، أن حجم استثمارات المملكة في القارة الأفريقية تجاوز 50 مليار دولار.
وكشف العجاجي أن مستثمرين سعوديين يعتزمون إقامة مستشفيات ومنشآت طبية وتعليمية في غانا، وأضاف: "بدأنا مؤخراً الاستثمار خارج المملكة بتطوير مستشفيات أو في تشغيل مستشفيات حكومية في دول أفريقية، وهذا ما نحن بصدد إبرام اتفاقيات حوله بالأسابيع المقبلة في غانا".
ولدعم خطوات استثماراتها في القارة السمراء، وقع تحالف مستثمرين سعوديين بالعاصمة جيبوتي (4 يونيو 2024)، عقداً لإنشاء أكبر مدينة لوجستية سعودية بالمنطقة الحرة في ميناء العاصمة بمساحة 120 ألف متر ولمدة 92 عاماً.
وتوفر المدينة اللوجستية وصول المنتجات والصادرات السعودية إلى كل دول القارة عبر ميناء جيبوتي؛ لكونها بوابة لأفريقيا، ونقطة مهمة للتبادلات الاقتصادية والتجارية على الصعيدين الأفريقي والعالمي.
تعزيز المنافع
يقول الباحث الاقتصادي أحمد عيد إن المملكة العربية السعودية "تسعى بشكل فاعل إلى تعظيم وتعزيز منافعها الاقتصادية من خلال فتح سبق وآفاق الاستثمار الخارجي".
ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن ذلك يأتي ضمن "سعيها لبناء سياسة خارجية أكثر قوة تجاه القرن الأفريقي في النواحي الاقتصادية والسياسية وأطر الاستراتيجية الأمنية".
وأضاف: "تضع المملكة العربية السعودية لسياستها الجيوبوليتكية والاستراتيجية أولوية كبيرة في ميادين القرن الأفريقي، لما تمثله من أهمية للأمن الغذائي السعودي، كما أنها تشكل أهمية كبيرة في سبيل تحقيق مصالحها على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني الاقتصادي".
ولفت إلى أنه "وعلى إثر تنامي التهديدات الأمنية والتطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة والمحيط الإقليمي، وما تعاني منه معظم بلدان القرن الأفريقي من مشاكل داخلية، استثمرت السعودية الأوضاع في تلك البلدان وتقدمت للحصول على الفرص الاستثمارية".
ويوضح: "تلك الاستثمارات تمثلت في عدة مجالات، كالتعدين والزراعة والصناعة وإنتاج الطاقة"، مؤكداً أن ذلك جاء بسبب "وجود بيئة خصبة للاستثمار الاقتصادي متمثلة بوفرة اليد العاملة والمواد الأولية الداخلة في عمليات الإنتاج".
وتابع: "ذلك الاستثمار يأتي بمشاركة الأصول المالية مع شركة أمريكية لتوسعة النفوذ الاقتصادي الذي سيزيد من فرص التوسع السياسي والأمني والعسكري".
أبرز الاستثمارات
ويبدو أن السعودية مستعدة لضخ مليارات الدولارات لاستغلال المعادن، حيث تتجه الأنظار إلى أهم 3 دول أفريقية منتجة لها، في إطار وفرة المعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة في القارة السمراء وتنوُّعها وجودة مواردها.
وكان تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية (10 سبتمبر 2023)، كشف عن وجود مباحثات تجريها كل من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية للحصول على المعادن من أفريقيا؛ وذلك لمساعدتهما على التحول في مجال الطاقة.
الصحيفة أشارت إلى أن مشروعاً سعودياً تدعمه الحكومة سيشتري حصصاً في أصول تعدينٍ قيمتها 15 مليار دولار في دول أفريقية، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا وناميبيا، مما يسمح للشركات الأمريكية بالحصول على حقوق شراء بعض الإنتاج.
وتمثل جمهورية الكونغو إحدى أغنى الدول من حيث الاحتياطيات المعدنية الحيوية، ولديها القدرة على أن تصبح مركزاً منافساً للتعدين على مستوى العالم، حيث تحتوي على 70% من احتياطيات الكوبالت، وهو معدن رئيس لإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات.
وتمتلك الكونغو أكبر منجم ينتج ما يصل إلى 95 ألف طن من ذلك المعدن، أو ما يقرب من 41% من الإنتاج العالمي.
كما يستعد القطاع الخاص في السعودية لضخ نحو 15 مليار دولار في مصر، والتي تشمل قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة والتطوير العقاري، والسياحة إضافة إلى استثمارات في القطاع التقني، وفق اتفاقيات وقعت منتصف أكتوبر 2024.