(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بالتزامن وفي التوقيت نفسه، نظمت المملكة العربية السعودية مؤتمرين. أحدهما خاص بالمال والاستثمار وهو المنتدى الاستثماري السنوي المعروف بمنتدى "دافوس الصحراء"، كما نظمت مؤتمرًا لما يعرف بالتحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين. واللافت أن السعودية فصلت بين المؤتمرين بالرغم من عوامل الارتباط الكبرى الجيوسياسية والاستراتيجية بينهما.
لقد اختتمت في 31 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أعمال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في نسختها الثامنة، تحت شعار " أفق لا متناهٍ.. الاستثمار اليوم لصياغة الغد"، بحضور ومشاركة دول وقادة وﻛﺒﺎر اﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺮﻳﻦ واﻟﻤبتكرين إﻟﻰ جانب رؤﺳﺎء اﻟﺸﺮﻛﺎت الدوﻟﻴﺔ وأﺑﺮز ﺻﻨﺎع اﻟﻘﺮار ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎلم.
بحثت ندوات المنتدى استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات العالمية ودور أفريقيا في الاقتصاد العالمي، وتعزيز دور المرأة في المناصب القيادية والهياكل الداخلية والجوانب العملية للاستثمارات. وقالت الجهة المنظمة إن المبادرة تستقطب في نسختها هذا العام نحو خمسة آلاف ضيف و500 متحدث، يمثلون شركات وأقطاب كل من "وول ستريت" و"وادي السيليكون"، في وقت تتقلص فيه السيولة في مناطق أخرى من العالم، خصوصًا في الصين.
كما كان لافتَا غياب المسؤولين الكبار في السعودية عن حدث الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة ولبنان، بما تتضمنه من مجازر ونذر للإنزلاق لحرب كبرى بالمنطقة. وهذا ما لفت نظر وسائل الإعلام الكبرى مثل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، والتي قالت إنه عندما اعتلى كبار المسؤولين السعوديين المنصة في المنتدى الاستثماري السنوي الفاخر للمملكة، هذا الأسبوع، لم تكن هناك تقريبًا أي إشارة للحرب التي تزعزع استقرار المنطقة منذ أكثر من عام.
إلى ذلك؛ قالت الصحيفة إن تعليمات عليا بدا أن صدرت من الديوان الملكي لتغييب أحداث غزة عن فعاليات المنتدى وتجاهل مأساة الفلسطينيين، وبدلًا من ذلك، سعى القادة الخليجيون لطمأنة المستثمرين والسياسيين الأجانب بأنّ النزاعات في غزة ولبنان لن تعرقل الأعمال التجارية مع القوى الاقتصادية في المنطقة. وأشار وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، خلال كلمته إلى معاناة الناس وتأثير الصراع على الشحن في البحر الأحمر. لكنه أكد أنّ: "الرياح المواتية أقوى بكثير من الرياح المعاكسة"، في إشارة إلى مستقبل الاقتصاد الخليجي.
بالتزامن وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، استضافت العاصمة السعودية الرياض ، وعلى مدار يومين، اجتماعًا رفيع المستوى للتحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين، يضم دبلوماسيين ومبعوثين من عدة دول ومنظمات إقليمية ودولية، لتقديم جدول زمني محدد لبناء وتنفيذ الدولة الفلسطينية وحلّ الدولتين وتقديم خطوات عملية لدعم الجهود الأممية ومساعي السلام، وذلك لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الاحتلال.
هذا الاجتماع عقد بمشاركة مجموعة الاتصال الوزارية لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي، بالإضافة للنرويج. وقد أعلن عن هذا التحالف في سبتمبر/أيلول الماضي، ممثلًا للدول العربية والإسلامية والأوروبيين، والبالغ عددهم 149 دولة، حيث اتفق الجميع على إيجاد موقف لحلّ الدولتين. واشترط وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في كلمته الافتتاحية، إقامة الدولة الفلسطينية للمضي قدمًا في قضية التطبيع مع "إسرائيل"، مشيرًا إلى أنّ دولًا كبيرة عدة بدأت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وأن المساعي جارية للاستمرار باعتراف باقي الدول.
السؤال، هنا، هو عن التزامن بين الاجتماعين، وهل عُقد اجتماع تحالف حل الدولتين لتسويغ تجاهل المنتدى الاستثماري لحرب الإبادة في غزة ولفصل المسارات نوعًا من رفع العتب على السعودية التي تعقد استثمارات كبرى مع شركات وول ستريت الداعمة للعدوان على غزة، ونوعًا من إبراء الذمة السعودية بأنها تسعى إلى حلّ الدولتين، وأنّها معنية بالقضية الفلسطينية؟
السؤال الآخر، هل هذا التحالف الساعي لحلّ الدولتين يتخطّى نطاقه النطاق الدعائي؛ وهل بالفعل يممتلك أدوات ضغط سياسية، وهل قدّم جديدًا يتلاءم وما تقوم به "إسرائيل" من مجازر وتصفية للقضية وتجاهل للقرارات الدولية والقانون الدولي برمته؟
السؤال الثالث: هل قام المنتدى بالإشارة إلى أمريكا التي قدمت أكثر من فيتو لعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما ينظم المنتدى الاستثماري الموازي والمتزامن فرص استثمارات كبرى مع الشركات الأمريكية؟
كلها تساؤلات تؤدي الى نتائج بائسة ويائسة من الاصطفاف العربي مع القضية المركزية ومواجهة العدوان التاريخي غير المسبوق لتصفية القضية، ويعكس أيضًا، عدم استيعاب لطورة الأوضاع ومساراتها نحو انزلاقات خطيرة ونذر حرب شاملة في المنطقة.