(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بعد الضجة الإعلامية الكبرى التي أثارها عرض أزياء بالمملكة العربية السعودية بسبب طواف العارضات بمجسم يشبه الكعبة المشرفة، وبعد النفي السعودي الذي جاء على لسان هيئة مكافحة الإشاعات السعودية التي قالت إن الفيديوهات المتداولة مجتزأة من فيديو أقدم، يظهر حفلًا يحتوي على أربعة شاشات عرض تفاعلية متصلة بالسقف يعود لافتتاح نزال ملاكمة في الرياض في تشرين الأول/أكتوبر 2023 في ملعب "المملكة أرينا"، بينما عرض أزياء إيلي صعب كان عبارة عن مرايا زجاجية شفافة لا علاقة لها بالكعبة، برزت قضية أخرى ربما يصعب نفيها أو الدفاع عنها وتتعلق بانتشار المشروبات الكحولية في المملكة.
هذه المرة؛ طرحت القضية في صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق لها تناول أساليب تحايل السلطات السعودية لبيع المشروبات الكحولية في بلاد الحرمين. فقد تناولت الصحيفة ما أسمته "الباب الخلفي للمشروبات الكحولية المهربة لرجال وول ستريت وغيرهم من رجال الأعمال في أثناء زيارتهم المملكة، ومن دون قيود".
هذا؛ وكشف المراسل المالي لنيويورك تايمز روب كوبلاند أن السعودية مستعدة لتجاوز حظرها الرسمي على الكحول وما وصفه بالانحناء لتلبية رغبات ضيوفها من رجال الأعمال. ونشر التحقيق، نقلًا عن العديد ممن قاموا برحلات إلى الصحراء بسيارات الدفع الرباعي، أن الخمر كان متاحًا بسهولة في المجمعات الخاصة للعائلات المحلية البارزة والمستثمرين المرتبطين بالحكومة.
كما تفاخر أحد أصحاب رأس المال المغامر بأنه بقي في حفلة يشرب الشاي بحليب الإبل الفاتر في أكواب ذهبية حتى منتصف الليل ، عندما فُتح باب جانبي بشكل كبير ليكشف عن حانة مليئة بالموظفين الذين يقدمون جرعات الويسكي.
هذه القضية الخطيرة والغريبة على ثقافة المملكة لم تعد جديدة، فقبل عدة أشهر، كشفت مجلة إيكونوميست الدولية واسعة الانتشار أن السعودية بصدد توسيع دائرة متاجر بيع الكحول بأوامر من ولي العهد محمد بن سلمان. وقالت المجلة إن فتح متجر لبيع الكحول للدبلوماسيين الأجانب، في المملكة مؤخرًا، يعتقد بأنه مقدمة للسماح بالكحول في مواقع محددة، مثل المنتجعات الفاخرة في البحر الأحمر.
هذا الأمر أثار حفيظة الكثيرين، لأنه، وبعد أكثر من 7 عقود من منع الخمور في المملكة، قام ولي العهد محمد بن سلمان بالسماح ببيعها علانية في المملكة، حيث بدأ بالسماح بالبيع للدبوماسيين الأجانب، وهي بمثابة خطوة أولى ستسمح بانتشاره بشكل كامل.
جدير بالذكر، أنه في العام 1952 أصدر الملك عبد العزيز قرارًا بمنع دخول الخمور للمملكة بأي طريقة حتى لغير المسلمين المقيمين فيها، وتوعّد بعقوبات للمخالفين. وبقي القرار ساريًا مدعومًا بفتاوى دينية، مثل فتوى الشيخ ابن عثيمين الذي أكّد بأن من يعطي رخصة لبيع الخمر في بلاد المسلمين فهو مستحل له، فلو رأى أنه حرام ما فعل هذا، ومن استحل الخمر فهو كافر. كما خصصت الحكومة جوائز للمواطنين الذين يبلّغون عن متعاطي الخمور من الأجانب والمروجين لها، وقامت هيئة الأمر بالمعروف بضبط وملاحقة مصانع الخمور وبائعيها.
حتى وقت قريب؛ كانت حيازة الخمور وشربه من غير المسلمين يعدّ جريمة في المملكة يعاقب عليها القانون، وعلى سبيل المثال، اعتقل بريطاني في العام 2015 بتهمة حيازة خمور منزلية الصنع، وكانت عقوبتة هي 360 جلدة، وهو ما أثار أزمة سياسية مع بريطانيا التي أعلنت وقتها الانسحاب من اتفاق مع مصلحة السجون السعودية بقيمة 8.97 مليون دولار.
كذلك في العام 2017، تحدث ولي العهد لمجلة بلومبيرج قائلا إنه: "في نيوم؛ سيكون هناك قوانين مختلفة، وسنطبق ما نسبته 98% من المعايير المُطبقة في المدن المشابهة، ولكن لن نطبّق نسبة 2% المتبقية مثل المشروبات الكحولية، وإذا رغب الأجنبي بتناول المشروبات الكحولية، فيمكنه الذهاب إلى مصر أو الأردن".
لكن الوقائع كانت مختلفة بعد هذه التصريحات، حيث دشّنت عدة حملات إعلامية بدت أنها تمهّد تدريجيًا لقبول المجتمع لوجود المشروبات الكحولية، حيث قامت حملات دشنتها مجموعة MBC، بتكثيف الحديث عن الخمور وجدوى تحريمها وبيعها بالخفاء، وعن أضرار الخمر المغشوش الصحية، ثم سمح بفتح ما يسمى "البارات الحلال"، والتي تقدم خمور تحتوي على كحول بنسبة 40%، تحت مسمى "الخمر الحلال".
هذا؛ وقد بلغت خطوات التمهيد ذروتها في العام 2020، عندما نشر حساب "استطلاع السعودية" وهو حساب تابع للديوان، سؤالًا يقول: "ما رأيك بالسماح ببيع المشروبات الكحولية في المملكة من خلال الأسواق الحرة في المطارات الدولية فقط؟".
لكن في العام 2021، قال الرئيس التنفيذي لشركة نيوم القابضة جوزيف برادلي/ إنه لا يستطيع تأكيد إن كان القانون سيسمح بالمشروبات الكحولية، لكنّ الجميع يفهم أن المدينة تسعى لجذب السياح والمواهب الأجنبية المختلفة، وهو ما عدّه الكثيرون إشارة مبطّنة بأن نيوم ستكسر قوانين حظر الخمور. وفي العام 2022، قامت صحيفة “وول ستريت جورنال” بتسريب صورة لمخطط منتجع سندالة في البحر الاحمر، وهو داخل مشروع نيوم، يظهر تقديم الخمور للزوار في تأكيد واضح على تخطيط النظام لتقديمه مستقبلً، وتلا ذلك ما كشفته رويترز عن السماح بافتتاح أول متجر للخمور في المملكة يقدّم خدماته للدبلوماسيين الأجانب.
كما نقلت شبكة CNBC الأمريكية عن أحد مستشاري الديوان الملكي بأن إقرار بيع الخمور للدبلوماسيّين هو الخطوة الأولى للسماح ببيعه خارج السفارات الأجنبية، جزءا من حملة الحكومة الأوسع لتحرير المجتمع وجذب المزيد من السياح.
كما قالت المملكة العربية السعودية، في كانون الأول الماضي، إنها ستفتح متجرًا في الرياض لبيع المشروبات الكحولية لمجموعة مختارة من المغتربين غير المسلمين. وهو أول متجر من نوعه منذ أكثر من 70 عامًا، وسيقتصر العملاء على الموظفين الدبلوماسيين الذين كانوا يستوردون الخمور لسنوات في عبوات رسمية مغلقة تعرف باسم الحقائب الدبلوماسية.
وكما قلنا إن السعودية كانت تسمح بتناول المشروبات الكحولية حتى العام 1952، لكن الأمر تغير بعد إطلاق الأمير مشاري بن عبد العزيز آل سعود النار على سيريل عثمان نائب القنصل البريطاني في جدة، في العام 1951 لرفضه أن يصب له مشروبًا آخر خلال إحدى المناسبات. وبعد مرور عام على هذه الحادثة، فرض الملك عبد العزيز حظرًا كاملًا على المشروبات الكحولية، وأُدين مشاري بالقتل.
فهل تعود السعودية إلى ما قبل 1952 لأسباب اقتصادية تتعلق بالسياحة والاستثمار بعد أن منعتها لأسباب سياسية دعمتها بفتاوى وصبغة دينية للمملكة، وهل تخلت المملكة عن وجهها الديني علانية، وهل سيقبل المجتمع بذلك؟