في 2025/02/11
رياض معسعس - القدس العربي
بعد قنبلة ترامب «العقارية» في تصريحه «الإمبريالي» بنيته شراء غزة وتحويلها إلى « ريفييرا» وأن دولة عربية غنية ستقوم بالتمويل (ويقصد السعودية) وكأن غزة التي دفعت انهارا من دماء أبنائها للدفاع عن أرضها هي قطعة أرض لا مالك لها، وسكانها عبارة عن مهاجرين يجب ترحيلهم إلى دول عربية مجاورة، كما يرحل المهاجرين غير الشرعيين في أمريكا إلى دول أمريكا الجنوبية وغوانتانامو، وجاء تصريح رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو باقتراحه الوقح بإقامة دولة فلسطينية في المملكة العربية السعودية ردا على موقف المملكة الثابت بحق الفلسطينيين ببناء دولتهم على أراضيهم في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، ليزيد من مشهد الإمبريالية الصهيو ـ أمريكية وضوحا.
فأفكار عودة الاستعمار والاستيلاء على أراضي دول أخرى لا عيب فيه إذا قامت به أمريكا وإسرائيل فأراضي العرب مشاع ويمكن احتلالها بالقوة والبلطجة وخارج أي قانون دولي وإنساني، في الوقت الذي تفرض عقوبات على روسيا لاحتلالها أراضي في أوكرانيا، وتضخ مئات المليارات في دعم أوكرانيا للدفاع عن أراضيها. وهذه التصريحات الاستعمارية لم يكن لترامب ونتنياهو التفوه بها لولا الضعف العربي، من جهة، والموقف الدولي من جهة أخرى، ولم يأت من فراغ فأطماع أمريكا وإسرائيل في السعودية كبيرة وليست بنت الساعة. فترامب قالها بالفم الملآن بأن على المملكة ضخ مليار دولار في استثمارات سيادية في أمريكا، ويطلب منها تمويل مشروعه العقاري في غزة، وتمويل تهجير الفلسطينيين بدعم الأردن ومصر بالأموال الكافية لاستيعابهم في مشروع نكبة أشد خطورة من نكبة 48. أما إسرائيل فهي تواقة للتطبيع مع السعودية طمعا بملياراتها، تصريح نتنياهو بإقامة دولة فلسطينية على أراضيها يأتي تكملة لمسار أسلافه من زعماء بني صهيون في أطماعهم في بلاد العرب بشكل عام والمملكة بشكل خاص.
كل حدث تاريخي ولو مرت عليه أيام وسنون يمكن أن يمثل مادة مثيرة للجدل، أو لمطالب ما، أو إثارة لحرب جديدة، فبعد نشر كتاب العودة إلى مكة للمؤرخ الصهيوني دينيس أفي ليبكن الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بات حديث وسائل التواصل والإعلام وخاصة في دولة الاحتلال. وجاءت عملية «طوفان الأقصى» ونشر خريطة حدود إسرائيل المزعومة التي تضم مساحات واسعة من منطقة الشرق الأوسط، وتصريح رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط، وتصريحات وزرائه بتسلئيل سموترش الذي صرح مؤخرا «بضم الضفة الغربية» والوزير إيتمار بن غفير «ببناء مستوطنات في غزة» لتزيد في القضية بعدا آخر خاصة وأن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الذي قام بالتوقيع على سيادة إسرائيل على الجولان السوري، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وشراء غزة، وضم الضفة الغربية فيما بعد، يعطي اليهود الصهاينة أملا جديدا في التوسع على حساب الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام. الكاتب الصهيوني آفي ليبكن زعم أن حدود إسرائيل ستمتد من لبنان إلى مكة والمدينة، ومن النيل إلى الفرات» ويقول: «ما أراه هو عودة بني إسرائيل إلى مكة والمدينة وجبل موسى» انطلاقًا من مبدأ: «استعادة أرض بني إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لجزيرة العرب» فتصبح بزعمه: «العودة إلى مكة، أرض الميعاد» ويقوم هذا الادعاء على أن يهود بني قريظة ويهود خيبر وبني قينقاع وبنو النضير كانوا يعيشون في مناطق في الجزيرة العربية ومنها خيبر ويثرب، وهذا الادعاء ليس جديدا في واقع الأمر. إذ كانت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير قالت عندما وقفت في خليج نعمة في شبه جزيرة سيناء بعد حرب حزيران: «إنني أشم رائحة أجدادي في خيبر ويثرب» وقال وزير الحرب موشيه دايان عندما دخل باحات الأقصى بعد الحرب: «هذا هو يوم خيبر لقد وصلنا أورشليم ولا يزال أمامنا يثرب». وتنشط مراكز أبحاث إسرائيلية متخصصة مثل: «ديان» و«جافي» «شلواح» فكر حركات يهودية في إسرائيل مثل «شاس» و«المفدال» الذين يتطلعون لخيبر ويقومون بإعداد خرائط للتشكيلات القبلية اليهودية في أراضي الجزيرة العربية، وتقوم بنشرها صحف إسرائيلية وتركز على حصون مدينة خيبر التي فتحها المسلمون في العام 628 (7 هجرية) في غزوة خيبر بعد أن شهر اليهود معاداة الإسلام وتحالفوا مع قبائل أخرى لمواجهة المسلمين، وحاولوا تسميم النبي محمد (ص). ومن هذا المنطلق عادت مجموعات يهودية متدينة للادعاء حول «ممتلكات يهودية» في المملكة العربية السعودية.
كشف الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين خلال مقابلة على قناة «روسيا اليوم» عن تقرير أعدته لجنة سرية تم تأسيسها لإحصاء ممتلكات اليهود في الدول العربية. وأشار إلى أن التقرير يتحدث عن أكثر من 200 مليار دولار، طالبت بها إسرائيل كتعويضات عن الممتلكات الخاصة، التي قال إن 10 دول عربية صادرتها (وهي العراق، وسوريا، وتونس، والمغرب، ومصر، والجزائر، واليمن، والأردن، ودول الخليج العربي، خصوصاً السعودية والبحرين، المسؤولة عن تهجير مليون و430 ألف يهودي من العالم الإسلامي، منذ عام 1948حسب صحف إسرائيلية، وتفوه ترامب مؤخرا بتصريحات خطيرة قال فيها «على ملك المغرب أن يقدم اعتذارا للجالية اليهودية وتعويضها عن استغلال ممتلكاتها ووصفه بأنه الرجل غير المناسب لحكم المغرب وأنه أداة بيد قوة عالمية تستغله»).
وهذه العملية هي تمهيد لوضعها على طاولة المفاوضات الدولية في حالة مطالبة دولة الاحتلال بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن تهجيرهم منذ حرب النكبة. وتُقدَّر صحيفة «جيروزالم» الإسرائيلية قيمة العقارات المملوكة لليهود في الأراضي العربية بنحو 120 ألف كيلومتر مربع، وتُقدَّر قيمتها اليوم بنحو 15 تريليون دولار.
هذه الادعاءات لدولة الاحتلال، وتصريحات ترامب لا تخرج عن إطار ادعاءاتها الباطلة في احتلال الأراضي الفلسطينية، ففيما يتعلق باليهود في الجزيرة العربية فهؤلاء كانوا من قبائل عربية من اليمن هاجرت إلى الجزيرة وليسوا من بني إسرائيل، وسكنت يثرب وخيبر واعتنقوا الديانة اليهودية، كاعتناق قبائل الغساسنة العربية الديانة المسيحية. ويهود بني قريظة، وخيبر هم القبائل الذين كانوا ضد النبي (ص) والرسالة، وكما حارب النبي أبناء قبيلته قريش الذين وقفوا ضده في غزوة بدر، وغزوة أحد، حارب خيبر وقريظة، أما فيما يتعلق باليهود الذين كانوا يقيمون في البلاد العربية فإن يهود شمال إفريقيا بشكل عام استقروا في معظم المدن التونسية والجزائرية والمغربية بعد سقوط الأندلس في 1492 بعد أن هجروا مدن الأندلس مع العرب (خوفا من محاكم التفتيش) الذين كانوا يعيشون في كنفهم وبحمايتهم بسلام. وقد قامت الوكالة اليهودية التي أسسها الصهاينة بدفعهم للهجرة إلى فلسطين فقاموا ببيع ممتلكاتهم والهجرة حسب الوعود بأن حياتهم ستكون أفضل على أرض فلسطين، بالنسبة ليهود الجزائر بشكل خاص فإن نسبة كبيرة منهم فضلوا الخروج مع الفرنسيين بعد انتصار الثورة الجزائرية لأنهم كانوا إلى جانب الجيش الفرنسي ضد جبهة التحرير الجزائرية، وفي المغرب قام الموساد في ستينيات القرن الماضي باغتيال مجموعة من اليهود واتهام المغرب بقتلهم كي يرهبوا باقي اليهود ويدفعوهم للهجرة إلى إسرائيل وذلك حسب المؤرخ الإسرائيلي يغال بن نون، وفي سوريا قامت الوكالة اليهودية بالاتصال بالكتلة الوطنية التي كان يرأسها شكري القوتلي وعقدت اجتماعين بالقوتلي وفخري البارودي في منتجع بلودان لدفع الكتلة الوطنية بتسفير يهود سوريا والعمل على وقف ثورة القسام في فلسطين لكن القوتلي رفض الطلب، وقامت الوكالة أيضا بالتنسيق مع نوري السعيد في العراق لتهجير اليهود (الذين منهم المتطرف إيتمار بن غفير وزير الأمن حاليا الذي يرفض حل الدولتين ويدعو لاحتلال غزة الضفة الغربية وتهجير سكانها) ومع رئيس السودان السابق جعفر النميري بتهجير يهود الفلاشا، وبالتالي فإن الدول العربية لم تطرد اليهود أو تهددهم، أو تستولي على أملاكهم بل على العكس تماما فإن الوكالة اليهودية هي التي دفعتهم للهجرة إلى فلسطين، وكثير من الدول العربية تدعو اليهود للعودة إلى أوطانهم في البلاد العربية، وقامت دول عربية (تونس والمغرب) بمشاركة اليهود في الحياة السياسية في البلاد وتم تعيين وزراء يهود في الحكومة. وهناك الكثير من اليهود الذين كانوا في البلاد العربية (السفارديم) هاجروا إلى إسرائيل يجدون أنفسهم أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في دولة يحكمها «الأشكيناز» (يهود أوروبا). ويعبرون عن استيائهم، بينما فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين فقد هُجروا من أراضيهم بالقوة بعد المجازر المروعة التي قامت بها عصابات الصهاينة ضدهم واستولت على قراهم ومنازلهم وقامت بتدميرها لمحو الهوية الفلسطينية فيها، واللاجئون الفلسطينيون يعيشون حتى اليوم في مخيمات بانتظار عودتهم إلى ديارهم حسب قرار الأمم المتحدة رقم 194 ويطالبون بتعويضاتهم عن ممتلكاتهم، وعن خمس وسبعين سنة من التشرد والقتل، والاغتيالات السياسية لقادة المقاومة، وزج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وتدمير مدنهم وقراهم وارتكاب أبشع المجازر آخرها في غزة التي دمرت كاملا كما تم سابقا تدمير الكثير من المدن الفلسطينية والعربية كمدينة جنين وقانا وبيروت وسواها وقتل مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب وهجرت الملايين وسيطرت على أراضيهم والتي تقدر بمبالغ يصعب تخليها، واليوم يتحفنا ترامب باحتلال غزة، ونتنياهو بتهجير الفلسطينيين إلى السعودية لإقامة دولتهم هناك، لكن اليوم على العرب أن يتخذوا قرارا حاسما وموحدا في قمتهم المقبلة بمطالبة دولة الاحتلال بالتعويضات المناسبة لكل الخراب والقتل والتهجير الذي تسببت به للفلسطينيين، وتطالب بعودتهم إلى فلسطين وبناء دولتهم طبقا لكل القرارات الدولية.