في 2025/02/26
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
في الحين الذي تنظر فيه المنظمات الحقوقية إلى مؤتمر"مبادرة مستقبل الاستثمار" السعودي، في ولاية ميامي الأمريكية في 19 إلى 21 فبراير/شباط الجاري، على أنه أداة للتغطية على الانتهاكات الحقوقية السعودية، كان الكثير من العرب ينظرون بتطلع وأمل في أن يشكّل هذا الاستثمار الضخم ورقة ضغط على أميركا لإثنائها عن فكرة تهجير سكان غزة وانحيازها الأعمى إلى "إسرائيل".
بين هذا وذاك؛ كان للمملكة توجه آخر وهو تجاهل كلا الطرفين، فلم ترد على المنظمات الحقوقية، ولم تحاول إصلاح الملفات التي تثير انتقاداتها، كما لم تأتِ على موضوع التهجير أو الربط سياسيًا بين الأمرين، وكأنّ الملف الاقتصادي منفصل عن الملف السياسي.
كي لا تكون هناك فرص تاريخية ضائعة، وخاصة ونحن في وقت تاريخي حساس للقضية المركزية للأمة، وفي وضع أمريكي حساس في الصراع الدولي يمكن استغلاله بربط الاستثمارات الضخمة بقضايا الأمة، فعلى المملكة الالتفات إلى هذا الأمر، وخاصة وأن التقارير أفادت بنقلة غير مسبوقة في العلاقات السعودية- الأمريكية، ومعها بالطبع نقلة غير مسبوقة في إجمالي الاستثمارات السعودية.
لقد سلّطت صحيفة التليغراف البريطانية الضوء على مستجدات لافتة، إذ قالت في تقريرها إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضع في مقدمة أولوياته العلاقات مع السعودية على حساب العلاقات التقليدية مع أوروبا وبريطانيا. وقامت الصحيفة بالتذكير بمكالمة هاتفية في يناير/كانون الثاني الماضي – وهي الأولى لترامب مع زعيم أجنبي بعد تنصيبه – وفيها أبلغ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الرئيس الأمريكي عن نيته استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة. وكذلك طلب ترامب لاحقا برفع هذا الرقم إلى 1 تريليون دولار، وقالت يبدو أن السعوديين مستعدون لذلك؛ فقد ضم وفدهم في قمة FII في ميامي شخصيات بارزة مثل: ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة، وخالد الفالح وزير الاستثمار الذي أكد أن الولايات المتحدة هي الوجهة الاستثمارية الأولى للمملكة.
هذا الأمر يعني أن هناك نقلة اقتصادية كبرى تتزامن مع تقارير استقبال البنتاعون لوزير الدفاع السعودي، والاتفاق على ترتيبات أمنية متطورة وإعلان البنتاغون الالتزام بأمن المملكة.
على الرغم من هذه التطورات، رصدت التقارير عدم التطرق إلى الخلافات العلنية عن موضوع التهجير، فقد رصدت التليغراف تصريحات ليزا مكيجو المديرة التنفيذية لبنك HSBC في الولايات المتحدة، والتي قالت إن السعودية هي الأولوية الأولى للبنك، حيث سينقل 6,000 موظف إلى مقر جديد في حي الملك عبدالله المالي في الرياض. وعلّقت الصحيفة أنه وعلى الرغم من الخلافات حيال قضايا مثل غزة وأسعار النفط والعلاقات مع الصين، إلا أن ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان يركزان على الاقتصاد.
يبدو أن الأولوية الراهنة تتعلق بالملف الروسي- الأوكراني، حيث تعمل السعودية أيضًا على تعزيز دورها وسيطًا سياسيًا، حيث تستضيف محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا. وهو ما يثير التساؤل مجددًا عن الدور السعودي في القضية الفلسطينية؛ وهل يكفي إعلان الرفض من دون ربط ذلك بضغوط اقتصادية أو على الأقل تجميد هذا التطور الصاروخي للاستثمارات إلى حين عدول أميركا عن موقفها المشين؟
نحن أمام قمة عربية منتظرة سبقتها مشاورات استضافتها السعودية بين الرؤساء المعنيين مباشرة بقضية التهجير، وأمام استحقاق عربي تاريخي، يتطلع العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون لاستخدام أوراق القوة العربية في هذا المفصل التاريخي.
السعودية أمام استحقاق مضاعف بحكم علاقتها المميزة مع أميركا، وخاصة مع الرئيس ترامب، وتاليًا الأنظار تتجه إليها وإلى تعاطيها السياسي والاقتصادي مع أميركا، إما بالإقناع بحكم تميّز العلاقات، أو بالضغط بحكم الأوراق الاقتصادية التي تمتلكها السعودية، والتي تجعل من إدارة ترامب تعطيها الأولوية قبل الحليف التاريخي البريطاني لأميركا، وهنا الشعب السعودي والعربي، وفي مقدمته الفلسطيني، بالانتظار.