دول » السعودية

وساطات السعودية الدولية.. جهود تاريخية لحل النزاعات

في 2025/03/14

يوسف حمود - الخليج أونلاين

تواصل السعودية من خلال مكانتها العالمية الوازنة لعب دور دبلوماسي محوري، في حل النزاعات والخلافات الإقليمية والدولية ودعم الاستقرار العالمي.

ومنذ اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا عام 2022، كان للمملكة دور بارز في خفض التصعيد وحل الأزمة بالطرق السلمية، حتى باتت محل ثقة جميع القوى الدولية.

وأظهرت التحركات الأخيرة للمملكة قدرتها على تسهيل الحوارات بين موسكو وواشنطن، وهو ما جعلها منصة رئيسية لحل النزاعات العالمية من خلال حوارات مباشرة ومثمرة.

وساطة ناجحة

ويوم (11 مارس 2025) أعلنت المملكة نجاح وساطتها بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بعد أن عقد مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، ونظيره الأوكراني أندري يرماك، محادثات مباشرة في الرياض انتهت بالاتفاق على هدنة لمدة 30 يوماً تمهيداً لوقف الحرب بالكامل والبدء بمفاوضات السلام.

وكانت الوساطة السعودية خطوة مهمة نحو تعزيز الحوار بين واشنطن وكييف، خاصة في ظل رغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب الجامحة لإنهاء الحرب بين موسكو وكييف.

 

ونهاية فبراير الماضي، تمكنت السعودية بفضل وساطتها بين موسكو وواشنطن من إحداث اختراق كبير بين البلدين، وجمعهما على طاولة واحدة لأول مرة منذ فبراير 2022.

واستضافت المملكة حينها محادثات رفيعة المستوى بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف، اتفقا خلالها على تعيين سفراء بين البلدين وإنشاء آلية تشاور بشأن الحرب في أوكرانيا.

من جانبه، صرح مسؤول أوكراني لشبكة "العربية" و"الحدث" السعودية أن "المحادثات مع الأمريكيين في جدة كانت بناءة ومثمرة".

كما شكر الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي حينها، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وجهود السعودية من أجل التوصل إلى سلام في أوكرانيا.

ومثلت هذه الخطوة تطوراً كبيراً في جهد الدبلوماسية السعودية، التي نجحت في جمع أكبر قوتين في العالم على طاولة واحدة، ما مثل دعماً كبيراً لجهود الاستقرار العالمي.

وجاء هذا النجاح الدبلوماسي الكبير بفضل محافظة الرياض على شبكة علاقات دبلوماسية متينة مع طرفي الصراع، مما أكسبها ثقتهما ومن ثم تسهيل التوصل إلى حلول ترضي الجميع.

عنصر فاعل

يرى فهد العسلي، المختص في العلاقات الدولية، أن الوساطات السعودية باتت عنصراً فاعلاً في تشكيل مخرجات عدد من الملفات الدولية، مستفيدة من شبكة علاقاتها المتوازنة ونهجها الدبلوماسي الذي يركز على الحلول العملية بعيداً عن الاستقطابات الحادة.

وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" قائلاً:

- نجاح الرياض في إتمام صفقات تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، وتسهيل التفاهمات بين واشنطن وموسكو، لم يكن مجرد تحرك آني، بل امتداد لدور سعودي متنامٍ في المشهد الدولي، يعكس استراتيجية دبلوماسية متماسكة تقوم على المرونة والبراغماتية السياسية.

- السعودية تستثمر مكانتها كدولة تربطها علاقات استراتيجية بالولايات المتحدة، وشراكات متينة مع الصين وروسيا، وهو ما يمنحها القدرة على فتح قنوات الحوار بين أطراف متصارعة. 

- هذه الوساطات لا تقتصر على القضايا السياسية، بل تشمل أيضاً الملفات الاقتصادية والإنسانية، حيث لعبت دوراً في تأمين إمدادات الطاقة العالمية، والتعامل مع أزمات الغذاء الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.

- ما يميز التحركات السعودية هو عدم سعيها لتحقيق مكاسب إعلامية قصيرة المدى، بل تركيزها على بناء سجل من النجاحات التفاوضية يعزز مصداقيتها كوسيط موثوق. 

- هذا النهج يعكس تحول المملكة إلى فاعل دبلوماسي دولي يتجاوز حدود المنطقة، مما يجعلها طرفاً رئيسياً في صياغة الحلول للأزمات العالمية.

دبلوماسية النفط

وفقاً لتقرير لشبكة "يورو نيوز" الأوروبية (الأربعاء 13 مارس)، نجحت الرياض في ترسيخ نفسها كوسيط فعال بين الأطراف المتنازعة، مستفيدة من مكانتها الاقتصادية والسياسية.

كما لعبت دبلوماسية النفط دوراً محورياً في هذا النجاح، حيث تعد المملكة من أكبر منتجي النفط في العالم، مما يمكنها من التأثير بشكل كبير في توازنات الطاقة العالمية. 

كما أشار التقرير إلى أن "شبكة العلاقات الثنائية التي تتمتع بها السعودية مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، تعزز قدرتها على لعب هذا الدور الوسيط، إذ إن المملكة حافظت على علاقات قوية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة بريكس، والعديد من الحلفاء الرئيسيين".

بالإضافة إلى ذلك، فللسعودية دور رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وتعتبر القوة الوحيدة القادرة على التنافس مع القوى الإقليمية الكبرى مثل "إسرائيل" وإيران وتركيا، وفق التقرير.

جهود سابقة

لم تقتصر الوساطات السعودية على النزاعات الدولية الحديثة، إذ تمتلك المملكة سجلاً حافلاً من المساعي الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية والدولية أبرزها:

اتفاق الطائف (1989):

كان للسعودية دور رئيسي في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، من خلال استضافة الفرقاء اللبنانيين في مدينة الطائف، حيث تم التوصل إلى اتفاق أنهى النزاع المسلح وأعاد هيكلة النظام السياسي اللبناني.

المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا (2018):

أسهمت الرياض في تقريب وجهات النظر بين أديس أبابا وأسمرة، ما أدى إلى توقيع اتفاق سلام تاريخي أنهى عقدين من التوتر والحروب الحدودية بين البلدين.

التوسط في الأزمة السودانية:

لعبت المملكة دوراً فاعلاً في محادثات السلام السودانية منذ العام 2023، حيث استضافت جولات تفاوض بين الأطراف المتصارعة من أجل تهدئة النزاع، كما عملت سابقاً على دعم جهود الاستقرار في البلاد بعد الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019.

الإفراج عن أسرى الحرب:

في عام 2022، قادت السعودية وساطة ناجحة للإفراج عن عشرات الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، ومن بينهم مقاتلون أجانب كانوا محتجزين لدى القوات الروسية، وذلك ضمن جهودها الإنسانية لإنهاء تداعيات الحرب، واستمرت في عمليات الوساطة في هذا الملف حتى مطلع العام الجاري.