دول » السعودية

الحدود الواقعية لاتفاقية الدفاع السعودية الباكستانية

في 2025/09/25

(أحمد شوقي \ راصد الخليج) 

وقّع مؤخرًا ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" ورئيس الوزراء الباكستاني "محمد شهباز شريف" اتفاقية دفاعية استراتيجية، ضمت بندًا شغل الأروقة السياسية والعسكرية. وهو البند الذي ينص صراحة على أن أي اعتداء على أحد البلدين يُعد اعتداءً على كليهما.

تبع ذلك أن اهتمت جميع وسائل الإعلام الدولية بهذا الاتفاق لسببين رئيسين: أولهما البند المذكور عن الدفاع المشترك، وثانيهما هو المظلة النووية الباكستانية للسعودية، والتي لمّح بعض العسكريين الباكستانيين بأن التفاق قد يشملها. وعلى الرغم من أن الأمر لم يحدث زلزالا استراتيجيا أو أزمات دبلوماسية، إلا نه فتح شهية المحللين وبعض وسائل الإعلام للخروج بمبالغات كبيرة وتهويل، ربما يتجاوز الحدود العملية والمعقولة والموضوعية لهذا الاتفاق، والذي يعد اتفاقا مهما من دون شك ورسالة قوية، بلا جدال.

التقديرات الأمريكية الاستراتيجية لخّصها مقال من معهد واشنطن للخبير الامريكي المهم "سايمون هندرسون"، والذي قال إن الاتفاقية تبدو رمزية بالدرجة الأولى، نظرًا إلى أن الرياض تُعد شريكًا تجاريًا رئيسًا للهند، العدو التقليدي لباكستان، غير أنها قد تترك مع ذلك آثارًا مهمة تتعلق بالمخاوف الإقليمية بشأن انتشار الأسلحة النووية، وطموحات الطاقة النووية، فضلًا عن الدبلوماسية الأمريكية المرتبطة بها.

في هذا الصدد؛ نود مناقشة بعض النقاط في محاولة للاقتراب من الحدود العملية والواقعية لهذه الاتفاقية:

أولاً- هناك تباين في طبيعة التهديدات التي يتعرض لها البلدان، حيث هناك صراع مباشر بين باكستان والهند، بينما هناك علاقات اقتصادية وسياسية جيدة تجمع السعودية مع الهند ومشروعات اقتصادية طموحة مثل الممر الهندي. وهذا ما يضع علامات استفهام عن الموقف السعودي عند تجدد نشوب القتال بين الهند وباكستان، وهل السعودية ستدخل في حرب مع الهند؟

على الجانب الآخر، السعودية ترى التهديدات التي تتعرض لها هي تهديدات بحرية ومخاوف من تجدد الحرب مع اليمن او التعرض لعدوان إسرائيلي أو بروز مشكلة قد تتطور مع ايران. وهي المخاوف التقليدية التي تعلنها السعودية، فهل ستحارب باكستان "إسرائيل" وتغامر بعلاقاتها مع أميركا وتدخل معها في عداء صريح مع تداعيات ذلك على الصراع الأمريكي مع الصين، والتي تعد الحليف الابرز لباكستان؟ وهل ستشارك باكستان بشكل عملي وفاعل في الحرب على اليمن أم تغامر بعلاقاتها مع ايران؟

تاليًا؛ السؤال هنا هو: هل يمكن أن يكون جوهر الاتفاقية مختلف عما يتبادر إلى الأذهان من دخول أي من البلدين في حرب، وهل يشكّل الجوهر تدابير أخرى مختلفة عن التورط في صراع جيوسياسي متباين وربما متناقض في تهديداته وأطرافه لكلا البلدين؟

ثانيًا- ما يخص المظلة النووية، وما يثار عن توفير باكستان حماية نووية للسعودية، هو ملف شائك ومعقد ولا يمكن تناوله بسهولة واستخفاف؛ لأن قضية الانتشار النووي من أخطر الملفات الدولية، حيث تشدّد العقوبات وتنشب الحروب بسبب تضييق القوى الكبرى على الدول الطموحة نوويًا.

عمليا؛ هناك عدة أشكال لهذه المظلة، تبدأ من الردع السياسي اللفظي، وتتدرج للوصول إلى نقل منصات صواريخ وأسلحة نووية وبيع قنابل للسعودية. وقد لا يمرى العالم هذه الأمور سوى الخطوة الأولى منها فقط والخاصة بالردع النظري، بينما تكون الخطوات المتدرجة الأخرى عرضة للمخاطر والاستهدافات والإجهاض المبكر.

كما أن التحالف النووي يعني الخروج من التحالفات الاستراتيجية الأخرى مع أميركا والغرب، والتخلي عن سياسة التحوط الاستراتيجي والموازنة التي تحاول السعودية اتباعها في المرحلة الأخيرة.

يبقى، هنا، وقبل استنتاج الحدود الواقعية للاتفاقية أن تثار بعض الأسئلة المشروعة عن الدفاع العربي المشترك، ولماذا لم تتجاوب السعودية مع مبادراته، على الرغم من التهديدات المشتركة المعلنة ضد مصر والأردن ولبنان ومشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يهدد الدول العربية بالأساس.

كذلك أسئلة عن اصطفاء باكستان دونًا عن الدول العربية بهذه الاتفاقية الثنائية؛ على الرغم من وجود جيوش عربية كبيرة، منها الجيش المصري، وكذلك وجود قوى إسلامية منخرطة بالفعل في الصراع مثل إيران وهي تحالفات كفيلة بتحقيق الردع الاستراتيجي، وخاصة وأن المظلة النووية الباكستانية غير واقعية، بينما التحالف العسكري الآخر أكثر واقعية وعملية ورسالته أقوى وأكثر فاعلية.

في هذا السياق؛ الحدود العملية تبقى رمزية ونظرية وقاصرة عن التهديدات الأمنية، والتي تشمل حركات الإرهاب التي تشكّل تهديدات محتملة لباكستان والسعودية وفقا لتوصيف كل بلد لهذه الحركات. وتقتصر، عمليًا، على التعاون الاستخباراتي والمراقبة والتدريبات المشتركة ونقل الخبرات والتمويل الدفاعي، وتبقى رسائل سياسية أقرب للمناورات لدفع أميركا إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية لحماية كلا البلدين والانخراط بشكل أعمق في طمأنة الحلفاء بعد الهزة الكبيرة التي تعرض لها الخليج بتمرير أميركا قصف "إسرائيل" لقطر، وما بدا أنه ضوء أخضر أو سادية أمريكية في العدوان.

قد تكون هي رسائل سياسية، وربما هي خطوات مبدئية على طريق تدشين تحالفات جيوسياسية وجيوستراتيجية جديدة تتسق مع الانقلابات الأمريكية والإسرائيلية على التحالفات التاريخية، وتتسق مع التهديدات الوجودية المعلنة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، وهو ما نأمل أن يكون جديًا لا مجرد مناورة، ونأمل أن يكون نواة تبنى عليها تحالفات عربية وإسلامية تشكّل رادعًا حقيقيًا.