دول » السعودية

التجارة الإلكترونية في السعودية.. من طفرة الاستهلاك إلى قوة اقتصادية

في 2025/10/25

طه العاني - الخليج أونلاين

تواصل السعودية ترسيخ موقعها بين أسرع 10 دول نمواً في قطاع التجارة الإلكترونية عالمياً.

ويعكس هذا التحول طبيعة الاقتصاد السعودي الجديد القائم على الابتكار، والتحول نحو أنماط استهلاك أكثر ذكاءً وتنوعاً، بما يتماشى مع مستهدفات "رؤية 2030" لتنويع مصادر الدخل ودعم ريادة الأعمال.

ويأتي تعزيز هذا النمو الذي يجعل المملكة أحد أكثر أسواق العالم نشاطاً في التسوق الرقمي، مدفوعاً بجيل شاب يتعامل يومياً مع المنصات الإلكترونية بثقة وسلاسة.

نمو متواصل

وبحسب بيانات البنك المركزي السعودي (ساما)، بلغت مبيعات التجارة الإلكترونية عبر بطاقات "مدى" نحو 29 مليار ريال (7.7 مليارات دولار) خلال أغسطس الماضي، مسجلة ارتفاعاً سنوياً بنسبة 67%.

كما وصلت قيمة المبيعات خلال الربع الثاني من العام الجاري إلى 76.4 مليار ريال (20.3 مليار دولار)، وهو أعلى مستوى ربعي في تاريخ القطاع.

وأكد مدير إدارة التجارة الإلكترونية في الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) عبد العزيز العسيري، مشيراً إلى أن متوسط نمو القطاع بلغ نحو 38% خلال الأعوام الخمسة الماضية.

وأوضح العسيري، في تصريحات لـ"الاقتصادية" السعودية، على هامش لقاء "إيليت العلا 2025"، في 10 أكتوبر الجاري، أن التجارة الإلكترونية في المملكة مرشحة لتسجيل نمو إضافي بنسبة 32% في عام 2025، مدفوعة بارتفاع نسبة الشباب وسرعة انتشار التقنية واعتماد المستهلكين المتزايد على المنصات الرقمية.

وأضاف أن "عدد السجلات التجارية في القطاع تجاوز 40 ألف سجل، بزيادة سنوية تقارب 9%، ما يعكس عمق التحول في البنية التجارية التقليدية باتجاه الاقتصاد الرقمي".

كما كشف العسيري أن "منشآت" تعمل حالياً على إعلان عام 2025 عاماً للحرفيين، ضمن خطة لتمكينهم من دخول الأسواق الإلكترونية وتوسيع حضورهم عبر المنصات المحلية والعالمية.

وأشار أيضاً إلى مبادرة تحويل المتاجر التقليدية إلى إلكترونية، التي تهدف إلى دعم المتاجر الصغيرة في المناطق الطرفية وتمكينها من الوصول إلى أسواق أوسع دون الحاجة إلى افتتاح فروع جديدة، ما يخفف التكاليف التشغيلية ويعزز الكفاءة الاقتصادية.

الأعلى عالمياً

ووفقاً لتقرير صادر عن وحدة الأبحاث في (PYMNTS) (6 أكتوبر 2025) بالتعاون مع حلول قبول الدفع من فيزا (Visa Acceptance Solutions)، يتصفح المستهلك السعودي 2.3 مرة يومياً عبر التفاعل الشرائي أو التصفح.

ويعدّ هذا المعدل الأعلى عالمياً بين 8 دول شملتها الدراسة، متقدماً على الإمارات (2.2) مرة، والبرازيل (2.1) مرة والمكسيك (1.9) مرة، وسنغافورة (1.6) مرة، والولايات المتحدة (1.5) مرة، وأستراليا وبريطانيا (1.4) مرة لكل منهما.

كما يعكس هذا الأداء مكانة المملكة كمركز متنامٍ للتجارة الإلكترونية، في ظل ارتفاع الثقة بالمدفوعات الرقمية وتنوع المنصات المحلية والإقليمية التي تخدم مختلف الفئات الاستهلاكية.

ويُظهر هذا النمو المتواصل قوة الطلب الاستهلاكي المحلي وقدرة البنية الرقمية السعودية على استيعاب توسع غير مسبوق في حركة الشراء الإلكتروني، سواء من خلال المتاجر المحلية أو عبر المنصات الدولية.

وتؤكد هذه المؤشرات أن الهاتف المحمول أصبح المنفذ الرئيسي للتسوق، إذ يستخدمه 66% من المستهلكين السعوديين في آخر عملية شراء، متجاوزين المتوسط العالمي البالغ 48%.

كما تجاوزت نسبة انتشار الإنترنت 98%، وارتفع عدد المتاجر المسجلة في منصة "معروف" إلى أكثر من 200 ألف متجر، ما يعكس دخول شريحة واسعة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى السوق الرقمية.

محرك اقتصادي

وفي هذا الصدد، يؤكد الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي أن التجارة الإلكترونية باتت تُعد محركاً رئيسياً للاقتصاد العالمي الحديث، كما أنها تعمل على فتح أسواق جديدة وزيادة المبيعات وتداول الأموال، مع كفاءة أعلى وتكاليف منخفضة.

ويشير في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن هذا القطاع يساهم في خلق فرص عمل في مجالات التقنية والتسويق، كما يشجع على الابتكار والمنافسة مضيفاً:

- التجارة الإلكترونية تدعم الشمول المالي، من خلال تمكين الأفراد والشركات الصغيرة من الوصول إلى الأسواق العالمية القريبة والبعيدة.

- تطور هذا القطاع في السعودية جاء نتيجة الاستثمار الكبير في البنية التحتية التقنية ونظم الدفع الإلكتروني والتشريعات الداعمة، بالإضافة إلى ارتفاع الوعي الرقمي ودخول الشركات الصغيرة إلى المنصات.

- هذا الزخم الرقمي من المرجح أن يزداد دون أن يتأثر بتقلبات الاقتصاد العالمي أو سياسات الفائدة، لأن التجارة الإلكترونية أصبحت جزءاً من نمط الحياة وتستند إلى طلب محلي قوي وسوق داخلي ضخم.

- التجارة الإلكترونية يمكن أن تسهم في رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي السعودي خلال السنوات المقبلة.

- يتم ذلك من خلال توسيع قاعدة التجار والمستهلكين وزيادة الاستثمارات في الخدمات اللوجستية والدفع الإلكتروني، ما يعزز الإنتاجية ويرفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي.

- ظاهرة الإبداع في تجربة التسوق الهجين الذي يجمع بين الطريقتين الرقمية والتقليدية، تتلاءم مع طبيعة السوق المحلي، وقد تشكّل نموذجاً مميزاً يمكن تطويره وتصديره لاحقاً للأسواق الخليجية والعربية.