متابعات
زيارات متبادلة بين قيادتي دولة الإمارات والكويت ومسؤوليهما تبرز حرص البلدين على دفع العلاقات الثنائية نحو آفاق أوسع، مع تمتعهما بعمق استراتيجي ورؤية متجددة تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاستثماري.
تأتي زيارة رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للكويت (الأحد 10 نوفمبر)، مجسدةً روح التقارب بين الجانبين، وضمن الزيارات المكثفة المتبادلة بين قيادتي البلدين ومسؤوليهما؛ لكونها تأتي بعد 8 أشهر من زيارة أجراها الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لأبوظبي في مارس الماضي.
هاتان الزيارتان استبقتهما زيارات متبادلة لمسؤولين رفيعي المستوى بين البلدين، في إطار الحرص على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ضمن محطات مفصلية أسهمت في توطيدها والمضي قدماً بما يخدم المصالح المشتركة.
بن زايد في الكويت
زيارة رئيس الإمارات الجديدة أكد خلالها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أنها "محطة جديدة لتوثيق وترسيخ العلاقات التاريخية الوطيدة التي أسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مع حكام دولة الكويت السابقين".
وفي كلمة له خلال جلسة مباحثات ثنائية، قال الأمير مشعل: إن الكويت حريصة "على المضي بهذه العلاقات في حاضر مشرق ونحو مستقبل واعد سواء على المستوى الثنائي من خلال اللجنة المشتركة الكويتية الإماراتية أو من خلال البيت الخليجي الواحد ومسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية بما يحقق مصالح بلدينا الشقيقين وصالح شعبينا الكريمين".
كما عبَّر عن اعتزازه بـ"الانسجام بين المواقف الكويتية الإماراتية على الصعيدين الإقليمي والدولي، في ظل أوضاع وأحداث غاية في الحساسية تشهدها المنطقة والعالم".
من جانبه قال الرئيس الإماراتي: إن بلاده "داعم أساسي للعمل الخليجي المشترك وفكرة الوحدة مترسخة في ثقافتها".
وأضاف: "وفي ظل التحديات الصعبة بالمنطقة والعالم، فإن منظومة العمل الخليجي ضمانة أساسية لصيانة مصالحنا المشتركة ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة".
تشاور لمواجهة أي طارئ
وفي ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة، تكتسب الزيارة، بحسب الباحث السياسي والأكاديمي الكويتي عايد المناع، أهميتها في "التشاور حول كيفية مواجهة أي طارئ، ولنا تجربة سابقة عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت في 1990 وما ترتب على ذلك، من وقفة خليجية رائعة ساندت الكويتيين وقدمت كل أنواع الدعم، والإمارات من الدول السباقة مع دول الخليج الأخرى".
واعتبر في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن زيارة الشيخ محمد بن زايد "ستعزز هذه العلاقات وتطورها وتؤدي إلى مزيد من الاتفاقيات، خاصة في المجالات التنموية والاقتصادية وتنويع مصادر الدخل لبلداننا الخليجية، وتعزيز شبكة التواصل بين الشعوب والحكومات".
وذكّر المناع بما قاله وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، من أنه "بكل همة نستكمل مسيرة التعاون والعمل المشترك بقيادة الشيخ محمد بن زايد والشيخ مشعل الأحمد".
وشدد على ما قاله الوزير الإماراتي من أن "أهم ما يميز العلاقات وتطورها المستمر هي الروابط الاجتماعية والثقافية التي تجمع الشعبين وما تشمله من أواصر الأخوة والصداقة ووحدة التراث والتاريخ والقيم المشتركة".
زيارة سابقة واتفاقيات
وتكريساً لمتانة العلاقات والرغبة في آفاق واسعة من التعاون والتنسيق، كان الأمير مشعل قد قام بزيارة للإمارات في مارس الماضي، هي الأولى منذ توليه الحكم في ديسمبر الماضي، والتي تعد خامس دولة يزورها بعد كل من السعودية وسلطنة عمان وقطر والبحرين، ليختتم حينها جولته الخارجية للدول الخليجية.
وترتبط الإمارات والكويت بعلاقات وثيقة على الأصعدة المختلفة، حيث شهدت تطوراً ملحوظاً على مدى العقود الماضية، وتضمن التعاون بينهما في عدة مجالات بارزة شملت السياسي، والاقتصادي والتجاري، والعسكري والأمني، والعلاقات الثقافية والتعليمية، ما أسفر عن عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة.
كما ترتبطان بعدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تسهم في زيادة حجم الاستثمارات والتبادل التجاري إلى مستويات متقدمة، أحدثها تلك التي تم توقيعها خلال القمة العالمية للحكومات 2024، وتتعلق بتجنب الازدواج الضريبي على الدخل ورأس المال، ومنع التهرب والتجنب الضريبي.
ووقع البلدان خلال اجتماع الدورة الخامسة من اللجنة العليا المشتركة بين الإمارات والكويت في أغسطس الماضي، 8 مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية بين البلدين.
وشملت مذكرة تفاهم بين حكومتي الإمارات والكويت بشأن التعاون في مجال البنية التحتية، وأخرى بشأن التعاون في مجال أنشطة التقييس، وثالثة بشأن التعاون في العمل بمجال الاتصالات وتقنية المعلومات.
كما تضمنت التوقيع على البرنامج التنفيذي للتعاون التربوي بين البلدين، والبرنامج التنفيذي في مجال الرياضة، والبرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي، ومذكرة تفاهم بين مجلس الأمن السيبراني الإماراتي والمركز الوطني للأمن السيبراني الكويتي، وأخرى بين وزارة الدفاع الإماراتية، ممثلة بمجموعة "إيدج" القابضة، ووزارة الدفاع الكويتية بشأن المشتريات والصناعات الدفاعية.
علاقات اقتصادية
ويؤمن البلدان بأهمية التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك، وضرورة تفعيله عبر زيادة التبادل التجاري وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية في المجالات الصناعية والتجارية والاستثمارية على الصعيدين الخاص والعام.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تحقيق نمو ملحوظ في العلاقات التجارية بين الإمارات والكويت، في النصف الأول من العام الحالي، حيث بلغت نحو 6.42 مليارات دولار.
وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين 12.198 مليار دولار في عام 2023 بنمو 2 بالمئة مقارنة بعام 2022، و16 بالمئة مقارنة بعام 2021، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام).
وتحتل الإمارات المرتبة الأولى عالمياً كأكبر مستقبل لصادرات الكويت غير النفطية، مستحوذةً وحدها على 22% منها، وفي الوقت نفسه تأتي الإمارات في المركز الثالث لأهم أسواق الواردات الكويتية بعد الصين والولايات المتحدة.
وبلغ حجم الاستثمارات المتدفقة من الإمارات إلى الكويت في الفترة من 2019 إلى 2023 نحو 1.087 مليار دولار، في حين بلغت الاستثمارات المتدفقة من الأخيرة إلى جارتها خلال الفترة المذكورة نحو 194.7 مليون دولار.
ويؤكد الباحث والأكاديمي الكويتي عايد المناع، أن علاقة الإمارات والكويت "تاريخية وقديمة جداً، وإخواننا الإماراتيون يذكرون للكويت أنها كانت تقدم منذ خمسينيات القرن الماضي، الدعم التعليمي والإعلامي حتى قبل توحيد الإمارات ولاحقاً عبر إنشاء المدارس، واستمر هذا التعاون في التعليم والتعليم العالي والبحث والثقافة".
اقتصادياً تحدث المناع لـ"الخليج أونلاين"، عن أن "الاستثمارات الكويتية في الإمارات تتجاوز الـ50 مليار دولار، وبالتالي يعزز ذلك العلاقات الأخوية".
وأوضح أن "التجارة التراكمية بينهما من 2014 الى 2023 زادت بنحو 75% من حجم التبادل، وبلغ الإجمالي 92 مليار دولار خلال الفترة".
كما تحدث عن أن "الامارات اليوم محظ أنظار العالم، فهي اقتصادياً منفتحة على الكل، ولديها قوانين وانضباطية بالعمل، ومنفتحة تجارياً واستثمارياً".