في 2025/04/11
متابعات
تشهد القارة الأفريقية تحولاً لافتاً في خريطة الاستثمارات العالمية، ويبرز الحضور الإماراتي كلاعب رئيسي يسعى لاقتناص الفرص الواعدة في مجالات الموانئ والخدمات اللوجستية.
وتواصل الشركات الإماراتية خطواتها الواثقة للتوسع في أفريقيا في بيئة تنافسية محفوفة بالتحديات، لكنها غنية بالإمكانات، وسط تساؤلات حول أبعاد هذا الانتشار، وأثره على الاقتصاد الإقليمي والدور الإماراتي في إعادة تشكيل حركة التجارة البحرية في القارة.
وبدأت مجموعة موانئ أبوظبي خطواتها التوسعية في أنغولا بإعلان إسناد أعمال تصميم وبناء البنية التحتية البحرية والفوقية لمحطة "موانئ نواتوم – لواندا" إلى شركة "مار للإنشاءات المدنية والأشغال العامة" (إل دي ايه)، وهي محطة تقع ضمن أكبر موانئ أنغولا وأكثرها أهمية.
كما تم التعاقد مع شركة "دار الهندسة للاستشارات شاعر وشركاه" للإشراف على إدارة المشروع وتنفيذه، في خطوة تترجم التزام المجموعة الإماراتية بتطوير البنى التحتية للموانئ في القارة السمراء.
الانطلاقة الأنغولية
وذكرت وكالة أنباء الإمارات، في 4 أبريل الجاري، أن محطة لواندا تتولى مناولة نحو 76% من أحجام الحاويات والبضائع العامة في أنغولا، وتشكّل بوابة استراتيجية نحو أسواق الدول المجاورة غير الساحلية، مثل زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتستعد المجموعة، بموجب اتفاقية امتياز مدتها 20 عاماً وقعتها في أبريل 2024، لاستثمار أكثر من 250 مليون دولار حتى عام 2026، لتحديث المحطة وتحويلها إلى مركز متطور للخدمات اللوجستية.
وأطلقت المجموعة عملياتها التشغيلية طويلة الأجل بالمحطة، في يناير 2025، في تحرك استراتيجي يعزز وجودها في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
كما يهدف المشروع إلى تحديث شامل للبنية التحتية، تشمل دعم أنشطة مناولة البضائع العامة والحاويات، إلى جانب استقبال سفن الدحرجة، وجعل المحطة الوحيدة في الميناء القادرة على استقبال السفن العملاقة من طراز "سوبر بوست باناماكس" ذات الحمولة التي تصل إلى 14 ألف حاوية نمطية.
وتشهد المحطة حالياً أعمال تأهيل واسعة النطاق تشمل إعادة تصميم ساحتها الممتدة على مساحة 192 ألف متر مربع، وتركيب أنظمة تكنولوجية ومعدات متطورة لرفع الكفاءة التشغيلية.
ومن المنتظر أن تكتمل عملية التحديث الشاملة بحلول الربع الأول من عام 2027، مع توقعات بزيادة الطاقة الاستيعابية للمحطة إلى 350 ألف حاوية نمطية، وقدرة مناولة المركبات إلى أكثر من 40 ألف مركبة سنوياً.
وحول ذلك أكد الرئيس التنفيذي الإقليمي – مجموعة موانئ أبوظبي، محمد عيضه المنهالي، أن المجموعة تعمل بالتعاون مع "مار للإنشاءات" و"دار الهندسة" على تحويل المحطة إلى منشأة متطورة وعالية الكفاءة، قائلاً: "سنسهم في زيادة طاقتها الاستيعابية وكفاءتها التشغيلية بشكل كبير".
وأضاف في تصريح أوردته وكالة الأنباء الإماراتية "وام ": إن "مشروع تطوير المحطة وتأهيلها لاستقبال سفن سوبر بوست باناماكس وزيادة قدراتها على مناولة الحاويات والمركبات، يؤكد التزامنا تجاه متعاملينا وشركائنا من خلال توفير خدمات وحلول لوجستية سلسة وعالية الكفاءة، كما أن هذا المشروع يعكس سعينا الدؤوب للمساهمة في دعم النمو الاقتصادي في أنغولا والدول المجاورة".
وحققت مجموعة "موانئ أبوظبي" خلال الأعوام الثلاثة الماضية حضوراً متنامياً في الأسواق الأفريقية، حيث خصصت استثمارات تتجاوز 800 مليون دولار في مجالات الموانئ والخدمات اللوجستية والشحن في كل من مصر وتنزانيا وأنغولا والكونغو، مما يرسّخ مكانتها كمستثمر لوجستي رئيسي في القارة.
استثمارات استراتيجية
ويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله الأهمية البالغة للاستثمار في أفريقيا وتوسيع الأسواق عبر العلاقات الدبلوماسية والمشروعات المختلفة، خاصة في ظل إعادة رسم خريطة الانتشار الاستثماري والتجاري بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" أن السوق الأفريقية من أهم الأسواق في المجالين الاستثماري والتجاري، مشيراً إلى أن "توجه دولة الإمارات، مثلها مثل العديد من الدول الأخرى، نحو هذه الأسواق بحثاً عن موطئ قدم استراتيجي أو تجاري أو استثماري، يهدف إلى تعزيز دورها التجاري والاقتصادي".
كما يلفت ذكر الله إلى "الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات لقطاع اللوجستيات بشكل عام وقطاع الموانئ بشكل خاص"، مؤكداً "أهمية المشروع الجديد الذي أبرمته مجموعة موانئ أبوظبي مع ميناء أو محطة لواندا في أنغولا".
ويضيف: "هذا المشروع الكبير لا تقتصر أهميته على أنغولا وحدها، بل يمتد ليصبح منفذاً إلى الدول المجاورة غير الساحلية، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا"، معتبراً أن "الإمارات عبر هذا الميناء وضعت قدماً في ثلاث دول وليس دولة واحدة".
كما يشير إلى التوسع الاستثماري الكبير للإمارات في قطاع الموانئ، خلال الفترة الماضية، الذي امتد ليشمل استثمارات تقدر بمئات مليارات الدولار في عدة دول منها مصر والكونغو وتنزانيا وأنغولا وغيرها، كلها مرتبطة بقطاعات الموانئ والشحن والخدمات البحرية واللوجستيات بشكل عام.
التوسع في أفريقيا
وسجّل الحضور الإماراتي في القارة الأفريقية زخماً متزايداً، في السنوات الأخيرة، مدفوعاً برؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز النفوذ الاقتصادي واللوجستي من خلال استثمارات كبرى في البنية التحتية للموانئ والنقل والخدمات الرقمية.
وتتنافس كبرى الشركات الإماراتية، مثل موانئ دبي العالمية ومجموعة موانئ أبوظبي، على ترسيخ وجودها في أسواق القارة الواعدة، وسط تصاعد الطلب على سلاسل التوريد والصادرات الحيوية، خصوصاً في مجالات المعادن والتجارة البينية.
وتعتزم شركة "موانئ دبي" العالمية إنفاق 3 مليارات دولار خلال 3 إلى 5 سنوات قادمة في البنية التحتية الجديدة للموانئ في أفريقيا.
وبحسب تقرير نشره موقع تلفزيون "بلومبيرغ"، في يونيو الماضي، فإن موانئ دبي تخطط لهذا الاستثمار بهدف تلبية النمو طويل الأجل الذي يشمل الطلب المتزايد على صادرات المعادن الحيوية.
كما أعلنت مجموعة "موانئ أبوظبي"، في 25 مارس الماضي، توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين ذراعها الرقمية "مجموعة مقطع للتكنولوجيا" وشركة إندرا العالمية، بهدف تطوير حلول رقمية ذكية ومتكاملة تخدم قطاعات الموانئ والخدمات اللوجستية والتجارة في مناطق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وحققت مجموعة موانئ أبوظبي، خلال عام 2024، إيرادات قياسية بلغت نحو 4.7 مليارات دولار، وأرباحاً وصلت إلى 1.23 مليار دولار، وارتفع النمو بنسبة 69% مقارنةً بعام 2023.
وأشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها، في ديسمبر الماضي، إلى أن شركة موانئ دبي العالمية، موجودة في أفريقيا منذ عام 2006، وهي تدير 6 موانئ، وتخطط لبناء اثنين آخرين، كما تدير موانئ أبوظبي ميناء كامسار في غينيا منذ عام 2013، وفازت مؤخراً بامتيازات في مصر وجمهورية الكونغو وأنغولا .
وقالت زميلة السياسات البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مادالينا بروكوبيو، للصحيفة: إن "الإمارات لم تبتعد عن شرق أفريقيا؛ ويرجع هذا إلى الاهتمام المتزايد من جانب الإمارات بتوسيع الاتصال نحو الأمريكيتين، وخاصة أمريكا اللاتينية".
كما نوّهت "الغارديان" بأن "الإمارات أصبحت أكبر داعم للمشاريع التجارية الجديدة في أفريقيا، مما أثار الآمال في تدفق الأموال التي تشتد الحاجة إليها للطاقة الخضراء، في الوقت الذي تُثار فيه المخاوف المخاوف من أن الاستثمارات قد تعرض حقوق العمال وحماية البيئة للخطر".
وبيّنت أن "الشركات الإماراتية أعلنت، بين عامي 2019 و2023، مشاريع بقيمة 110 مليارات دولار، منها 72 مليار دولار في مجال الطاقة المتجددة".